الأرشيف الشهري: فيفري 2024

رجل في الظلام ـ بول أوستر: كتب ـ عبدالله خليفة #عبدالله_خليفة

توسع الفلسطينيين الإنساني : كتب ـ عبدالله خليفة

رجل في الظلام ـ بول أوستر: كتب ـ عبدالله خليفة #عبدالله_خليفة

فلسطين: الأديان والطبقات : كتب ـ عبدالله خليفة

رجل في الظلام ـ بول أوستر: كتب ـ عبدالله خليفة #عبدالله_خليفة

أمدنيةٌ أم علمانيةٌ؟ : كتب ـ عبدالله خليفة                             

رجل في الظلام ـ بول أوستر: كتب ـ عبدالله خليفة #عبدالله_خليفة

أية ديمقراطية مرجوة؟! : كتب ـ عبدالله خليفة

رجل في الظلام ـ بول أوستر: كتب ـ عبدالله خليفة #عبدالله_خليفة

النقد وتبعيته المزدوجة : كتب ـ عبدالله خليفة

رجل في الظلام ـ بول أوستر: كتب ـ عبدالله خليفة #عبدالله_خليفة

الفردية والفردانية : كتب ـ عبدالله خليفة

رجل في الظلام ـ بول أوستر: كتب ـ عبدالله خليفة #عبدالله_خليفة

شهادة من جمال عبدالناصر: كتب ـ عبدالله خليفة

رجل في الظلام ـ بول أوستر: كتب ـ عبدالله خليفة #عبدالله_خليفة

التقدم في زمن مختلف : كتب ـ عبدالله خليفة

لم تعتد التيارات التقدمية على وجود تعددية فكرية داخلها، فكان شانها دائما وجود مركزية صارمة، تضع شؤون القيادة داخل مجموعة صغيرة ومن ثم في يد دكتاتور واحد، بحكم تنامي المركزية وسيطرة الزعيم على الاتباع.
لكن هذا الأمر لم يعد مقبولاً لدى الوعي التقدمي، الذي انتقل من حالة الشمولية إلى حالة الديمقراطية، بسبب تعقد المسار السياسي الموضوعي، والحاجة فيه إلى رؤى عميقة، وليس فقط إلى إرادة الزعيم وإلى العفوية السياسية والشعارات العاطفية والتحليلات المبسطة الخ ..
وتعقد الحالة السياسية بين الشمولية والديمقراطية ليس هو في الجماعة التقدمية بل هو كذلك في النظام السياسي الرسمي الذي لم يعرف بعد الرسو على ميناء الديمقراطية أو البقاء في الشمولية!
بل إنها حالة مناطقية عالمية فالنظام السياسي الجديد العالمي شديد الاضطراب، والحديث عن الديمقراطية لم يستقر على كيان سياسي واضح المعالم يطبق بصرامة وبوضوح، وكذلك فإن هذا النظام يعبر عن سيطرة الرأسماليات الغربية واليابانية وليس عن مساواة حقيقية بين الأمم!
وأساسُ التضاد والاضطراب يكمنُ في تداخل وصراع القوى الثلاث المناطقية، وعدم فرزها نظاماً مستقراً. فالقوى الحكومية والمحافظة الدينية، وقوى الرأسمالية الليبرالية، وقوى الشغيلة، لم تشكلْ نظاماً مستقراً ومقبولاً لدى الأطراف الثلاثة.
إن هذا الصراع والتداخل سوف يستمر لأمد لا أحد يعرف مدى طوله الزمني، لأنه مرتبط بعوامل موضوعية وذاتية معقدة، مثل مدى توجه الرساميل لتغيير البُنى الاقتصادية المتخلفة، ومدى نزوع الأنظمة إلى إعادة تقسيم الثروة، وإعادة تنظيم قوى العمل لصالح العمالة المحلية والعربية، ومدى قبول القوى الاجتماعية لهذه الخريطة المتبدلة الخ..
ومن هنا فإن هذه القوى الثلاث المناطقية تشكلُ تياراتها داخل التجمعات السياسية المختلفة، وهي تتواجد بهذه المساحة أو تلك داخل (كل) القوى السياسية.
أي أن القوى الحكومية والدينيين، وقوى الليبرالية، وقوى الشغيلة، موجودة في كل المجموعات السياسية، بهذا الحجم أو ذاك الذي يعكس علاقات القوى السياسية بالطبقات الرئيسية. وعلى مدى وجود هذه التأثيرات يتحدد برنامج هذا الفريق أو ذاك.
