
كتب: عبـــــــدالله خلــــــــيفة
يزيد عدد أفراد الطبقة العاملة الهندية في البحرين على ثلاثمائة ألف، فيُعتبرون أكبر قوة سكانية منتجة.
وقد ذكرتْ وزيرة الشؤون الاجتماعية البحرينية أنه على (الرغم من مساحة البحرين التي تبلغ 740 كيلومترا مربعا فإن العمالة التعاقدية التي تردُ البحرينَ من آسيا وخاصة الهند تمثلُ خمسين بالمائة من عدد السكان، البالغ مليون نسمة، كما تشكلُ العمالةُ التعاقدية من النساء 31 في المائة من عدد العمالة الأجنبية)، الوسط، 3 ديسمبر، .2009
وتقول وكالة فرانس برس:(ووفق أرقام رسمية فان عدد العمال الاجانب في البحرين يصل الى 270 الفاً غالبيتهم الساحقة من الهنود وهم يعتبرون عمالاً غير مهرة).
تعبرُ هذه الأرقامُ المتضاربة المتنوعة بين المسئولين والمستثمرين والصحافة، كما سنرى بشكل أوضح لاحقاً، عن عدم الدقة في تسجيل هذه الظاهرة الاجتماعية (المائعة)، وهي الدجاجة الكبيرة التي تفقسُ البيضَ الذهبي لقوى الاستثمار المتنوع، ونحن هنا في بداية المشكلة حيث لا تمتلكُ الأجهزة المختصة سجلاً دقيقاً كاملاً عن هؤلاء البشر، من هم؟ وما هي أسماؤهم الحقيقية غير المزورة بشتى طرق التحايل، ومدى صحة البيانات التي يقدمونها؟ وأين سيعملون؟ وماذا سيكون دخلهم الفعلي؟ ومن هو رب العمل الثابت؟ وما هي شروط السكن؟ وغير هذا من جوانب تعبر عن الوجود الغامض الكبير لهذه الظاهرة البشرية.
إن وجود الإحصائيات الدقيقة والدراسات عنها في جوانب هذه الظاهرة كافة، هي التي سوف تعطينا إمكانية فهمها أولاً والسيطرة عليها ثانياً، من قبل مختلف الفرقاء الوطنيين والإنسانيين كذلك.
تقدم جمعية المقاولين البحرينية أرقاماً أخرى ولكنها مهمة لمقاربة أعداد العمالة الأجنبية وتوزيعاتها الاقتصادية الهيكلية العامة:
(حسب الإحصائيات المتوافرة لدى جمعية المقاولين البحرينية فإن إجمالي العمالة الأجنبية في مملكة البحرين يصل إلى 500 ألف عامل موزعين على 270 ألف عامل من الهنود الذين يعمل منهم 200 ألف في قطاع المقاولات والإنشاءات و70 ألفا في مختلف القطاعات الأخرى، و230 ألف عامل ما بين العمالة الباكستانية والبنغالية الذين يعملون في قطاع المقاولات والإنشاءات.
عموماً يبلغُ العددُ الأجمالي للطبقة العاملة الهندية في الخليج 12 مليون فرد، ويحولون مالياً ما قيمتهُ 26 مليار دولار سنوياً ويعتبر هذا الدخل مهماً بشكل كبير للاقتصاد الهندي حسبما ذكره الخبير الاقتصادي حسين المهدي، لكنه يمثل نزيفاً اقتصادياً حسبما يفترضه كاتب هذه السطور.
من الواضح ان ثمة ضخامة (غريبة) في أعداد العمال الأجانب في قطاع الإنشاءات، فهم يشكلون أغلبية العمال الأجانب عامة، وهذا تعبيرٌ كذلك عن البُنى التحتية التي لا تتوقف ولا تصلُ إلى أن تكون بُنى تحتية راسخة ودائمة فهي تتغيرُ وتصيرُ غير أساسية بعد بضع سنوات أو حتى بضعة شهور، وهي موقعُ العمال الأجانب الرئيسي ومنبع التداخل بين الرأسمال الحكومي والرأسمال الخاص، ومن المؤكد انها كذلك تمثل البقعة الاقتصادية التي لا تتمتع بشفافية كافية.
من خلال الرصد الاجتماعي الأولي نجد ان ثمة أربع شرائح أساسية من العمال الهنود في البحرين، الأولى هي الشريحة التي تعمل بلا أجر محدد، وهي فئة سائبة، غير معروفة أحوالها في الدخول إلى البلد، وأغلبها من النساء اللواتي يعملن في المنازل و الفنادق والخدمة، ويستقدمهن أزواج أو اخوة ويتركونهن يعملن في تلك البيوت والمؤسسات، ويحصلن على أجور أو إكراميات من الزبائن، وليست لهن أي حقوق، ويعشن مع أهلهن في بيوت جماعية.
