كتب : عبـــــــدالله خلــــــــيفة
تذكر أنك ضيف وليس لص
بدأ أدب الأطفال في البحرين، كنوع أدبي جديد، عبر انتاج خلف احمد خلف، وعبدالقادر عقيل، اللذين توجها، إلى هذا الجانب الابداعي المتميز، بعد عمل مستمر في كتابة القصة القصيرة، والطويلة، وخاصة عند خلف.
وقد اتجهت القصة القصيرة لدى عبدالقادر عقيل إلى نواح تجريبية وصوفية، مما جعل اللغة القصصية ذات تراكيب إبداعية ليست متألقة، فيما يبدو، مع قصة الطفل البسيطة الواضحة.
وإذا كانت قصة الأطفال عند عبدالقادر عقيل لم تشهد إنتاجا واسعا بعد قصتيه (من سرق قلم ندى ؟) و(من يجيب على سؤال ندى؟)، حيث واصل رحلته في القصة التجريبية وتطعيمها بمناخات صوفية،
فإن خلف أحمد خلف اتجه إلى مسار أخر، هو صياغة مسرحية للأطفال، بعد أن باشر كتابة قصص قصيرة قليلة للطفل.
وكتب إبراهيم سند قصة الطفل بمثابرة مستمرة، بدون أي تجربة قصصية سابقة، وكذلك فعل إبراهيم بشمي، الذي كان قادما من عوالم الصحافة والتحقيق، وإذا كان إبراهيم سند قد حاول أن يرسم مساراً خاماً لنفسه، جامعا بين النقد لظاهرات الحياة، والفنتازيا، مرافقاً البساطة بنحت ممرات غريبة في الحادث اليومي، مستنداً إلى الواقع المحلي بطبيعته وحيواناته وطيوره وبشره، فإن إبراهيم بشمي قد اتجه إلى نقد العادات السيئة، وظاهرات التخلف السائدة، متجها إلى مزيد من التوغل في اعماقها، عبر الأنماط الفنية، والأحداث المكثفة، المرسومة بهدف خلق التوجيه، ولكن الأحداث راحت تتسع في عوالم الماضي، متشحة بثياب التاريخ، متسربله بدلالات الحاضر. لكن سيطرة الهدف التوجيهي في قصصه، وبروز التعليمية الاجتماعية والسياسية، أوصل هذه القصة إلى ضرورة تحويل البنية، وتصوير الشخصية.
ويُلاحظ ان اغلب اعمال الطفل تتجه تدريجيا إلى طرح إشكالات البنية الاجتماعية العميقة، عبر الصعود المستمر من الجزئي إلى الكلي، ومن المحدود إلى الشامل. ويترافق هذا مع تحول طبيعة الأبطال – الشخصيات في القصص، فالبطولة المسندة للحيوانات والنباتات وعناصر الطبيعة، تتراجع لتبرز بطولة البشر، وخاصة من الأطفال والصغار.
وتكتسب اعمال خلف احمد خلف الموجهة للأطفال، دلالات هامة، بحاجة إلى الفحص المستمر، لكونها تعبر عن أبرز سمات أدب الطفل في البحرين .
فقد أظهرت هذه الأعمال أن أسئلة الأدب العامة تظل ملحة كذلك، في هذا النوع الأدبي الخاص، وهو أدب الطفل. فإذا كانت بعض المحاولات في مسرح الطفل البحريني قد استسهلت هذا النوع من الفن، إلى درجة التسطيح والتشويه الكامل، فإن أسئلة عميقة، مؤرقة، ظلت تتنامى في أدب خلف أحمد خلف الطفلي، على مستويي البنية والدلالة .
لقد رأينا كيف استجابت المسرحية لديه لقوانين الدراما، عبر خلق الصراع المتوتر، المتنامي، في تشكيلة متضافرة من الشخصيات والأحداث ، وكيف اهتمت بتجسيدات الفعل الدرامي ونموه، وصاغت المؤثرات الفنية المصاحبة، والكاشفة له، فالبنية الفنية المتوسعة، المتغلغلة في الحدث والشخصية، تحافظ على إيقاعها المكثف، وتضبط كل عناصرها.
وتكمن أساسيات البنية الفنية في خلق الثنائيات المتضادة مثل: الرجل – الطبل/ الرجل – الكتاب، الطائر/ السلطان، النحلة/ الأسد، وتنمو الثنائية المتضادة، عبر جزئيات مساعدة. تدخل في سياق الثنائي المتصارع، وتجعلها حيوية، متلونة، جذابة.
وإذا كانت هذه الثنائية قد غلب عليها التشتت في (العفريت)، فتأجل الصراع الدرامي إلى منتصف المسرحية، فإن الصراع يبرز بسرعة وشدة في (وطن الطائر)، عبر فكاهة موسعة، ولغة تحافظ على بساطتها وجمالها، ثم لا يكون سوى الصراع في النحلة والأسد. الذي يتوسع باتجاه جمهور الصالة.