فخطوط الطبقات هي خطوط موضوعية لا يستطيع التنظيم المرتبط بها أن يتجاوزها، لهذا فإن القوى الحكومية تترابط والقوى الدينية من حيث تعبيرهما عن محتوى اجتماعي وسياسي واحد عريض، رغم ما يبدو من تنافر شكلاني بين الجانبين. لكن الفريقين يعبران عن محتوى سياسي واحد، هو تعبيرهما عن القوى التقليدية في المجتمع. أي أنهما يعبران عن منظومة واحدة. فهذه ملكية سياسية وتلك ملكية دينية. والجانبان يتداخلان. وتركهما وحدهما يعني تفكيك البلد.
ولهذا فإن التقدميين الذين يصرون على عدم وجود تأثير ملكي أو ديني داخلهم، يتجاوزن الواقع.
فهناك نسبة معينة لهذا التأثير داخلهم، لعدم تفاعلهم مع هذه التأثيرات بطريقة تقدمية ديمقراطية.
ومن هنا تتشكل مهام التقدميين تجاه الملكية بتطور حضورها السياسي الديمقراطي الدستوري، أي أن الأمر يتجه للتشديد على تطورها الديمقراطى الدستوري، إلى أقصى إمكانياته، بدلاً من التشديد الحاصل حالياً على وجودها فقط، وكان هذا الوجود هو خاتمة المطاف. وهو أمر سيندرج بعد ذلك في تنامي هذه العملية في دول الخليج، ولما يمكن اعتبار التجربة البحرينية نموذجاً يختزل لدى اخوتنا فى المنطقة فكرياً وسياسياً صراعاتهم وتضييع الوقت التاريخي والوصول إلى ما وصلت إليه التجربة البحرينية في مجالات عدة، وذلك لتماثل الظروف الموضوعية بدلاً من أن يخوضوا المشكلات نفسها.
إن موقف التقدميين تجاه الكتلة السياسية – الاجتماعية الرئيسية في هذه الفترة وهي كتلة الحكوميين – الدينيين هي حزمة من الجوانب السياسية المتنوعة، عبر دفع الفريقين بالقبول بنظام اجتماعي موحد، وهي القضية المحورية لنضال التقدميين في المرحلة الراهنة. ولكن النظام الموحد أمامه عقبات ومهمات كبرى.
ونحن ننظر أن الفريقين هما من نظام تقليدي واحد، وتعرقله مجموعةٌ من التقاليد والنظم المتخلفة، هي النظم المذهبية السياسية واحتكار السلطة والمرجعية المطلقة في كلا الجانبين، وعبر التخلى عن هذا الاحتكار بشكل تدريجي يمكن لنظام من التعايش أن ينشأ . لكن ذلك يرتبط بمهمات نضالية ملموسة وليس بدعاية مجردة، أي ينبغي الصراع في وجه الجانبين للتخلي عن ذلك الاحتكار!
أن نضال التقدميين لتدعيم السلطة الملكية الدستورية يتوجه لتحولها إلى سلطة عامة وطنية، تمثل مجموع المواطنين وتتحول السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى قوى الشعب تدريجياً وعبر الاتفاق والنمو لإرادة المجتمع وسلطاته.
كما أن احتكار السلطة لدى المرجعية واحتكار فهم الإسلام لعقل ديني واحد أو ثنائي، فردي شخصي أو ثنائي مذهبي، من شأنه خلق دكتاتورية مذهبية تحل محل المرحلة السياسية التي تم تجاوزها.
ولهذا فان نضال التقدميين من أجل ملكية دستورية متطورة، هو أيضاً نضال لديمقراطية الإسلام وفهمه.