أما الشريحة الثانية فهي البروليتاريا المعدمة وأجورها لا تزيد على خمسين ديناراً، وتأتي للعمل في أشغال متدنية، بأشكالٍ كثيرةٍ متعددة، ولدى الرساميل الصغيرة المتنوعة كذلك.
والشريحة الثالثة وهي العمال الأفضل أجوراً والأقرب لأن يكونوا فنيين وتقنيين، وهم يقتربون من أجر يبلغ مائتي دينار، لكن الإيجار والطعام يقتطعان جزءاً كبيراً من تلك الأجور.
والشريحة الرابعة هم الإداريون والفنيون المتعاقدون من شركات وبنوك، وأجورهم أعلى، وذوو عيش أفضل.
أكبر الشرائح عدداً هي الثلاثُ الأوَل، وهو أمرٌ يعبرُ عن الطابع (المتدني) لمهنية هذه العمالة.
إضافة لهذه الفئات الثابتة من العمال الهنود سنجدُ العمالَ غير الثابتين وهم عمال المقاولات والمشروعات الإنشائية المؤقتة الذين يعملون في ظروف عمل سيئة وقاسية، وهم أغلبية العمال الأجانب عامة والهنود خاصة، وهذه الفئة المتجمعة في أماكنِ عملٍ وإنتاج كبيرة، والمرتبطة بعقود، مغايرة للعمال الهنود المتناثرين كعمال خدمة وعمال أجانب في محيط بحريني، ولهذا استطاع أولئك العمال تغيير أجورهم وظروفهم بسرعة أكبر، وقاموا بإضرابات مؤثرة في أرباب العمل سواء كانوا شركات خاصة أو قوى أرباب عمل مرتبطة بالوزارات.
إن تشكل الطبقة العاملة الهندية في البحرين له تاريخ طويل، فقد تشكلت علاقات اقتصادية وسياسية مع الولايات المصدرة للطاقة البشرية المنتجة الهندية منذ عقود طويلة، خاصة ولاية كيرالا، التي قدمت عمالاً ذوي مستوى سياسي أكثر تطوراً من بقية العمال الأجانب.
ثم توسعت العلاقات مع العمال الأجانب وتدفقت بصور كبيرة، وشكلت البُنى التحتية المتغيرة دائماً، والإنجازات الكبرى في البنايات والمعمار العمراني، ووصلت كذلك إلى الفوضوية والاستغلال الكبير وإلى عدم التخطيط، وسنرى صوراً من ذلك لاحقاً.
إذا كانت الأرقامُ بشأنِ أعداد العمال وأجورهم تسبحُ في غموضٍ كبير، فإن الأرباح الناتجة عن أعمالهم تقع في الجانب المعتم من القمر.
وقد حاولتْ العمالةُ الهندية تغيير أجورها المتدنية للوصول إلى مبلغ مائة دينار كحد أدنى للرواتب خاصة في قطاع الإنشاءات والمقاولات، وهو الجسم العمالي المنهك في عمل صعب وخطر.
في إحدى المواجهات الاجتماعية بين المقاولين وعمال بناء الجزر والإنشاءات السياحية الخرافية، طالب العمالُ بتغييرِ رواتبهم إلى مائة دينار شهرياً فقط ولا غير.
يقولُ أحدُ المقاولين إن عدد العمال الذين يعملون في شركته من الهنود يبلغ 800 عامل ومعهم 300 عامل بحريني، وان توقف العمال يوما واحدا يؤدي إلى خسائر تبلغ 150 ألف دينار، ويذكر أن أغلب أعماله(مشاريع عامة للحكومة).
ضخامةُ أموالٍ تُستثمر في مثل هذه القطاعات البنائية الدائمة والمتبدلة التي لا تنتهي فهي (الحلابة الكبيرة للميزانية)، وأجور هزيلة للعمال ومخاطر العمل لا تتوقف، فلماذا التناقض الحاد؟
ولعل مقاربة السفير الهندي لأوضاع العمال الهنود تعطينا صورة تقريبية لأوضاعهم:
(أشار السفير إلى أن “حصة الهند من العمالة الأجنبية في منطقة الخليج هي الأكبر مقارنة ببقية الجنسيات، إلا أنها تعتبر الأقل في البحرين، حيث لا يتعدى حجمها 350 ألف مواطن هندي، 280 ألفا منهم عمال، فيما تقدر العمالة في السعودية بـ 15 مليون شخص.
واعتبر ان ما نسبته 90% من العمالة التي تصل إلى البحرين غير مؤهلة وتعمل في القطاعات التي ليست بحاجة إلى مؤهلات ومهارات عالية)، (جريدة الوقت).
هذه إحصائيات أخرى وأرقام مختلفة، فكل جهة لديها أرقامها بشأن هذه الظاهرة العائمة، وعلينا هنا أن نرى كيفية تجريد ظاهرة العمال من طبيعتهم الإنسانية، فهم مجردُ قوى ومواد خام تُنقل من بلدٍ إلى آخر، فلا نعرفُ الجهات التي تقومُ بعملية النقل المتدنية هذه، وكيف تستفيد من مثل هذا الشحن العائم، وكيف لا يتم تحديد أجورهم من البداية، أي قبل شحنهم، وكيف يُسمح بذلك؟!
