كان الإمام علي هو ذروة الإسلام في السياسة، وكانت لديه رؤى محددة للتغيير، وقد كانت حياته الشخصية هي مثال النموذج في التضحية والتعبير عما هو بطولي وتضحوي في الإسلام والإنسانية، وكانت – أي حياته – نموذج المأساة كذلك، لأن ذلك النموذج في التضحية تناقض مع نموذج كامل في الانتهازية والمنفعية لدى أتباعه قبل خصومه!
ببرنامجه السياسي غير المحدد لهؤلاء الدهماء الذين ثاروا وحاصروا الخليفة عثمان بن عفان، ومنعوه عنه الماء، ثم قتلوه وهو في أرذل العمر، ولو أنهم صبروا عليه بضعة أيام لمات من الشيخوخة!
وافق الإمامُ أغلبيةَ هذه الدهماء، وقبل ترشحها لمنصب الخلافة، بعد رفضٍ كبير وممانعة شديدة، لكن الأزمة الخطيرة وخلو مكان الإمامة والخلافة من مسئول، جعلته يقبل هذا التكليف الخطير ويقود هذه الجماهير الغاضبة العنيفة الهوجاء!
لكن هذه الجماهير التي قادها كانت تعمل لمصالحها الذاتية الرخيصة، فاقدة الوعي بأهمية التضحية والثورة والانضباط، ففي حرب الجمل التي شنوها بسرعة مخالفة لأوامر القيادة من قطعاتهم المتطرفة المتحمسة، ثم أرادوا سلب المسلمين المهزومين أغراضهم ونساءهم، وحين رفض الإمام ذلك صاحوا: (أحلَّ لنا دماءهم وحرم علينا أموالهم !).
إن هذه الجماهير التي ثارت من أجل بضعة أموال وهي نتاج البداوة والصحارى، لم يكن يهمها سوى هذه النقود والمكاسب، وإذ كان من بينها أناس شرفاء كثيرون أدركوا أهمية هزيمة بعض أفراد من العائلة الأموية الباطش حينذاك، وأهمية وجود خليفة نزيه، إلا أن الأغلبية لم تكن تعي كذلك.
وبعد ذلك راحت هذه الدهماء تتنصل من تلك القيادة النضالية، وتقل أعدادها، وتتفرق جماعاتها، وتتعدد آراؤها، وتتصادم، فلماذا حدثت هذه المأساة؟
ما الذي جعل هذه الحشود تنفض فجأة ويصير الإمام في قلة قليلة وأمام أتباع حمقى متآمرون ومشاكسون ثم يتم التآمر عليه وقتله؟
لنسمعه وهو يئن منهم:
(أيها الناس المجتمعة أبدانهم ، المختلفة أهواؤهم ، كلامكم يوهي الصم الصلاب ، وفعلكم يطمعُ فيكم الأعداء(….) المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فقد فاز والله بالسهم الأخيب، ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل . أصبحتُ والله لا أصدق قولكم ولا أطمعُ في نصركم، ولا أوعد العدو بكم ، ما بالكم؟ ما دواؤكم؟ ما طبكم ؟ …).
إن هذا الجمهور كان يريد المال وتحسن العيش، وحين لم يجدهما بالصورة التي توقعها تحول إلى معاوية وصار من الخوارج الذين يغيرون على المسلمين ويسلبونهم . .
سياسة الإمام لا خداع فيها، ولا وعود كاذبة، والمسلمون سواسية في جيشه وجماعته، ولا تضليل للدهماء وتنشيط لأحقادها وأمراضها وأوهامها.
إن سياسة الإمام هي سياسة قول الحقيقة، والنضال من أجلها، وتوحيد المسلمين والناس، نحو تلك المطالب المشتركة.
الإمام علي والسياسة
أضف تعليق
