عبـــــــدالله خلــــــــيفة . . الكاتب الموسوعي والصوت الإبداعي الحر

Local 02-04-2007-56

استأنس بالثقافة سبيلاً إلى الحرية

ِ ربما يكون الاستهلال الأنسب أو الأصلح لتلخيص تجربة الروائي والمفكر البحريني الراحل عبـــــــدالله خلــــــــيفة‏‏‏‏‏‏، هو استئناسه بالثقافة سبيلاً إلى الحرية، وعمله الدؤوب والمخلص سواء في أعماله الروائية أو الاجتماعية والإنسانية، لكي يترجم الفكرة التي يؤمن بها إلى فعل، ولتكون كلمة الثقافة مرادفة للحرية قلبا وقالبا، وهو الذي قال يوما ‹‹تشكلت الثقافة العربية الحديثة كصوت مثابر وقوي للحرية، فالاستعمار الأجنبي المهيمن من جهة، وقوى وقواعد التخلف والاستغلال المحلي من جهة أخرى، حبست العرب في زنازين الجهل والأمية والتعصب والتجزؤ، ولكي يلعب الأدب دوره التاريخي الفذ، وتتحول الكلمات إلى قبس من شعلة الروح الوثابة كان لا بد من التحرر من الخوف وغمس الحروف العربية في ألوان القرى والمدن ووجوه المعذبين››.
كان الراحل معنيا بالوحدة العربية، ومؤمنا بها أكثر من دون الدمج القسري، لا سيما وأنها كأمة تختلف عن الأمم الغربية وحتى الشرقية، ولها سيرورة خاصة مبنية على تاريخها الملموس، فكانت الامبراطوريات العربية كما أكد دائما ذات أقاليم مستقلة وشهدت وحدة في التنوع وفسيفساء من التعاون والتداخل والصراع، وهي مطالبة باستعادة التداخل والتعاون نحو أشكال سياسية موحدة تنبثق من ذلك النمو القاعدي والديمقراطي وتؤسس لكيان قومي واحد كبير ومتنوع .
من هنا كانت للراحل إطلالات واسعة على عمق المشاكل العربية الاجتماعية والدينية، وكان معنيا بمناقشة الفكرين القومي والديني، حيث كان يرى أن ليس مطلوبا منهما إلغاء العروبة ولا الدين، ولا اللغة، ولا مصالح الأمة الاستراتيجية، بل كان المطلوب والملح بالنسبة إليه هو تجديد أدوات التحليل والتفكير، من أجل تغيير حال الضعف الحالي، وإقفال دكاكين التمزق والمزايدة من أجل خطوط عريضة توحد الأمة، وتدفق العمل في أقدامها المتجمدة وسط كثبان التشوش والتطرف والتذويب .
هذا الأسلوب الذي تبناه الراحل كان موجوداً في عمق أعماله سواء الروائية والنقدية وحتى مقالاته الصحفية اليومية في جريدة (أخبار الخليج)، ومن خلال كتاباته البحثية في قضايا الفكر العربي والإسلامي، ومناقشته لكثير من القضايا الإشكالية والخلافية التي تشغل الوعي العربي قديما وحديثا .
ناقش خليفة في كتاباته الكثير من الرموز التاريخية، مؤمنا بانهيار عقلية الأشكال الجامدة التي تحنط الأشخاص والأفكار، معتبراً أن كل الأديان والمذاهب والفلسفات البشرية ما هي إلا أركان وأزهار قابلة للإشعاع والنمو، فهي بالضرورة صورة عن المبادىء التي كما كان يقول ‹‹تعبر عن معاناة الإنسان لاكتشاف حياته القومية وطرق تقدمه في تضاريسه التراثية والاجتماعية››.
كان مشروع عبـــــــدالله خلــــــــيفة‏‏‏‏‏‏ مشروعاً نهضوياً بامتياز، وهو يشمل تجديد الفكر والوعي وبالتالي فقد كان مؤمنا بضرورة الثقافة، سبيلاً إلى النهضة الحقيقية والحديثة، هذه النهضة التي عدد بل كان معنيا بذكر مزاياها في التجربة العربية من خلال مفكري عصر النهضة الأوائل، الذين حاولوا أن ينشروا رؤى التقدم والانفتاح الفكري، وأن يحضوا على التصنيع وتشكيل التيارات الفكرية، وقد بذلوا جهودا مضنية عظيمة، ولكن المحصلة النهائية لهذه الآمال كانت محدودة ومخيبة للآمال .
حرص الراحل عبـــــــدالله خلــــــــيفة ‏‏‏‏‏‏أن يضمن مجمل هذه القناعات والأفكار في أعماله الأدبية وبالأخص الروائية، وكان مشروعه الإبداعي ملتصقا فكرة ولغة بهموم واقعه الخليجي والعربي، ففي روايته ‹‹اللآلىء›› التي صدرت في عام 1982 يتأمل خليفة مجتمع ما قبل النفط، ويقارنه بالتطورات الحاصلة بعد اكتشافه، ويربط ذلك كله بأزمة القيم الأصيلة في هذا المجتمع المتغير، حيث تصف هذه الرواية بحسب الكاتب والناقد السوري د. عبدالله أبوهيف معاناة البحارة الباحثين عن اللؤلؤ وخيبة البحث المرير عن لؤلؤة واحدة، والانسحاق تحت وطأة النهم البشري إلى الاستغلال والظلم، وحيث تعد هذه الرواية أغنية للأمل الذي يغمر القلوب الظامئة للحرية والحب وسط مرارة العيش وقسوة الظروف .
في السياق ذاته تصور روايته ‹‹أغنية الماء والنار›› التي صدرت عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق في 1988 التباين الطبقي الحاد قبل النفط في الخليج، وتبين المآل المسدود لاندحار الفوارق الاجتماعية، وهي تنحاز لغالبية من المساكين والفقراء ومعذبي الأرض وهي صورة عن الصراع الاجتماعي على أطراف مدينة في بيئة شعبية هي قرية أو مدينة صغيرة ساحلية .
كتب عن تجربة الراحل الكثير من الرموز الثقافية والفكرية ومنهم الشاعر علي الشعراوي الذي وصفه بأنه واحد من أهم أصحاب المشاريع الأدبية والفكرية الكبيرة والطويلة والمضنية، والتي عمل عليها بجهد الإنسان المخلص لما يقوم به من تحليل وتفسير وتأويل وقال ‹‹ربما يختلف البعض مع الروائي والباحث الجاد عبـــــــدالله خلــــــــيفة، في أطروحاته وآرائه ومواقفه في بعض القضايا الفكرية والأدبية، خاصة وأن بعض مواقفه حادة بالنسبة لمن لا يرى ما يراه، إلا أن الجميع وأنا واحد منهم، أقف مثمناً جهوده الفكرية في الرواية والبحث التاريخي والفلسفي في قضايا التراث الفكري في العهود الإسلامية››.
كان الراحل عبـــــــدالله خلــــــــيفة ‏‏‏‏‏‏مثقفاً موسوعياً، وكانت له آراء في التشكيل والسينما والمسرح، وكان متابعا حثيثا لهذه الأشكال، ومواظبا على تقديم المشورة وإبداء الرأي.
وكانت للراحل آراء مشابهة في السينما هذه التي كان يعدها وسيلة تثقيفية عظيمة.

حسن عثمان

الخليج الاماراتية

أضف تعليق