محمد البنكي ومحاولة لتفسير جديد
كتب : عبـــــــدالله خلـــــــيفة
عقدت اسرة الأدباء والكتاب ندوة تحدث فيها محمد البنكي عن التجربة الشعرية الشاملة لقاسم حداد، وقد ركز على موضوع «تحول الرمز» في تجربة الشاعر. مستخدما بعض أدوات التحليل البنيوي .
وقد انطلق الدارس من تحليل الرموز والكلمات الأكثر تكراراً في تجربة قاسم ؛ واضعا إياها في جداول احصائية، كرموز: الرؤية ، الماء ، الموت ، الطفولة ، الأرض ، البحر ؛ الدم الحلم ..
وقد وجد ان رمز «المرأة» هو الاكثر حضورا واستمراراً ، خصوصا بعد ديوان «القيامة» ، وقد حاول أن يفسر تجربة قاسم حداد من خلال هذا الرمز .
[ إذ أن استهدافنا الحاضر هو التأكيد على دور المرأة كرمز يخترق تجربة قاسم حداد ويصوغ تحولاتها].
وفي سبيل جعل الرمز، مفتاحا أساسيا لفهم العالم الشعري يستعين محمد البنكي بالكثير من الاستشهادات والصيغ، ولكن من اهمها وما فهمة من أراء سوسير، وهو احد اقطاب البنيوية اللغوية، فيقول:
[ منذ اللحظة التي اكتشف سوسير اعتباطية العلاقة بين الدال والمدلول متيحا للدال حرية تأسيس مدلوله لم يعد ممكنا التراجع عن هذا التحرر؛ الذي يرفع قيود الظرف المعجمي والبيئي كمتحكم مطلق يقرر الدال ويصوغ مدلوله].
تحرير النص
في هذا الاستشهاد يتضح طبيعة المنهج الذى يستعين به البنكي لتفسير شعر حداد ، فالقصد هو تحرير نص حداد من مواصفات البيئة والظروف والتجربة التاريخية ، التي تشكل النص في بوتقتها ، أي قطعة من سياقه الاجتماعي ، ودراسته كبنية فنية منفصلة تمام الانفصال عن البيئة الاجتماعية التي ظهرت فيها.
إن اللغة الشعرية، مثلها مثل أي نوع لغوي ، حتى في تصور سوسير [نظام إشارات تعبر عن الأفكار فهي لذلك تقارن بنظام كتابة الألفباء الصامتة والطقوس الرمزية والصيغ السياسية والإشارات البنيوية في الأدب]. روبرت شولز اتحاد الكتاب العرب . دمشق ص 28.
فلا يمكن للنظام اللغوي الشعري؛ ان يفهم خارج الأفكار وبالتالي خارج سياقاته الاجتماعية – الأيديولوجية .
ولكن الدارس يتعمد فصل اللغة كنظام اشاري وتعبيري ، عن الأفكار وتاريخها ، وعن البنية الاجتماعية ، وبالتالي عن الصراعات والحياة بألوانها الحقيقية .
ولهذا فإنه ؛ بعد أن يفصل اللغة الشعرية عن سياقها التطوري ، التاريخي ؛ يفسرها منذ منتصفها ، منذ كتابة قاسم حداد لديوان «القيامة» ، لا أن يتتبع التجربة الشعرية في نموماً العضوي ، في ملموسيتها ، في نصوصها المحددة ، وتعاقب واختلاف النصوص.
وحين يأتي للرموز يعددها كمياً ؛ ويهتم بالرموز الأكثر تكراراً ، ولا يدرس تطور منظومة الرموز في نموها المتدرج ؛ فهي تعبير عن منظومة الأفكار ، وتتابعها ، وتناقضها ، وصراعها، وتبدلها.
كما أن هذه الرموز ، ككل البنية الفنية ، مرتبطة في نهاية السياق بعملية التحول الفكري ــ الاجتماعي . فرمز «النار» ــ ولا يأتي ذكره ــ ورد عشرات المرات في الدواوين الثلاثة الاولى، مع مشتقاته، ثم اختفى في الدواوين التالية ليستبدل برمز مركزي آخر هو «الماء» . وجاءت الدواوين التالية : القيامة – قلب الحب – انتماءات .. كمرحلة وسط تمثل لحظة صعود فنية كبيرة ، ثم تعقبها المرحلة الأخيرة، الأكثر توغلاً في الذات ، وهذه التبدلات تقوم على علاقة خاصة بين الشاعر والواقع.
الشاعر والواقع
إن الدارس بقطعه هذه العلاقة بين الشاعر والواقع ، يستهدف عدة عمليات فكرية . فهذا القطع يتيح دخول التفسير الأيديولوجي للشعر. لا التفسير العلمي . فالتفسير الأيديولوجي يقود الى اسقاطات فنية خاصة ؛ ويأخذ مناطق معينة من التجربة الشعرية فاصلاً إياها عن مناطق اخرى ؛ ويركز على رموز معينة ظهرت في الفترة الأخيرة ، ليمددها على طول التجربة ؛ ويبتعد عن دراسة بنية الدواوين الاولى ، ذات الرؤية السياسية المباشرة، المرتبطة بشكل ملموس بقضايا محددة .
هذه الرؤية النقدية تتيح تغيير الأدوار في الشعر ، فيتحول الشعر إلى نثر ؛ والنثر الى شعر ؛ المرحلة الشعرية الأخيرة تتحول الى كل الشعر . هنا يدخل التفسير الأيديولوجي للشعر او التبرير الفكري للنص الأدبي ؛ لا النقد التشريحي ، الباحث عن السلبي والايجابي ، المعتم والمضيء . النثري والشعري الخ ..
وهذا ما يجعل النقد ليس فتحا للنص ، أو نصاً آخر موازياً ، بل ملحقا وتابعا ومبرراً للنص الشعري .
وفي سبيل ذلك يجري حشد الاستشهادات وأقوال النقاد البنيويين ، بما لا يقوي عملية البحث الموضوعية ، بقدر ما يثقلها ويرهلها بحشود الأسماء .
الدارس محمد البنكي من الأسماء التى تشق طريقها في الدراسة الأدبية ، وبحثه رغم ملاحظاتنا عليه ، يبشر بباحث أدبي مجتهد وعميق .