وهذا الأمر لا يمكن أن يتشكل بين عشية وضحاها بل عبر نضال ثقافي طويل أولاً، تقل فيه الجوانب السياسية المباشرة وتتعاظم فيه عمليات التنوير والتثقيف، لتعي القوى المحافظة أن نشاط الديمقراطيين والتقدميين ليس هو من أجل إزاحتها عن مسرح السلطة والسياسة؛ بقدر ما هو حلحلة وضع تقليدي جامد استمر طويلاً، ولا بد من التنازلات المشتركة والوصول إلى نظام سياسي جديد في المستقبل وهو لا يزال في علم الغيب، بالنسبة إلى إمكانيات المختلفين وإلى مدى الإصلاح الراهن وليس إلى التقدميين الذين يعرفون المدى التاريخي الممكن تنفيذه.
وإذا كان ذلك كذلك، فلا يجب أن يضع التقدميون أنفسهم داخل هذه القوة السياسية الرئيسية الراهنة، بل على العكس أن يكونوا خارجها، من أجل حفزها على التطور لنظام مستقبلي أفضل، يتجاوز احتكار السلطة واحتكار الدين، ويشكل ثقافة ديمقراطية في مجالي تداول السلطة، وفي مجال ديمقراطية الإسلام.
وإذا كان الحكوميون والمذهبيون يشكلون القوة المحافظة الرئيسية المهيمنة وطنياً وعربياً وإسلامياً، تعبيراً عن نظام تقليدي عاجز عن اللحاق بالمنظومة البشرية، بسبب خياراته الراهنة، فإن التجاوز الموضوعي لهما يكمن في تشكل نظام رأسمالي حر.
وهنا تغدو الليبرالية هي حضور الفئات الوسطى ودورها التجاوزي للنظام المحافظ، لكنها عاجزة عن ذلك بحكم عوامل موضوعية تتعلق بضعف المؤسسات الصناعية الخاصة وعدم انتشارها وغياب علاقاتها بالمؤسسات العلمية. وبالتالي يغدو القطاع العام البيروقراطي هو العقبة لهذا النمو، مثلما تغدو المذهبية الشمولية عقبة لتطور العقل الإسلامي الديمقراطي الحديث، وعقبة لتطور الوحدة الوطنية في كل بلد عربي وإسلامي.
وفي الجزيرة العربية والخليج هناك عوامل أكثر مضاعفة للتخلف بسبب غياب الطبقة العاملة المحلية الواسعة، وانتشار العمالة الأجنبية المتعددة اللغات.
ولهذا فوجود رأسمال وطني واسع، وطبقات عاملة بحرينية وعربية وخليجية واسعة، لا يمكن أن يحدث دون السيطرة الديمقراطية على القطاع العام، وبالتالي السيطرة على تشكل عقل وطني وإسلامي عقلاني، عبر مصادر ثقافة وتعليم حرة.
إن مساعدة الليبراليين والإسلاميين التنويريين والتيارات المتقاربة كافة مع الحداثة هي ضرورة موضوعية، لكن هؤلاء يسعون لتشكيل نظام راسمالي حر مطابق لمصالحهم الاقتصادية، التي ليس فيها اعتبار لوضع الشغيلة المواطنين، ومدى انتشارهم وسيطرتهم على سوق العمل.
ولهذا إن التوجهات التقدمية تتفق في جوانب مع الليبراليين وتتناقض في جوانب أخرى، وتتفق مع مطالب قواعد الدينيين بانتشار العمالة المحلية. ولهذا لا يمكن للتقدميين أن يتطابقوا مع رؤية الليبراليين المفصلة على مصلحة فئات مالية وخدمية أكثر منها صناعية في الوقت الراهن.
ولهذا فإن تعاون التقدميين يتوجه لتدعيم الجناح الصناعي من الفئات الوسطى بشكل خاص، عبر حماية هذا الرأسمال وتطوير محليته وتجذره الوطني عمالة وقيمة.
وللفئات الوسطى الغنية برامج متعددة، وتطرح ليبرالية بلا أبعاد وطنية عميقة وبلا تجذر في تقاليد المنطقة وسيرورتها الخاصة، وتجلب موديلات أوروبية جاهزة وشكلانية غالباً . وهناك مثقفون يعملون في هذا الأفق غير أننا لنا أفق آخر.
فليس كل طرح حكومي يغدو مقبولاً إلا إذا عبر عن مصلحة الشعب، وكذلك بالنسبة إلى الدينيين والليبراليين، فما يجسد معيار الموقف مدى قدرة هذه الأطروحات المختلفة على تغيير حياة العاملين والصناعيين والتجار الصغار الخ.. أي قدرتها على شق طريق لتعددية حقيقية وليست مظهرية. ونحن لدينا معيار مصلحة الطبقة العاملة البحرينية والعربية كمعيار أساسي لتقييم المواقف السياسية. فليس لدينا معيار ثقافي مجرد!