وعلى مستوى الموضوع، فإن البنية تبتعد تدريجيا عن التجريد، حيث ان ثنائية الساحر/الصبي، أو الرجل – الطبل/ الرجل – الكتاب، تمثل موضوعاً ثقافياً مجرداً، يصلح للصبية الذين يبتعدون عن عوالم الطفولة، في حين أن ثنائية الطائر/ السلطان، تقترب أكثر من المحسوسية والبساطة، محتوية على إشعاع أوسع، ومع هذا، فإن موضوع ثنائية الحرية – الوطن، له صلة وثيقة بعوالم التجريد الفلسفي.
ويغدو موضوع ثنائية النحلة / الأسد، معبراً ببساطة ملموسة، عن قضايا واسعة، وفي قلبه تكمن كل الأسئلة المثارة في عوالم الكبار، لكن هنا تبقى الحكاية ذات الدلالات السياسية، في متناول ذهنية الطفل، وتعبر عن عالمه الخاص.
ولابد هنا من القول، أن هذا النمو، عبر تكثف البنية ودراميتها المتزايدة، يتضافر مع تركيز الموضوع، وتوسع الدلالة.
فمسرحية (العفريت) تحوى اكثر من موضوع محوري، فتتردد الموضوعات والدلالات بين محاور الرجل الطبل/ الرجل الكتاب، والصبي/ العفريت، وصلاح، فلا نعرف، هل المسرحية تتوجه للتعبير عن أهمية الكتاب، أم تتحدث عن ضرورة مساعدة الفقير، أم عن عدم جدوى السحر القديم؟.
في (وطن الطائر) يتركز الموضوع أكثر، ويظهر محور واحد فقط، تدور عليه الحبكة الدرامية، فيغدو نقد الاستبداد والتحكم في حنجرة الطائر/المبدع، أكثر بروزاً وسيطرة من محور الصخرة/ الحرية/ الوطن، بل ان هذين الجانبين يتداخلان معبرين عن حالة واحدة ذات وجهين. ان الثنائية الصراعية تبرز هنا ملغية الجوانب الهامشية، فتتجه البنية الفنية للتبلور.
وتغدو الدلالة أكثر وضوحاً وقوة واتصالاً بالجمهور – اطفال الصالة – حين يصير الموضوع موضوعاً واحداً، وتبدو ثنائية النحلة/ الاسد، مستولية حتى على العنوان، ويغدو التصوير متجهاً بقوة للتعبير عن (المستوى السياسي) للبنية الاجتماعية.
ان التصوير المغتني، يترافق مع تطور مواقف الشخصية (الايجابية – المحورية) في المسرحية. فإذا كان التصوير يتناول في (العفريت) المستوى المعرفي للواقع، مفصولاً عن الصراعات السياسية والفكرية، وإذا كانت الشخصية المحورية، في ذات المسرحية، الصبي (علاء الدين) الفقيرة، سلبية كذلك، مثل الشخصية الثانوية الغنية (صلاح) .
فان التصوير يتسع في (وطن الطائر) مستوعباً المستويين السياسي والفكري، ورغم سلبية المقاومة التي تبديها الشخصية المحورية (الطائر)، إلا أن هذه المقاومة تتسع عبر شخصيات إيجابية ثانوية كالراويين والحكيم. ليغدو التصوير سياسياً قوياً مباشراً في (النحلة والأسد)، ولتتركز القوة في الشخصية الإيجابية المحورية وهي النحلة، ولكن هذه الايجابية لا تتجه للبحث عن وطن اخر، والابتعاد عن المكان المحوري، بل لتغييره نفسه.
ولكن هذا التطور الواسع الذي رأيناه عند خلف أحمد خلف يصل إلى ذروته، وتظهر تناقضاته بوضوح.
لقد رأينا كيف أن مسرحية (النحلة والأسد) تمثل بنية درامية متبلورة وقوية، لكن في إطار التعميمات السياسية.
وكان يمكن للترميزات أن تغدو عميقة وواسعة الدلالة، عبر تنامي الحدث في جوانب جديدة وجريئة، لكن الحدث ظل مبسّطا. ففجأة قررت النحلة أن تقاوم الأسد وتقود الحيوانات في نضال حازم، سرعان ما تكلل بالنجاح، نظراً لغباء الأسد الشديد.
هذا التبسيط يقود إلى تسذيج الواقع الاجتماعي، وتوصيل هذا الواقع المسذج المبسط إلى الطفل. وكانت لدى المؤلف فرص عديدة لتعميق الحدث واغنائه بتفاصيل نفسية وحياتية، لكنه اتجه بسرعة إلى عرض الصراع وتسريعه وحسمه.
هنا تحولت الشخصيات إلى انماط، الى قوالب للفكرة ـ صوت المؤلف، فقد ظهرت النحلة قرية ذكية نبيلة، وظهر الأسد ضعيفا غبيا أحمق. وسرعان ما انتقلت الحيوانات من السلبية إلى الايجابية، ومن الخضوع الكلي للأسد إلى التحرر المطلق منه.
