كتب : عبـــــــدالله خلـــــــيفة
9/8/2011
الشعب السوري الجبار بتضحياته الجسيمة العظيمة يجب أن يُدعم بكلِ قوةٍ من قبل العالم المتفرج على ذبحه عبر آلة قتل النظام الشرسة.
وحسناً تحركت كلماتٌ واحتجاجات بعضِ الدول العربية وتصاعدتْ لغةُ الرفض العالمية.
لكن موضوعنا هنا شيءٌ آخر، وهو يتعلق بمشكلاتِ تطورِ الثورة نفسها، ومن المؤكد أن الجماهيرَ الشعبيةَ العادية هي قوةُ التضحيةِ الكبرى، وهي تتدفقُ في الشوارعِ بلحمِها الممزق، وبوعيها البسيط تصنعُ الحشودَ والكلمات والشعارات.
هذه لحظاتٌ مفصليةٌ تاريخيةٌ خطيرةُ يجب درس شعيراتِها، ونحن أمام لحظة تصادم وافتراق بين نظام زَعم الحداثة والعلمانية، وبين جماهير القرى والبوادي ومدن الكادحين الريفية والمدنية، وكلٌ منهما له وعيهُ الخاص، فالجماهيرُ لم تندمج بذلك الوعي التحديثي المبتور الناقص، حيث لا حداثةَ من دون ديمقراطية، كما أنه لا ديمقراطيةَ من دون حداثة.
وتصادمُ الجماهيرِ الشعبيةِ والنظام يجب ألا يغيبَ عنه، إيجابياتُ النظامِ الحداثي البعثي الشمولي هذا، كما يجب ألا تغيب سلبياتُ الجماهير ومستوى وعيها الراهن.
النظام الدكتاتوري الوحشي الراهن كانت له إيجابيات، لقد طوّرَ الحداثةَ والإصلاحَ الزراعي وأقام قطاعاً عاماً كبيراً وشكَّل بؤرةً قوميةً تحديثية نضالية في المنطقة، لكن القبضةَ الأمنيةَ العسكريةَ دهورتهُ وجعلتهُ يتآكل وقزمّتْ طبقتَهُ الحاكمةَ في بضعة لصوص كبار وفي عائلة.
فيجب ألا تكون الثورةُ نَسفاً ودَماراً بل تكملةً وإضافةً وتجاوزاً للسلبيات.
الرائعُ هنا هو عظمةُ الجماهير الشعبيةِ وهي تتمسكُ بالنضال السلمي، فيما هي تُذبح!
لكنها تخوضُ النضالَ من عاميتها ومن ريفها ومن باديتها، وأي مثقف حتى لو كان مغنياً تُشق حنجرته ويُلقى في السماد البشري.
ومن هنا فهي تناضلُ عبرَ وعيها الديني المُسيّسِ البسيط، لكن هذا الوعي الديني خطرٌ على الثورة ونجاحها، لأنه وعي لم يستطع أن يفهمَ الأوضاعَ الدقيقة، وتشكلَ من خلالِ جملٍ سياسية باترة خطرة.
مثل شعار(يَله أرحلْ يا بشار، الله معنا يا ثوار)، فهو يجعل الثورةَ ذات هدف شخصي، موجهة لفرد، وتقوم الجماهير هنا باحتكار للدين، وتجعل من نفسها في صف إلهي فيما تجعل الخصم في موقف شيطاني أو إلحادي!
هذا المستوى تجاوزه الوعي السوري المثقف، ولغة الجمهور النقدية الشخصية تجعل الفئات المثقفة والتجارية الواسعة خاصة في المدن الكبرى تُحجم عن تأييد الثورة لما ترى فيها من خطورة على التعددية والتقدم.
ويتوجه الجمهور كذلك لإسقاط (البعثية)، وهو تعميمٌ آخر لحزب كبير، مؤثر في الجيش والحياة السياسية الاقتصادية العامة، والجمهور بلا قوى عسكرية مساندة، فيريدُ إلغاءَ رئيس دولة وحزب وكأنه ينسخُ التجربةَ المصرية التي لها مسار آخر، والجيش هناك ذو علاقة بالغرب تسليحاً وتدريباً وتأثيراً، فيما الجيش السوري مشبع بدكتاتورية حزبية طويلة، من هنا فإن شعارات ديمقراطية أكثر مقاربة تغدو ضرورية، شعارات تركز في إزالة الدكتاتورية، وقيام مجتمع ديمقراطي وطني متقدم، من دون الهجوم على الحزب، تاركة سبل تنفيذ ذلك من قبل جهات عدة تتكاثر أفضل مما تنحصر وتتآكل مع عظم التضحيات وطول المواجهة.
ولهذا فإن شعار (إسقاط النظام) يقف هو الآخر صعباً إن لم يكن مستحيلاً، كما أنه يعبر عن تصادم قوتي التحديث الشمولي والجمهور العامي، من دون حل وسط، فإمكانية السقوط صعبة، وما بعد السقوط غامض ومحفوف بالمخاطر.
ويعبر ذلك عن قوة العامة وتضحياتها الجسيمة في الأرياف خاصة، لكنها لا تستطيع أن تتقدمَ إلى المستقبل من دون (الطبقة) الوسطى المدنية المؤثرة في الدولة والجيش والأمن والاقتصاد، وهو أمرٌ يتضحُ في إحجام المدينتين الكبريين دمشق وحلب عن المشاركة في الثورة باندفاع واسع مؤثر.
إن الشعارات تعبر عن وعي شعبي ديني عادي لم يتغلغل لفهم الصعاب الكبرى التي تواجهه والمستقبل المنتظر من خلال كلماته ونضاله.
إن غيابَ الاستراتجية السياسية هو من مسئولية المثقفين الفاعلين في الأحداث، الذين يعيش كثيرٌ منهم في حالة عداء كلية للتجربة الحكومية الراهنة، بدلاً من رؤيتها كمرحلة، وكنظام ذي إنجازات مهمة، ينبغي تجاوز سلبياتها في مسائل الحكم الشمولي، والعنف، وهو أمرٌ سيكون رسالة للكثير من قوى الفئات المتوسطة المدنية والعسكرية للالتحاق بالثورة وإخراج سوريا من مذابحها الراهنة، والانتقال لمرحلة جديدة مكملة ومطورة للسابق، مع عقاب القوى المفسدة والمنتهكة لحقوق الإنسان.
وكانت هذه المشكلة من نصيب الثورة المصرية كذلك التي دخلت التحول نفسه بشكل عفوي من دون استراتيجية سياسية تجاه النظام ومؤسساته الاقتصادية والسياسية ودستوره وقوانينه، فدخلت في تجريب وغموض تصادمي طويل وأوجدتْ أعداءً لم يكونوا أعداء ودخلت في صراعات جانبية تاركة النظام الاقتصادي يتعثر ويفقد الناس أرزاقهم.
اللغةُ الدينيةُ ومخاطرُها على انتصارِ الثورة السورية
أضف تعليق