هل يعبرالتقدميون عن طبقة معينة أم عن تحالف طبقي وهل يستطيع تنظيم أن يعبرعن كل الطبقات مثلما يحاول المذهبيون السياسيون والقوميون الحكوميون وغيرهم أن يفعلوا وفي النهاية لا يستطيعون سوى التعبير عن نظام تقليدي فات زمانه، عاجز عن ملاحقة العصر؟
ومن الواضح إن التنظيمات الحديثة لدينا تعبر عن الفئات الوسطى الصغيرة، في حين يعبر التقدميون عن هذه الفئات الوسطى وعن العمال كذلك، بل هم يعبرون عن المذهبيين وعن الحكوميين، لأنهم لم يقوموا يفرز بل ظهروا فجاة بلا تراكم نظري وسياسي!
وإذ ينفي المذهبيون السياسيون الليبرالية والقومية والتقدمية، أي كل اتجاهات العصر الحديث طارحين نموذجاً ماضوياً تقليدياً لا يمكن ظهوره إلا عبر تحطيم المجتمع، إذ يعجزون عن فهم الإسلام كحركة توحيدية ويعجزون عن فهم الحداثة كذلك. ومن هنا فهم يضربون الفئات الوسطى التي يصعدون على أكتافها، في حين الاقتراب من التحررية الاجتماعية (الليبرالية) ومن القومية ومن التقدمية، هو الذي يطور الفئات الوسطى باقترابها من حليفها الطبيعي وهو العمال.
إن دعم فصائل الديمقراطية الحديثة كافة من إسلاميين توحيديين نهضويين، ومن قوميين وليبراليين، هي من مهمات التقدميين، حين تقوم هذه التيارات بالاقتراب من مصالح الشعب.
لكن التقدميين لا يمكن أن يكونوا ليبراليين او مذهبيين سياسيين، لأن الليبرالية تعبير عن مصالح الفئات الوسطى لنمو مشروع رأسمالها الخاص، وهو مشروع في صيغته الراهنة لا يستجيب حتى لمصالح ظهور رأسمالية حرة، لأن مثل هذه الرأسمالية الحرة في وعى التقدميين لها الشروط سابقة الذكر. لكن لا بأس من الحوار مع تجليات الليبرالية الحالية العاجزة عن تجذير ليبراليتها بحكم طبيعة رساميلها القادمة من الدولة، ومعيارها هنا مدى نزولها للنضال من أجل ديمقراطية القطاع العام وبحرنته!
مثلما أن المذهبية السياسية مرفوضة لتعبيرها عن تقسيم الشعب والمسلمين. ومن هنا فأي تعاون ينبغي أن يكون موجها في مضمونه العميق لتجاوز هذه المذهبية الانقسامية وليس لتكريسها. اي لإنتاج وعي إسلامي تحديثى.
ولهذا فظهور تيارات ومنابر لدى التقدميين ينبغي أن يكون من أجل تعميق الرؤية التقدمية في فهم الليبرالية والإسلام والقومية، وليس لخلق أحزاب عبر هذه المكونات. فلا بأس أن يقترب تقدميون من الليبرالية بشرط ألا يذوبوا فيها، لأن لدينا تجمعات ليبرالية عدة تعيش هي ذاتها انقسامات ومخاضاً فلا داعي لزيادتها.
إن هذا كله يعتمد على مدى قدرة التقدميين على التطور الفكري والسياسي، أي تقديم دراسات فكرية وسياسية محلية، وتحليلات معمقة للاقتصاد والسياسة والتعليم والثقافة الخ .. تشكيل هنا منابر تعبر عن جهود التقدميين في تطوير الليبرالية، أي إنه موقف يميني، والمنبر الذي يعكس مصالح العمال، أي هو موقف اليسار، لأن الجماعة في الواقع لم تفرز من هو مع العمال ومن هو مع الفئات الوسطى ومشروعها. وكيف يقام التحالف بين الجانبين. وكلما حدث التعبير النظري والسياسي وعملية الفرز تقدمت عملية الوعي التقدمية.