إن التنميط وسيطرة الفكرة العامة وإلغاء الخصوصية والتفرد، تبدو هنا واضحة. ولكن يمكن أن تكون هذه المشكلة، بداية لتطور خاص في مسرح الطفل البحريني.
ان خلف احمد خلف خريج الفلسفة، تسيطر عليه منذ البداية الأفكار العامة، لكنه يصارعها ويجسدها ويؤنسنها، عبر نقاط التحول التي رأيناها.
وهنا بلغت الفكرة العامة ذروة ما، اجتازت التفكك والتناقض المجرد، وتبلورت بوضوح، ولكنها وجدت نفسها عبر صراع عام، لم يغتن بسيرورات وعقد خاصة. فهل ستوامل هذا الطريق نفسه أم ستغتني بأشياء جديدة ؟.
إن إشكالية الأنماط والتعليمية والشخصية/ البوق، تطرح نفسها بقوة على أدب الطفل في البحرين. فقد كان إبراهيم بشمي يركز على توصيل الفكرة النقدية، بغض النظر عن المعلومات، وقراءة الألوان والحيوانات الحقيقية في الطبيعة، مهتماً بتجسيد الايدلوجي التعليمي، أكثر منه بتصوير العالم، وعرض النماذج، فكان خياله قريباً، ومشكلاته واضحة جدا وشخصياته انماطا لمشكلة أو فكرة، دون أن يكسر هذه القولبة، ويغني ويعمق هذه الشخصيات.
وفي حين حاول إبراهيم سند تضفير الحقيقي بالخيالي، وخلق تركيبة واقعية – فنتازيا، بسيطة وعميقة في آن، ذات دلالة تعليمية وجمالية تعبيرية خاصة’ فإنه لم يهتم كثيراً بتجسيد النموذج، هذه الشخصية الترميزية، التي يتضافر فيها العام والخاص، وتغدو حالة معروفة لدى الأطفال، مثل شخصيات ادب الاطفال الشهيرة.
لقد توقف عبدالقادر عقيل عن إنتاج قصة الطفل، وهو الذي كان يقوم بذلك التضفير نفسه بين الواقعي والفنتازيا، النقدي والخيالي، السياسي والسحري. وقد بدأ بشخصيته (ندى)، وبدت ندى نموذجاً صالحاً للتطور، ولكنها ظلت (قالبأ) يصب فيه المؤلف ارشاداته الاجتماعية المضيئة، عبر لغة شعرية جميلة. لقد توقفت ندى عن النمو.
لقد بدا كتاب البحرين ينطلقون من نسبة كبيرة من الخيال، لكنهم راحوا يتجهون نحو الواقعية – المباشرة، مقتربين من التوجيه التعليمي، عبر الاقنعة الحيوانية والنباتية المتعددة.
إن نسبة الخيال تتضاءل كلما ابتعدنا عن عبدالقادر عقيل وإبراهيم سند، وتبدو عملية رفض الخرافة وقصص الفنتازيا متنامية بقوة في النتاج الأخير من أدب الأطفال. وراحت بعض الميول التعليمية المبسطة تفرض نفسها على النتاج، وتقدم الفكرة الاجتماعية في (قالب) مبسط .
إن عدم ولوج أدب الأطفال إلى الحكايات الفنتازيا والخرافية وتطويعها، يعود ربما لهذه النظرة المتجهة إلى تسليط الأضواء على الحياة الواقعية المباشرة. وربما لعدم وجود القدرة الفنية على الممازجة بين الحكاية الخرافية والواقع المعاصر.
لكن لاشك أن الفنتازيا المغرقة، واستخدام الخرافة والقصص الشعبية إستخداما سيئا ومفزعا، هو محذور ينبغي تجنبه، لكن بعدم الوقوع في التبسيطية و التسطيح من جهة اخرى.
ــ✤ـــــــــــــــــ أدب الطفل في البحرين: مسرحية الأطفال عند علي الشرقاي
ـــ✤ـــــــــــــــــ قصة ومسرحية الأطفال عند خلف أحمد خلف
ـــ✤ـــــــــــــــــ وطن الطائر: نموذج معبر لأدب الطفل في البحرين
ـــ✤ـــــــــــــــــ علي الشرقاوي : قصائد الربيع ــ الموجه للأطفال

تعقيب: قصة ومسرحية الأطفال عند خلف أحمد خلف : كتب ـ عبدالله خليفة
تذكر انك ضيف وليس لص
إعجابإعجاب
تعقيب: علي الشرقاوي : قصائد الربيع ــ الموجه للأطفال | عبـــــــدالله خلــــــــيفة : كاتب وروائي
تعقيب: قصة ومسرحية الأطفال عند خلف أحمد خلف : كتب ـ عبدالله خليفة
تعقيب: أدب الطفل في البحرين : قصة الأطفال عند إبراهيم بشمي كتب ــ عبدالله خليفة