مصائرُ الأبطالِ السابقين المأساوية مجلبة دائمة للأحزان، وهي الحالةُ العاديةُ الضحلة، لكنها مناسبة أعظم للدرسِ العقلاني، وبقراءة تضحيات الأوائل والفرح بمجزاتهم.
نحتفلُ معاً بالبطل الغائب فيما البعض يكدسُ الأموالَ في خزائنكَ وتملأ زرائبكَ بالخرافِ والعجول، وانا لا أملكُ ثمنَ الفطور؟!
نبكي معاً، فيما أنت ترسلُ أبناءك للدرس في الخارج، وانا يجهلُ ابنائي الثقافةَ في المدارس العامة الأمية؟
نصطفُ معاً للصلاة ثم لا تتخلى عن ديونك وتقودني للسجن؟!
نتمذهب ثم يكون لكَ الذهب وأنا لي الفقر؟
شكلَّ البابواتُ ثقافةَ المأساة، ومنذ شهيد السماء جعلوا من البكاءِ نهراً يصبُ الأموالَ في خزائنهم، ونهضتْ روما البابوية وإمتدت قطائعها وبساتينها على لحومِ الفلاحين المعجونةِ بالسياطِ والضرائب.
ومن قبل منذ أزوريس وأدونيس كان البكاءُ صناعةً إستغلالية متطورة، وكان جلدُ الذاتِ تطهيراً زائفاً، وهو الذي أشادَ الإهرامات الكبرى لجثثِ الحكمِ الإنانية، وبنى الحصالات العظمى من عظام العبيد!
المأتميةُ المستمرةُ تعبرُ عن بطولةٍ عظيمةٍ قديمةٍ وعن عجزٍ سياسي راهن.
الأبطالُ القدامى الذين تعاونوا أو خُذلوا في معركةِ التغيير، تتم إستعادتهم من قبلِ قوى فاشلةٍ في النضالِ الراهن، تدافعُ عن الفقراء وتجلدهم وتستغلهم، وتؤخرهم، خوفاً من أن يتطوروا أو يتحرروا منها!
عندما تقتربُ الجموعُ البشريةُ من القطعان المُعَّدة للذبح تختفي كلُ قدراتِها، تبكي بوجعٍ آلامَها النازفةَ عند الأضرحة، وفي الشوارع الخاذلة للعدالة وللوطن، وعند الحصالات التي جمعتْ دمها، والدوائر التي إستنزفتها.
تتمسكُ بالرموز التضحوية، التي بهرتْ الدنيا، ثم تضعُ دراهمَها القليلة الأخيرة لدى تجار الأضرحة والدموع وتشعرُ بلحظةِ سعادةٍ وتطهيرٍ في مسرحِ جلدِ الذاتِ وتغييب العقول!
تغدو المأتميةُ علامةَ فشلٍ سياسي راهن. السياسيون الفاشلون وحدهم الذين يجتمعون بإستمرارِ لندبِ تاريخ النضال، ولتذكر الشهداء في منولوجات لا تتوقف عن العظماء الغائبين، للشعورِ بلحظاتٍ من الصفاءِ الروحي الزائف المخدر حين ينسى العمالُ أجورَهم غير المدفوعة، وبطالاتهم المتسعة، ويتخفف الأغنياءُ والمتسلقون من الشعور بالذنب لامتصاصِهم خيراتِ المجتمع في جيوبِهم وأرصدتهم، فيتبرعون بعدة دموع من أجل النضال المشترك.
لكنهم ليس لديهم أجندة نضال حقيقية على الأرض، يتكئون على الشهداء لكي يخففوا من حركةِ أقدامِهم في حاراتِ البؤس، ومن إقامةِ علاقاتٍ مع خلايا التغيير وتطوير الكتل البائسة من الشباب التي تحلقُ في فضاءِ الموتِ بالإبرِ والدخان.
يطيرون من خلالِ الشهداءِ وسيولِ البكاء وأمطارِ التطهر ويسكتون ضمائر تضجُ بالأسئلة ويشيعون الحياةَ في ثقافةٍ صفراء تذبل ولا تستقيل وتتحول إلى مشانق وحظائر جنون.
تجارُ الدموعِ والكراسي يستمرون في تجميعِ الأموال، فيما يستمرُ الفقراءُ في تجميعِ العللِ والبؤس، لكنهم يواصلون البكاء والتشبث بالقبورِ والأضرحة والتماثيل والصور ويقبلون أرجلَ البابوات، أو يلحدون أو يهذون بالمسكرات يطيحون بعقولهم، أو يظهر منهم من يناضل ويراكم ثقافة النور، والإعتزاز بالأبطال السابقين وإحترامهم، والنضال الجديد المختلف، الحافر في المعرفة والأسئلة والخرائط الاجتماعية وتجميع الصفوف وحشد القوى للتغيير.
لقد شبعتْ الشعوبُ من الدموع!
شبعتْ من ثقافةِ السلاسلِ والسيوف والسياط!
شبعتْ من فنونِ البكاء وتاقتْ للأفراح وتغيير العشش والحارات الضيقة الخالية من النور، ومن بيوتها المصائد الأنفاق، ومن خرائبها، تريدُ الأعراسَ وقد ذبلتْ الفتياتُ بلا زواج، وأكتهل الفتيانُ قبل أوانهم، وتلوثت الشوارع بالكيمياء السرطانية، فالموت كثيف كثير، والبكاء عميم واسع!
فلتزغردْ النساءُ حين يظهر الشهداء من أجل القضايا!
لتحتفي الجموعُ وترقصُ من أخبار النضال وسكب الدم من أجل الأوطان!
لتوزع الورد والشراب والأغاني!
لتصدح الألحان في ذكرى الشجعان الغابرين!
لنحى ذكريات المناضلين بمزيد من النضال والفرح!
ولنقطع التجارات بالدين والسياسة وبالأوطان.
الأبطال والفرح ـ كتب : عبـــــــدالله خلـــــــيفة
أضف تعليق