رجل في الظلام ـ بول أوستر: كتب ـ عبدالله خليفة #عبدالله_خليفة

انحطاط الغناء.. انحطاط السياسة : كتب ـ عبدالله خليفة

رجل في الظلام ـ بول أوستر: كتب ـ عبدالله خليفة #عبدالله_خليفة

محمد باقر الصدر: الأنظمة ـ كتب ـ عبدالله خليفة

في كتابه (فلسفتنا) يعتبر محمد باقر الصدر المفكر الديني الراحل وجهة نظره بأنها (مجموعة مفاهيم الإسلام عن العالم)، ويعتقد بأن ثمة صراعاً فكرياً مريراً (لا بد للإسلام أن يقول كلمته) فيه ص 6، فيتصور بأن ما يقوله هو المعبر عن الإسلام لا وجهة نظر شخصية أو وجهة نظر تيار أو مذهب.

وهو من البداية يؤكد (صحة الطريق العقلية في التفكير، وإن العقل، بما يملك من معارف ضرورية فوق التجربة، هو المقياس الأول في التفكير البشري، ولا يمكن أن توجد فكرة فلسفية. أو علمية دون إخضاعها لهذا المقياس العام، وحتى التجربة التي يزعم التجريبيون أنها المقياس الأول، ليست في الحقيقة إلا أداة لتطبيق المقياس العقلي، ولا غنى للنظرية التجريبية عن المنطق العقلي.): (فلسفتنا، محمد باقر الصدر، دار التعارف للمطبوعات، 1979، ص 7 بيروت).

 فهو يعتبر (العقل) هو المهيمن على التجربة وعلى الفكر التجريبي، وهذا العقل غير موضح الفصيلة في بداية كتابه السابق الذكر.

ولكي يمهد محمد باقر الصدر لمناقشة وتفنيد الماركسية، باعتبارها الخصم الرئيسي للفكر الديني كما يتصور، فإنه يناقش طبيعة الأنظمة السائدة في زمنه وهي:

1 – النظام الديمقراطي الرأسمالي.

2 – النظام الاشتراكي.

3 – النظام الشيوعي.

4 – النظام الإسلامي.

وهو يعتبرُ بأن مشكلة الإنسان عميقة الجذور لكننا لديه لا نعرف مسيرة العلاقات الإنسانية إلا بشكل ضبابي أخلاقي مجرد، يقول:

(فإن هذه العلاقات التي تكونت تحقيقاً لمتطلبات الفطرة والطبيعة في حاجة بطبيعة الحال إلى توجيه وتنظيم، وعلى مدى انسجام هذا التنظيم مع الواقع الإنساني ومصالحه يتوقف استقرار المجتمع وسعادته)، (ص 11).

وهكذا تتشكل لديه الإنسانية عبر الفطرة والطبيعة وبالتالي فإن تاريخاً غائراً عميقاً يتوارى هنا، وتظهر الإنسانيةُ المعاصرة كمذاهبَ فكريةٍ فلسفيةٍ سياسية، مقطوعةِ السياقِ عن سيرورةِ التاريخ والطبقات، وبالتالي فإنه لا يقوم بأي ربطٍ بين المذاهب والقوى الاجتماعية، محولاً المذاهب إلى كينوناتٍ متجوهرةٍ على أنفسها منذ البداية، ويعتبر النظامان السائدان في العالم في زمنه هما (النظام الديمقراطي الرأسمالي هو أساس الحكم في بقعة كبيرة من الأرض، والنظام الاشتراكي هو السائد في بقعة كبيرة أخرى)، (وأما النظام الشيوعي والإسلامي فوجودهما بالفعل فكري خالص).

عبر قطع الأنظمة والأفكار عن سياقاتها الكبرى يقوم بعد ذلك باختيارِ جانبٍ رئيسي من النظام ليعتبره هو النظام الكلي، فيقول عن النظام الرأسمالي بأنه قائم على (الإيمان بالفرد إيماناً لا حد له. وبأن مصالحه الخاصة بنفسها تكفل ~ بصورة طبيعية ~ مصلحة المجتمع في مختلف الميادين) ويعلقُ محمد باقر على هذا النظام من الوجهة الفكرية قائلاً: (ومن الواضح إن هذا النظام الاجتماعي نظام مادي خالص، أُخذ فيه الإنسانُ منفصلاً عن مبدئه، وآخرته، محدوداً بالجانب النفعي من حياته المادية، وأُفترض على هذا الشكل. ولكن هذا النظام في نفس الوقت الذي كان مشبعاً بالروح المادية الطاغية… لم يُبن على فلسفة مادية للحياة وعلى دراسةٍ مفصلةٍ لها)، ولكن هذا لا يعني بأن الباحث محمد الباقر لا يعتبر النظام الرأسمالي صاحب ثقافة مادية (فلسفية هنا)، ( بل كان فيه إقبال على النزعة المادية: تأثراً بالعقلية التجريبية التي شاعت منذ بداية الانقلاب الصناعي  وبروح الشك والتبلبلِ الفكري الذي أحدثه انقلابُ الرأي، في طائفةٍ من الأفكار كانت تعدُ من أوضح الحقائق وأكثرها صحة وبروح التمرد والسخط على الدين المزعوم، الذي كان يجمدُ الأفكارَ والعقولَ، ويتملقُ الظلمَ والجبروتَ)، (ص 17 ~ 18). نحن نرى هنا إن عشرة قرون من التطور العلمي و الثقافي والروحي الأوربي تــُركز في مظاهرٍ مختزلة، فهناك تمردٌ وسخط وهناك شك وبلبلة وهناك فلسفة تجريبية ، لكن يبدو إن ليس هنا ثمة بناءٌ فكريٌ وأخلاقي كما يتصور الباحث، فقد دمر الغربيون الدينَ المزعوم ، لكنهم لم يشكلوا وعياً دينياً آخر حسب تصوره، أو أنهم بلا مظاهر روحية وثقافية غنية وعظيمة، وهذا الاختزالُ الذي يقومُ به الباحثُ بإلغاء الدين المعاد تجديده أو فصله عن الدولة الغربية، يغدو لديه إبعاداً كلياً للدين عن المجتمع وعن الثقافة، وهي الأمور التي لم تجرِ في الغرب، كما أن ثقافة أخرى غير دينية وأخلاقية كذلك  لم تتشكل مهيمنةً على كل الفضاء الروحي، وهو بعد هذا الإلغاء لثقافة روحية أخلاقية وهامة في الغرب يستنتج:

(كل هذا صحيح، ولكن النظام الرأسمالي لم يركز على فهم فلسفي مادي للحياة، وهذا هو التناقض والعجز، فإن المسألة الاجتماعية للحياة تتصل بواقع الحياة، ولا تتبلور في شكل صحيح إلا إذا أقيمت على قاعدة مركزية، تشرحُ الحياةَ وواقعها وحدودها، والنظام الرأسمالي يفقد هذه القاعدة)، (ص 19).

وهذه التعابير الغامضة يُـقصد منها عدم وجود أساس ديني للنظام الرأسمالي الغربي العلماني، فبدون وجود رجال دين يهيمنون على النظام فإنه يخضع لزوال الأخلاق: (والدليل على مدى اتصالها بالحياة من الديمقراطية الرأسمالية نفسها أن الفكرة تقدم على أساس الإيمان بعدم وجود شخصية أو مجموعة من الأفراد، بلغت من العصمة في قصدها وميلها وفي رأيها واجتهادها، إلى الدرجة التي تبيح إيكال المسألة الاجتماعية إليها، والتعويل في إقامة حياة صالحة للأمة عليها)، (ص 19ـ 20).

إن الثقافة الروحية والفكرية الأخلاقية تــُفهم من قبل السيد محمد باقر بأنها إيكال أمر السيادة السياسية إلى رجال الدين وبدون ذلك فإنه لا توجد حياة صالحة للأمة، وهذا يعني ضرورة هيمنة رجال الدين على المؤسسات السياسية لكي يكون هناك تطور روحي وأخلاقي في المجتمع!

ومن هنا فإن (القيم المادية؛ بمعنى الابتذال السوقي هنا) هي التي تسودُ في الحياة الديمقراطية الرأسمالية حسب رأيه. ولهذا قام الباحثُ بإزالة التطور الفكري والأخلاقي الطويل من نسيج الحضارة الغربية خلال القرون العشرة الأخيرة، وغيّب مختلفَ أشكال الثورة الثقافية والفكرية والفلسفية الغربية التي تفجرت كثقافة النهضة ثم التنوير ثم ثقافة العصر الصناعي والثورة الديمقراطية البرجوازية ثم صعود ثقافة الطبقات العاملة، وذلك فقط بسبب إبعاد الدين عن السلطة السياسية، في حين أن الدين المسيحي مع غيره من الأديان لا يزال يقوم بالسيادة العبادية على الحياة الاجتماعية في الغرب خلال هذه القرون كلها.

أي أن الغرب (العلماني) لم يحطم الهيمنة الدينية المسيحية على الناس، حيث قامت القوى المهيمنة بنشر والحفاظ على الدين في الوعي الجماهيري بمختلف الأشكال، مثلما يوجد وعي لا ديني غير أنه غير مهيمن، ولهذا فإن موضوع سيادة الدين على الحكم هو الذي يجعل الحياة مادية غير روحية في تصور السيد محمد باقر!

(وكان من جراء هذه المادية التي زخر النظامُ بروحها أن أُقصيت الأخلاق من الحساب، ولم يلحظ لها وجود في ذلك النظام.. وأعلنت المصلحة الشخصية كهدف أعلى.. فنشأ عن ذلك ما ضج به العالم الحديث من محن وكوارث..)، (ص 20). 

