هناك توهمٌ أن الألبسة والأشكال والمظاهر الخارجية تحل المشكلات كافة، فإذا لبست هذا اللباس ووضعت هذا الديكور على جسمك ونفسك فأنت بمنجى من كل شر، وأنت النموذج والقدوة.
لكن خطورة الأشكال أنها سهلة، وخادعة، وهي تغازل الجهل الجماهيري، وتنومه، وفي ذات الوقت تمتد أيدي بعضها لجيوبه.
لقد مرت على الأمم الإسلامية قرون طويلة من التجهيل سواء لدى (علمائها) أم عامتها، ونحن الآن في زمن التحديث لا بد أن ندرس كل هذا الزمن، ونضع قواعد دقيقة لتغييره.
وقد طبق السلف أحكاماً إنسانية ثرة كقول عمر بن الخطاب (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!)، بمعنى أن الحرية سابقة على أشكال القيود كافة، وأن أي حدود وقوانين خاضعة لوضع الأغلبية الفقيرة.
وحين تركز في هذا الإنسان الفقير الذي دفعته حاجته المادية أو الجنسية لفعل شائن، فلماذا لم توسع نظرتك النقدية التحكيمية في هذه المؤسسات المغيبة عن الرقابة وتلك المباني البعيدة عن المحاسبة؟
في زمن الفقه التابع للحكومات كان للفقهاء والمشرعين عذرهم فقد كانت اسواط الدول واقبيتها جاهزة لابتلاعهم، فطبقوا أحكاماً نصوصية شكلانية، انتزعوها من بين لوحة كبيرة حية، لكن ما هو عذر الفقهاء في هذا الزمن وخاصة في الدول التي أعطتهم حرية التفكير، واستقلالية القول؟ بأن يركز على هذا اللص الفقير ولا يفكر في أوضاعه المعيشية، وعلى هذه العامة المحرومة في غرائزها، وهو ينبغى أن يكون مدرسة أخلاقية لها، تعرف حاجاتها وظروفها وتقودها للرقي عبر تغيير أوضاعها المادية.
فلا بد للمشرع من زيارة هذه الزرائب التي يعيش فيها الناس، وأن يوجه بصره القانوني لما يرفع من حياتها، وبعدئذ يستطيع أن يحاكمها في سوء تصرفها.
تقود الشكلانية الدينية إلى النظر للأحكام من دون الرجوع للظروف الشعبية، فيتوجه المشرع إلى الاهتمام بمصالحه لكون تغلغله في ظروف الناس ونقد القوى الاستقلالية سوف يمنع التراكم المالي في جيوبه، وسوف تنظر القوى السياسية له كنشاز، وكلما منع صوت ضميره، وفكر في نفسه، خالف دينه، وانفصل عن قاعدته الشعبية. المناخ الشكلاني الذي يعيش فيه بعض فقهاء هذا الزمن، يمثل زمن الطفولية في الفهم الإسلامي، حيث الحماسة للأشكال، وعدم اختراقها للوصول إلى المضامين، ولكنه أبضاً زمن تجميع المال بلا محاسبة أخلاقية، وزمن الشركات التي تتاجر في الدين وفي المسلمين لتجميع المليارات وترحيلها للغرب، وهؤلاء الفقهاء ينخدعون بالشعارات ولا يمشون فى أزقة المال ويدققون في شعاراتها وكيف تعامل الناس وأي أجور منخفضة وأي مساكن رهيبة تقدمها؟
الشكلانية الدينية.. أنانية ــ كتب : عبدالله خليفة
أضف تعليق
