
كتب : عبـــــــدالله خلــــــــيفة
يقولُ بأنه توقف عن الكتابة الأدبية التي بدأ بها، وكانت هي فرحة عمره، وتفجر روحه!
ثم صارت الكتابة سلماً للحصول على المنافع، ويقول بأنه نجحَ في حياته العملية، فقد أنشأ بيتاً بفضل تلك الكتابات التي يغلبُ عليها التصبيغ، وصارت لديه حياة منزلية محترمة!
بين أن يكون الإنسان واعداً في الكتابة والخلق الإبداعي، ثم يتحول إلى سمسار كلمات، هوة كبيرة، بسبب أن كتابة الإبداع احتاجت منه أن ينغمر في حياة الناس وآلامهم، وأن يكتوي بمعاناة جعلته يقدر أخلاقياً قيمة الكلمة، وأن لا تهمه المنافع المادية إلا بقدرِ أن تغدو معاشاً يجدد خلاياه على المقاومة والبحث والقراءة!
لكن حين صارت الكتابة سلقاً، وتحبيراً لأوراق المدائح المستمرة، فصار المبدعُ خادماً، وغدا المناضل سمساراً، وأصبح التفكير في المردود المادي مهيمناً، فلم تعد المشكلات والقضايا والبشر لها أهمية بقدر ما تملأ جيبه وتكون له سلالم للصعود!
ولهذا لم تعد القصة التي كان يتحرق إلى صناعتها مهمة، وصار يقول (الناس لا تقرأ ، الكتب كاسدة ، لماذا نضحي من أجل أناسٍ لا يفهون . يا أخي البشر حيوانات كلُ يعمل من أجل جلده ورزقه فدع عنك المثاليات!).
وكل ما نجح وأزداد ثراءً أنحط أكثر، صار مثل الطبل الأجوف، كلماته هي نفسها، غير قادر على صناعة أي جديد، لا يعبأ بقراءة، ولا يهتم بأحداث حارقة..
بل صار المهم لديه الاهتمام بأخبار الفنانين والفنانات، باعتبارها ذروة اهتمام المجتمع، ومحل القضايا الساخنة فيه!
فأين ذهب كتاب المساكين لدستويفسكي أو الحرب والسلام وعناقيد الغضب، كلها بيعت في السوق ، ولعجبه فقد اشتراها الناس بأغلفتها الممزقة!
صارت شعاراته مثيرة للقرف:
أكذب، أكذب حتى يحبك الناس! طبلْ لأصحاب النفوذ وكنْ تحت أجنحتهم الوارفة بالخير حتى تتساقط عليك أوراق الملكية والثلاجات والغسالات!
ماذا أفادنا الكادحين والمناضلين، لكن الذهب عند ملكات الجمال، والتذاكر المجانية لدى المقاولين الذين لا يصنعون بيوتاً مطابقة للمواصفات، ولدى مدراء البنوك الذين حين تمدحهم يقدمون لك قروضاً بلا ضمانات!
وسعْ نشاطك في هذه الأوراق الصحفية، وقابل المتنفذين والمدراء وأصنع إعلانات تحريرية، وأخباراً نجومية، وأحط نفسك بهالة إعلامية وباقة من الورد الجورية، فيزدهرُ دربُك بالمعاشات التقاعدية المبكرة وتتجاوز صفوف المنتظرين في الطوابير الإسكانية!
إذا أردت أن تكون رقماً كما يضيف قولاً فأركض إلى أي دعوة، وأصنع اهتماماً بكل رغوة، وأصنع قلماً مثل جذع نخلة وأكتب به مدحاً وإذا كانت لديك موهبة الشعر فأكتب قصائد فهي التي تفتح الدروب للموائد!
والعجيب أن المتحدث رغم كل ما حباه إياه الوضع فهو حين يكتب أحدهم قصة يُصاب بغصة، ويروح ينشر كلاماً قديماً وبأغلفة مثيرة، ويجلس مع المؤلفين ويناقش بحرارة مسائل الروح العليا والأخلاق الكبرى، فهو يحس بأن الصدق أهم، وأن عظمة الماضي أهم من انحطاط الحاضر، وأن كل الأبهة لا تساوي كلمة صادقة من قارئ!