إن العالم الصالح في نظر الباحث هو الذي يتمكن رجالُ الدين من إدارته حيث تغدو الأخلاق في بؤرة الاهتمام، فالعالم الرأسمالي الذي لم يسيطر عليه الروحانيون غدا بلا أخلاق ، وصار التكالب على الماديات، وهنا يجري في وعي محمد الباقر تغييب الصراعات الاجتماعية التي شكلت مسار التطور، وكذلك نمو المستويات الثقافية والأخلاقية الغربية عبر هذا الصراع الاجتماعي نفسه ، فالتكالب على الماديات يعتبره سبب الكوارث، في حين أن النظام الغربي يجعل الصراع على (الماديات) كالأرباح والأجور والخدمات الخ.. جوهر نشاطه السياسي الرسمي والشعبي، في حين أن الجانب الروحي والاجتماعي مباح للدين وغير الدين!  ففصل الدين يجري فقط في إدارة المجتمع السياسية أما غير ذلك فإن للدين دوره الكبير، ولهذا فإنه حتى الأخلاق الدينية لها مكانتها!

ويتصور الباحث محمد باقر إنه عبر هذه الحياة المادية الاستهلاكية (لا توجد قيم) وتتحكم (الأكثرية في الأقلية ومسائلها الحيوية) ص 21، وهو يقصد هنا تحكم الجمهور المادي في الجمهور الروحي الديني، (وما دامت الأكثرية لا تعرف للقيم الروحية والمعنوية مفهوماً في عقليتها الاجتماعية؟؟) ص 22، أي أن إبعاد رجال الدين عن السيطرة الفكرية على الجمهور الذي لا يعرف القيم الروحية هو أمر يؤدي إلى حيونة الإنسان.

والباحث محمد باقر هنا يعود إلى الخلفية الشرقية وإلى قيام بعض اتجاهات الدين الكفاحية دورها التحويلي والأخلاقي، وهو يتصور بأنه مع غياب ذلك لا يعود الغرب سوى غابة!

إن تحويل الجمهور الغربي بأغلبيته إلى قطيع حيواني، هو مسألة لا علاقة لها بالتطور الحقيقي، ولكنه هنا يتشكل في وعي السيد محمد باقر مثلما يتشكل في وعي بعض عامة المسلمين عبر تعميم بعض المظاهر و عزلها عن اللوحة العامة وتضخيم هذه المظاهر بشكل كاريكاتيري، في حين أن التطور الأخلاقي والثقافي الرفيع يجري في الغرب بمواكبة النضال ضد مظاهر ابتذال الإنسان واستغلاله. فالنضال من أجل تطور حياة الإنسان المادية لا ينفصل عن النضال لتطور حياته الأخلاقية.

إن هذا الإسقاط الديني الإيديولوجي للسيد محمد باقر جرى في أزمنة لم تكن الرؤية الشرقية للغرب متعددة وعميقة وذات مستويات مختلفة ، كذلك فإن الإسقاط يجري من مواقع الفئات الوسطى والصغيرة الإسلامية التي ترفض هيمنة الشركات الكبرى الغربية في الغرب والشرق كذلك، وهو ما يؤدي إلى دهس إنتاجها المادي والثقافي. وهو أمر يشعر المتصدون للقيادة الدينية والسياسية بخطورته على العالم.

إن محمد الباقر يفسر الأسلوب الرأسمالي للإنتاج بشكل فكري أخلاقي، (كل هذه المآسي المروعة لم تنشأ من الملكية الخاصة، وإنما هي وليدة المصلحة المادية الشخصية التي جعلت مقياساً للحياة في النظام الرأسمالي، والمبرر المطلق لجميع التصرفات والمعاملات)، (ص 35). 

فالملكية الخاصة لم تنتج ثقافتها المختلفة عبر العصور، بل لعبت روحيةُ المصلحة الشخصية الأنانية هذا الدور الاستغلالي، وحين تــُضاف القيم النبيلة إلى الملكية الخاصة فإنها تنتج أدواراً اجتماعية مختلفة في رأيه، ومن هنا كان يمكن للنظام الرأسمالي الغربي أن يكون شيئاً آخر لو كان هناك رجال دين مختلفين غير استغلاليين وفاسدين ، حيث يمكن لرجال الدين النزيهين المتحكمين في جهاز الحكم أن يصنعوا غرباً مختلفاً!