(وقدّر السفير جوزيف عدد الشكاوى العمالية التي تلقتها الوزارة في السنوات الثلاث الماضية بـ “10 آلاف و500 شكوى”، مستدركاً “إلا أننا سعينا إلى حل ما يقارب الـ90% منها، فيما تبقى النسبة المتبقية في أروقة المحاكم ونعتقد أنها في طريقها للحل”.
وأشار إلى أن “أغلب الشكاوى تتركز في قطاع الإنشاءات، وهي عدم دفع الأجور بانتظام أو عدم دفعها مطلقاً، أما في بقية القطاعات فهناك شكاوى ولكن أقل حجماً”، المصدر السابق.
فليس ان تلك السلع لا ترفعُ أجورها لدى القوى الإنشائية والمقاولاتية المتنفذة بل ان هذه الأجور لا تدفع في كثير من الأحيان!
وتضيع أوقات العمال بين أروقة المحاكم والبحث عن أجورهم وبين العمل المنهك.
و يضيف سعادة السفير الهندي:
“هناك جهود تبذلها الحكومة الهندية لتوعية العمال قبل وصولهم إلى الدول المستقبلة للعمالة، عبر النشرات الإعلانية في التلفزيون والإذاعة التي تؤكد لهم بضرورة الذهاب إلى المحاكم من أجل تحصيل حقوقهم في حالة انتهاكها والتنسيق مع السفارة، إلا أن الهند تبقى بلداً كبيراً ومساحاته شاسعة، فضلاً عن وجود ما يقارب 280 لغة ولهجة رسمية، وبالتالي من الصعوبة تغطية جميع هذه الفئات”.
أي أن تحصيل حقوقهم ومعيشتهم تبقى صعبة على ضفتي البلدين المصدر والمستقبل، وأغلب الروايات تعيدُ ذلك للقوى المتنفذة في هذه المجتمعات التي لديها قدرة على جلب العمالة عبر التأشيرات الحرة، واستغلالها في الأسواق بشتى الطرق، وهذا جانب لم يتم توضيحه من خلال الصحافة والبرلمان والبلديات حتى الآن.
ولا تعتمد هذه القوى المتنفذة على معايير محددة إلا معيار المنفعة وتحصيل الأرباح.
في حين ان تعامل الشركات الكبيرة خاصة مع هؤلاء العمال يتم من خلال العقود، وتحديد الحقوق، وينطبق هذا بشكل خاص على العمالة الماهرة والموظفين الإداريين، وتظهر المناطق المعتمة في حياة البروليتاريا، هذه الفئات المحدودة الأجور والحقوق، وتتحجم حقوقهم في الشركات الصغيرة، وتضيع أو تصغر في عالم التأشيرات الحرة ولدى أرباب العمل الأفراد والصغار ولدى أصحاب العمل في الزراعة وفي البيوت.
أما في الجوانب النقابية والسياسية فهي تعكس حالة القوى الاجتماعية البحرينية، وتبدو نظرة الخوف من وجود هؤلاء العمال الأجانب، بدوافع دينية وقومية، فتتصور جماعاتٌ معينة ان هؤلاء العمال الأجانب يمثلون خطراً على الوجود القومي أو على الوضع الديني، وهو أمرٌ فيه بعض الصواب مع غياب الاستراتيجية السياسية في التعامل مع هؤلاء البشر المستخدمين بأشكال استغلالية فظة، وذوي تضارب مع السكان في العقيدة والعادات والتقاليد ومستويات العيش، فهم يسعون للتجذر في هذه المجتمعات والوصول إلى حياة أفضل، وهذه أمور يترتب عليها نمو لغاتهم وحقوقهم وحصولهم على مواقع عيش وسكن وحقوق نقابية وسياسية، فتحدث صراعات بين الأهالي وهؤلاء العمال على مواد العيش، وعلى الحقوق.
لكن في المجال النقابي وفي الرؤية السياسية تغدو هذه نظرات ضيقة، لكون الدفاع النقابي عن حقوق هؤلاء العمال، وتحسين مساكنهم وأجورهم، يؤدي إلى تطور أوضاعهم المادية والاجتماعية، ويؤدي إلى تقلص وجودهم الكثيف وحضورهم غير المنظم والفوضوي. وبدلاً من أن يجري الصراع بين العمال أنفسهم ينبغي أن توضع الكرة في ملاعب الوزارات والشركات وأرباب العمل المسؤولين عن استيراد هؤلاء العمال وتكديس الأرباح من عملهم.
إن غياب درس حياة هؤلاء العمال يقود إلى مواقف سياسية محدودة كما نرى في البرلمان ووزارة العمل والنقابات
