إن القبائل والطوائف والطبقات هي الأشكال الاجتماعية التي قامت بخلق التحركات السياسية في التاريخ العربي الإسلامي، والعالمي كذلك، لكونها الحواضن الاجتماعية الممكنة في كل عصر للتغيير الاجتماعي.
إنها ترتبط بمستوى التطور الاقتصادي لكل شعب أو أمة، ولهذا كانت القبائل العربية هي الحواضن الاجتماعية لنقل من مرحلة الجاهلية إلى الإسلام؛ أو من ما قبل التاريخ حيث لم تتبلور الطبقات، إلى التاريخ والحضارة، حيث تشكلت الطبقات والمدن والعلوم.
غير أن النظام الاجتماعي المطلق في السيطرة والاستغلال لم يتح للفئات الوسطى أن تتبلور، وتشكل ثورة صناعية، تعيد تجديد العالم الإسلام في تكوين حديث، وهذا ما جعل الصراع الاجتماعي ينحو إلى منحى طائفي، فتكونت الطوائف وصارت هي الشكل الديني للصراع الاجتماعي المأزوم والمغلق.
وهذا ما عانته مختلف بلدان العالم في تاريخها التقليدي، وأدت ظروف خاصة بأوربا الغربية أن تشكل أسلوباً اقتصادياً يتجاوز نظام الطوائف، وهكذا فإن الطوائف الأوروبية من كاثوليكية وبروتستانتية وغيرهما كانت تمر بنفس المرحلة التي نعجز الآن عن تجاوزها!
لكن الصناعة أعادت تشكيل عالم الطوائف، ووحدت البلدان الأوروبية الغربية في كيانات قومية، وراحت تتجاوز عبر قرون نظام الطوائف، ووجدت الطبقات العاملة والمالكة نفسها في كتل اجتماعية رغم انتمائها إلى أديان ومذاهب مختلفة.
لقد أدى أسلوب الاقتصاد الحديث إلى بلورة الأحزاب والسياسة والفكر بشكل مغاير لعالم القبائل والطوائف. ولكن الأديان والمذاهب لم يقض عليها، بل هي خلفية وجذور للنظام الحديث، الذي فصل بين المرجعيتين السياسية والدينية في المطالب الاجتماعية والأهداف السياسية!
لكن العالم العربي والإسلامي لم يتجاوز تركيبة القبائل والطوائف، اللتين ظلتا متداخلتين، لعدم حسمه في تطوره الاقتصادي بين الري والزراعة، فضخامة صحاريه كانت تضخ القبائل الرعوية باستمرار للسيطرة على المدن والقرى، وتكرار أنماطها المتخلفة.
والآن ظهرت فرص للخروج من دوامة التكرار التاريخي، والانتقال من أنماط القبائل والطوائف إلى الأنماط الحديثة، وجعل المرجعيات القديمة جذوراً لا تتحكم في المستقبل.
لكن مستوى وعي الجمهور العربي وظروف التخلف الطويلة لا تتيح للانتقال إلى هذا المستوى الحديث بشكل تام، فحتى قوى المعارضة متورطة في أشكال الانتماءات القديمة غير قادرة على توحيد الجمهور، لأنها لم تطور أفكارها، ولم تفهم أديانها ومذاهبها، لضعف إنتاجها العقلي، وقدم أشكال اقتصادها وطرق معيشتها وعلاقاتها الاجتماعية.
ولن تتمكن من تجاوز الأشكال التقليدية من قبلية ومذهبية سياسية إلا في حراك اقتصادي وثقافي طويلين، تكتشف فيه بالمعاناة القاسية إن تلك الأشكال تجاوزها الزمن وهي تمثل عقبات خطيرة في تطورها وتقدمها.
ولعل الإصلاحات الأخيرة والدعم الغربي هو من أجل أن تتقدم هذه الجماهيرإلى المحرقة وتكتشف، وياله من ثمن باهظ سوف تدفعه لتتعلم مفردات الحضارة الحديثة!
لقد كان الباحث ابن خلدون لا يؤمن بأداة للتغيير سوى العصبية القبلية، ولم ينتقل حتى إلى العصبية الطائفية!! فيا أيها العرب كم ستعانون لتتعلموا!
القبائل والطوائف والطبقات
أضف تعليق