وهنا يفكر محمد باقر كذلك من خلال تاريخه الاجتماعي الشرقي، حيث الملكية الفردية الإنتاجية في الحقل والحرف والملكيات الصغيرة تتوازى مع ملكية الدولة، وحيث لا تزال العلاقات الاجتماعية لم تترسمل بشكل واسع، كما أن هذا الوعي يعبر عن حياة الركود طوال عصور حيث لعبت الدولُ المركزية عبر الأديان والمذاهب دور المهيمن، فهنا اندمج الدور (الأخلاقي) للملكية الخاصة مع الدور الحكومي ودور رجال الدين ، وحيث أُعتبرت الملكية الخاصة خالدة لا يسبقها تاريخٌ مشاعي طويل، وبالتالي فإن محمد باقر يريد أن يشرقن ويمسلم الغرب، الذي غادر التاريخ الشرقي حيث الترابط بين الملكية الخاصة الصغيرة والإدارة الحكومية وسيطرة الأديان والمذاهب، وقد جعل الغربُ قوى الإنتاج في ثورة مستمرة مرتبطة بالسوق المحلية والعالمية، فهي تعيدُ تشكيلَ البنى الاجتماعية والفكرية بشكل دائب، لكي تسهمُ في عملية التغيير الاقتصادية التي يتحكم فيها الرأسماليون وعبر صراع دائب مع العمال.

ولهذا فإن السيد محمد باقر يرى التجربة المسماة (اشتراكية) بنفس الرؤية، فيقرأها بالصورة التالية: (أما مضاعفات هذا الإنتاج فهي جسيمة جداً: فإن من شأنه القضاء على حريات الأفراد، لإقامة الملكية الشيوعية مقام الملكيات الخاصة. وذلك لأن هذا التحويل الاجتماعي الهائل على خلاف الطبيعة الإنسانية العامة)، (باعتبار  إن الإنسان المادي لا يزال يفكر تفكيراً ذاتياً، ويحسب مصالحه من منظاره الفردي المحدود)، وهذا كله جعل الاشتراكيون يشكلون (قوة حازمة تمسك زمام المجتمع بيد حديدية، وتحبس كل صوت يعلو فيه، وتخنق كل نفس يتردد في أوساطه، وتحتكر جميع وسائل الدعاية والنشر..)، (ص32). 

يعتبر محمد باقر كما تقول (الماركسية ~ اللينينة) بأن التجربة التي جرت في الاتحاد السوفيتي والصين وغيرهما بأنها تجربة (اشتراكية)، وليست رأسمالية دولة شمولية، وهو لا يؤيد هذا البناء من ذات منطلق الملكية الخاصة الصغيرة التي ستُحطم هنا من خلال الدولة وليس من خلال الرأسماليين كما في الغرب، ولكن بمضاعفات أخرى وهي غياب الحرية الفردية كذلك، وهو يجعل هيمنة الملكية الخاصة جزءً من (الطبيعة الإنسانية)، كما أنه يتنبأ بشكل صحيح بعودة (الاشتراكية) إلى الرأسمالية العادية لأن المديرين والمهيمنين على المال العام هم أفراد، أي كما لاحظ تروتسكي بأن البيروقراطية تنخر (الاشتراكية) المفترضة كما تنخر التجارب التنموية الرأسمالية الفردية في العالم الثالث الأخرى.

لكن منطلقات محمد باقر دينية مثالية ، حيث تتناغم لديه الملكيةُ الخاصة الصغيرة والدينُ والدولةُ المسيطرة الشاملة في علاقة شرقية أبدية. دون أن يقرأ بأن رأسمالية الدولة الشرقية (الاشتراكية) جرت بسبب عوامل نهضوية تسريعية، وبهذا فإن المركزة الاقتصادية الحكومية أدت إلى تجاوز هذه البلدان منظومة الدول المتخلفة، وأجرت ثورة ثقافية وتقنية، بسبب عدم جعل الملكية الخاصة الصغيرة والمذاهب تتحكم في البناء الاقتصادي العام، ولكن كان لذلك ثمن باهظ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

انظر عبـــــــدالله خلــــــــيفة: الاتجاهات المثالية في الفلسفة العربية الإسلامية، الجزء الرابع، تطور الفكر العربي الحديث، وهو يتناول تكون الفلسفة العربية الحديثة في مصر خاصة والبلدان العربية عامة، منذ الإمام محمد عبده وبقية النهضويين والمجددين ووقوفاً عند زكي نجيب محمود ويوسف كرم وغيرهما من منتجي الخطابات الفلسفية العربية المعاصرة، 2015.