أرشيف الأوسمة: عبـــــــدالله خلــــــــيفة: الرمزيةُ وأهميتُها

الرمزيةُ وأهميتُها

abdulla khalifa

وُجد فهمُ الرموز في عالمٍ اسطوري غيبي مثالي سياسي عبرَ آلاف السنين، وهل كان الإنسان قادراً على أن يتجاوز ثنائية صورتي الإله أو الشيطان المركزيتين؟

لم يكن بإمكانه أن يضع هذه الرموز في تطورات البُنى الاجتماعية، وصراع الجماعات على المال العام والخاص والامتيازات التي يتكرس فيها أناسٌ دون آخرين، وتُدمج هذه الامتيازات بالمناصب والقبائل والعوائل والجماعات السياسية، ويتحول بعضها لكائناتٍ معبودة، تجمد الوعي البشري رافضةً دخوله منطقة النقد والتحليل والتشريح.

وإذ وجدت الأغلبياتُ في الشعوب تكريس هذا في نُصب وتحويلها لمراكز عبادة لبقاء التصورات الخيرة في إعتقاداتها، ظهرت أقلياتٌ تدعو لتحطيم هذه النُصب، غير مدركة لكون هذه الرموز معبرة عن تحولات تاريخية هامة للشعوب، ولكن وعي الشعوب التقليدي لا يستوعب نقدها وتحليلها وتمييز الخيط التقدمي الصاعد عبر التاريخ وتراكم الممارسات الاجتماعية الفكرية الجديدة والمضيئة، وليس الحل هو في تدمير الأشياء والأعمال المقدسة والفنية للشعوب مهما بدت مختلفة ونائية عن تفكيرنا بل في قراءة حياة هذه الشعوب الاقتصادية وإصلاحها.

عبرَ صراعُ الرموزِ ونقدها أو مدحها في منطقة العالم الثالث المتأخر- حيث أن بعض الدول الاشتراكية قد تجاوز هذه المرحلة الصنمية- عن صعوبة العمليات الديمقراطية والتحويلية الجارية في هذه البلدان.

ثنائية الذم البغيض أو المدح الذاتي العالي، يعبران عن العقلية القديمة وثنائية الإله أو الشيطان، وهي عقليةٌ واحدة في ميدالية الوعي الاسطوري، الذي يحول الكراسي لحكم أبدي، مطلق خارج صراع التاريخ والجماعات.

وقد تجاوزت ثقافةُ الغرب ذلك لكون عالم الكراسي نسبي، مرحلي، يهدف لتطوير البنية الاقتصادية السياسية التي توضع محلَ تشريحٍ ونقد من أطراف عدة، كلٌ يسحبُ لجهةِ مصالحهِ المشروعة، في مسرحٍ تتسلطُ عليه الأضواءُ الساطعة، ويقبلُ فيه المتنافسون نتائجَ الأصوات والضغوط ودعايات الجرائد الحزبية التي غالباً ما تلجأُ للعروض الموضوعية في تكوين قياداتها، فتظهر مراكزُ طبخ في كافة الطبقاتِ المتصارعة لتكوين القيادات ودراسة نقاط قوتها وضعفها، ومدى تعبيرها عن الجديد في مصالحها وجماعتها، وتجاوز القديم الذي تكلس، ولكن حتى تلك القيادات التي تكلست تدافع عن وجودها أمام التشريحات النقدية وتتساقط إذا عبرت تلك التحليلات العميقة عن جوانب جديدة هامة وكشفت أخطاء خطيرة ومستوى سياسياً معرقلاً لتطور النظام والجماعة.

وهذه الممارسة السياسية العالية نتاج تطور فكري سياسي لعدة قرون سابقة، لا نستطيع أن نقفز نحوها بأقدام الأطفال السياسيين، الذين تمتلئُ أفواههم بعبارات الذم الساحقة لأفراد محددين يخالفونهم الرأي، أو المدح الرخيص للحصول على مناصب متوفرة وسد منافذها أمام الكفاءات.

إن عقلية الإله أو الشيطان، الأبيض أو الأسود، لا تتشكل في تجسيدات الحياة الاجتماعية السياسية التي يمتزج فيها الخيرُ والشر، الانجازُ والسلب، التطور والجمود، الرقي والرجوع للوراء. إن كلَ جانب إجتماعي سياسي يحمل جوانبه المفيدة، ولكن هذه الجوانب لا تتصارع جدلياً، فتتفجر منها شراراتُ النور لا شرارات النار!

وتبسيطاتُ الوعي القديم ما تزال رازحةً على أفواه الوعي الجديد، مثلما أن الدول الفتية في العالم الثالث تختلط فيها تشكيلات المجتمعات العتيقة من عشائر وأقاليم متضخمة الهيمنة، ومناطق مقزّمة الوجود، وكلٌ من هذه المناطق المتناقضة المصالح ترمي الأخريات بصور الأباليس، وتضعُ مسيراتها الطائفية والدينية والسياسية في براويز الضياء والأبدية.

وكما أن الديمقراطية بكر وهشة في هذه الدول لا يتطور الوعي فيها بسهولة لتحليل الواقع وتناقضاته، فهي متمترسة في أوضاعها، تعيش على أصوات تمجدها أو تلعن خصومها، فهي غير قادرة على نخل عالمها وتغييره من الشوائب وتزييت العجلات السياسية لمزيد من التطورات الوطنية الجامعة لأبناء الشعب الواحد المتضارب المصالح موضوعياً ومؤقتاً في فترة ومتلاق في فترة أخرى حسب قدراته على الفهم والنشاط السياسي وإدراك التناقضات وحلها.

ولهذا فإن الصرخات والتهجمات على الرموز المختلفة هي أعمال بائسة لا تؤدي لتطورات بقدر ما تعقد العمليات الفكرية والسياسية، وتهيج الجمهور من هنا وهناك.

ولا توجد أفضل من القراءات الموضوعية للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع الابتعاد عن الشخصنة والمثالب الموجهة للشعوب والقبائل والمذاهب والشخصيات القيادية، ومثل هذه القراءات الحكيمة تعزز بذور الوعي الجديد، وتهدئ الأعصاب السياسية، لكونها تتجه للمشكلات الموضوعية وتشير للحكام والمحكومين إلى جوانب النقص فتخلق تقارباً على خريط البلدان المشتتة، التي تزيدها الصراعات الذاتية تمزقاً وتباعداً، وتنتج قيادات جديدة في مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية السياسية ترى ما لم يره الآخرون السابقون وتضيف لانجازاتهم إنجازات جديدة، ولهذا يتطور العمل السياسي المتصارع نحو حلول جديدة للواقع الذي ظهر متكلساً لا يقبل التغيير.

في السياسة إمكانيات كبيرة للالتقاءات والتعديلات والتشريحات واللقاءات والاجتماعات للخصوم ولظهور صراعات أكثر تطوراً وذات قابلية أكثر للعلاج، أما العمل بعقليات اسطورية لا تستطيع دمج العلوم العصرية بالعلاج السياسي فهو مثل الطب القديم الخرافي الذي يعالج الأمراض باللعنات والهجوم على الأرواح الشريرة!

عبـــــــدالله خلــــــــيفة: الرمزيةُ وأهميتُها

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13026/article/57692.html