رياضُ الترك رمزاً

كتب : عبـــــــدالله خلـــــــيفة
1930ــ 2024

المناضلُ رياض الترك من أهم رموز الثورة السورية، في سيرتهِ وجذورهِ وأفكارهِ المتنامية وعياً، نموذجٌ تألقَّ داخله الشعبُ وتكّون.
وضعهُ النظامُ الدكتاتوري عقدين من السنين في زنزانة بطول مترين، وترك قيادات (يسارية) تحيا وتزدهر حياة شخصية ضيقة، وفيما هي رحلت بقى رياض الترك حياً، فالنظامُ حفظَ حياته وقدمَهُ طاقةً ورمزاً نضالياً داخل أقبيته ليعمل على تقويضه!
بدأ حياتُهُ مقولباً ككل الشيوعيين والماركسيين والقوميين، مستورِداً لأنماط تتغلغلتْ في التراب الوطني ثم صدأت.
(رياض الترك (مواليد 1930 في حمص) معارض سوري بارز، وسجين سياسي سابق، وأحد أهم المطالبين بالديمقراطية وضرورة التغيير الديمقراطي في سوريا. تقلد الترك سابقاً منصب الأمين العام الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) منذ تأسيسه في 1973 كما يعتبر الأب الروحي لحركة المعارضة السورية منذ الثمانينيات. تعود بدايات الترك إلى أيام الدراسة فبعد انضمامه إلى الحزب الشيوعي السوري تم اعتقاله عام 1952. لاحقاً أصبح الترك أحد الكتاب في جريدة الحزب النور وأصبح منظر الحزب الرئيسي. سُجن مجدداً أثناء حملة الاعتقالات التي قام بها عبد الناصر ضد الشيوعيين أثناء الوحدة السورية المصرية. أُطلق سراحه عام 1961 واضطر للجوء في لبنان عام 1963 بعد استلام حزب البعث للسلطة في سوريا. عاد إلى سوريا بعد سيطرة الجناح اليساري من حزب البعث على مقاليد الامور عام 1966 بزعامة صلاح جديد في فترة رئاسة نور الدين الأتاسي. في عام 1972 اختلف الترك مع خالد بكداش أمين الحزب الشيوعي السوري عندما أراد هذا الأخير انضمام الحزب إلى الجبهة الوطنية التقدمية، وهو تحالفُ الأحزابِ الذي شكلهُ حافظ الأسد بعد تسلمه مقاليد الأمور. قام الترك مع بقية الأعضاء المعارضين بتشكيل الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي)، الذي بقي معارضاً لنظام البعث خاصة بعد انخراطه في الحرب اللبنانية لدعم الأحزاب اليمينية في بداية تدخله. زادت معارضة الترك والمكتب السياسي من سياسات النظام في تعامله مع أزمة الأخوان المسلمين وأحداث حماة وحلب وجسر الشغور في بدايات الثمانينيات. منذ 28 أكتوبر 1980 إلى 30 مايو 1998 أمضى الترك حياته سجيناً سياسياً في ظروف إعتقال مريعة)، موسوعة ويكيبديا.
تعطينا هذه اللمحة المكثفة عن مسيرة مضنيةٍ راحت تتشكلُ ديمقراطياً بصعوبات جمة، ما قبل إفتراقه عن خالد بكداش كانت سيرتُهُ معبرةً عن مناضل من أجل التقدم والديمقراطية والتحرر الوطني من خلال شعاراتٍ عامة، وفي إفتراقهِ عن خالد بكداش بدأ يجذرُ ديمقراطيتَهُ في الواقع الشعبي السوري، وينفصلُ عن الدولة الشمولية، والشعاراتُ عن الحريةِ والاشتراكية لم تخدعه، ولا نستطيع أن نجدَ تنظيراً عميقاً في مقالاته ومقابلاته، بل حساً سياسياً شعبياً ديمقراطياً.
الانفصالُ عن بكداش إدراكٌ لكون البيروقراطية الحزبية ذات يافاطات زائفة، لكن ليس ثمة إدراك لكونها رأسماليات شمولية روسية وسورية معاً، لكنه إدراكٌ حدسي لم يتبلور نظرياً، وشعورٌ بفسادٍ في الدولة السورية وتدهورٌ لحقوق المواطنين، فتتفجر المشاعرُ مع ضرب النظام لحماه ومجازره فيها.
الاستيقاظ هذا يتصاعد مع دخول الجيش السوري إلى لبنان وإنضمامه لليمين المسيحي، وهجومه على القوى الوطنية والفلسطينية.
وهنا لا تزال ثمة قراءة مغلوطة للوضع السوري، فليس الهجوم على القوى اللبنانية الوطنية فقط هو الخطأ بل الدخول في حد ذاته لدولةٍ مستقلةٍ هو الخطأ الأكبر. وهو يؤدي لتلوث الجيش والدولة في سوريا، وتعمق الفساد فيهما الأمر الذي سوف ينعكس على الشعب السوري وتفاقم القمع له.
سنلاحظُ أن رياض الترك ينظرُ نظرةً غير إجتماعية دقيقة للمؤسسة العسكرية، ويراها بشكلٍ وطني مجرد من خلال الأحداث التالية خاصة في الثورة السورية الراهنة.
لكن توجه القيادة السورية لدعم اليمين في لبنان كان مؤشراً خطيراً ولا شك، لأنه عكس إنتهازيتها الشديدة وجعل الجيش مجموعات من الأدوات القاتلة بدون إنتماء وطني أو قومي.
لهذا كان الانفصالُ السياسيُّ عن هذه المؤسسة الحاكمة ضرورياً من أجل إستقلال الفكرة النضالية وحريتها في الحركة والنقد.
ومن هنا كانت الجبهةُ الوطنيةُ التقدمية إطاراً زائفاً للتوحيد، بل هي غطاءٌ لممارسةِ دكتاتوريةٍ واسعة، وإفساد للأحزاب، ومنع تطورها الديمقراطي، لهذا نجدُ الحزبَ الشيوعي السوري يتحولُ لدمية، وترثُ أرملةُ بكداش قيادة الحزب وكأن الحزب مثل الدولة غدا عزبةً خاصة.
بعد خروجه من السجن المريع كانت سوريا تنتقل من وراثة الأب لحكم الابن. فكانت مواقف رياض الترك البسيطة مذهلة وقد قادته للسجن مرة أخرى! لكنها كانت تتسمُ بالتسرع فكان لا بد أن يكمن وينتظر. كانت هذه المواقف هي:

  • كتابته لمقالة تحت عنوان”حتى لا تكون سوريا مملكة للصمت” التي تُعتبر البيان التمهيدي للثورة.
  • انتقاده الطريقة التي تم بها تعديل الدستور السوري في 10 يونيو 2000. فغداة وفاة الرئيس الراحل حافظ الأسد تم تعديل المادة 80 من الدستور، ليصبح السن القانوني للمرشح لمنصب رئيس الجمهورية 34 عاماً وهو عمر الرئيس بشار الأسد عند التعديل، بدلاً من 40 عاماً الذي كان الدستور ينصُ عليه.

أضف تعليق