أرشيف الأوسمة: عبـــــــدالله خلــــــــيفة : رموز الأرض

رموز الأرض

معاناةُ الفلاحين أعظم العواطف التي مارسها البشر ربما تماثل معاناة العبيد، ولهذا فإن رموزَ معاناة الفلاحين تمتد في طول الأرض وعرضها، لا تستثني شعباً.
حينما يتحول النبيل تولستوي مالك الأرض الواسعة إلى فلاح، أو ضمير لألم وأحلام الفلاحين، فهذا يعني أن أكبرَ العقول في البشرية لا تستطيع أن تسكتَ عن سرقةِ الأرض وألم الناس فيها.
عيسى المسيح والحسين لحظتان في هذه المعاناة، إنهما رمزان من رموزِ المعاناة التي تصيرُ رموزَ إنبعاث الأرض والسمو عن المادة والتوحد مع نزيف الناس سواءً كان شقاءً في العمل أم إحتفالات طقوسية قديمة متوهجة بحب الأرض والربيع والوحدة مع البشر، وسواءً كانت حملاً لخشبة العذاب أم فرحاً بميلاد الفرح ووازدهار العيش والقمح.
بما أن العاملين في الأرض هم المنتجون الكبار الذين يقدمون الغذاءَ والملبسَ والمسكنَ للناس، ثم يعيشون في الجوع والعراء، تكون أسئلةُ العدالةِ الحارقة عند الكبار من الضمائر والعقول المتوهجة.
عيسى المسيح يواجه إمبراطوريةً شرسةً متعالية على المنتجين تدهسهم بعرباتها وجيوشها، وتنتزعُ المحاصيلَ وتخطف الأطفال لتحولهم إلى مصارعين، وتنتزعُ الرجالَ لتصيرهم عبيداً في مزارع الملاك الكبار في الشمال.
والحسين يجابه إنحرافاً في التراث، وتحويلاً لنضالية الإسلام وتغييراً لمُلكية الأرض التي أُعطيت للمنتجين.
فيما تحولت المسيحية إلى عقيدة حاكمة، ولم تعد الأرض الموعودة معطاة للفقراء، وهُزمت مُثُل المساواة والتعاونيات الصغيرة التوحيدية لعمل المنتجين، ظهر الإسلامُ وتحولت القبيلةُ المسيحيةُ العربية عبدالقيس إلى الدين الجديد، فقد حمل الإسلام تلك المُثُل إلى مرحلة جديدة من تطور الإنسانية.
ساندتْ قبيلةُ عبدالقيس ظهورَ الإسلام ومعاركه وأُصيبتْ بالاختلافات والصراعات ورحلتْ من الحجاز إلى أقليم البحرين الممتد من جنوب العراق حتى عُمان وغدت إحدى المؤسسات الاجتماعية فيه.
وهناك في البحرين الواسعة إمتدت الأشجار والنخيل، ظهرت القرى والمدن، ونشرت القبيلة المصائد والبساتين على طول الأرض وعرضها، فيالهم من منتجين ومن أجداد صنعوا مآثر العمل، لكن هل كانوا سعداء؟
كما يحدث عادةً بعلو الملاك الكبار وهزيمة الثورات بسببيات جديدة وبتطورات مركبة، فقد صعدتْ الدولةُ الأموية وأختفى الفيءُ الموجه للناس، وظهرت روما بين العرب.
عانت القبيلةُ وتغلغلَّ التراثُ القديم في حضورها وذاكرتها الثقافية، تجمعتْ المعاناة المسيحية بالفداء الإسلامي، رفعت من الحسين رمزاً للمعاناة والخضرة المتجددة والربيع السياسي في أزمنة القحط والعذاب.
ومنذ فجر التاريخ في منطقة الهلال الخصيب، منذ تموز وأدونيس مزجَ الناسُ دمَهم بفاكهة وأشواك الطبيعة، ومعاناتهم بالحرث والخراج، واحتفلوا بالربيع، ألم يكن الجد الأول لعبدالقيس هو ربيعة؟
يسخرُ الشاعرُ جرير شاعر القصور من المنتجين من عبدالقيس فيقول:
فخل الفخر يا ابن أبي خليدٍ
وأد خراجَ رأسك كل عام
لقد علقتْ يمينك رأس ثور
وما علقتْ يمينك باللجام
الخراج وحقول التعب لم تنقطع عن الفرسان لكن البساتين التي ملئت الآفاق كونها المنتجون.