لهم في كل فترة لون وتوجه ومذهب، بحسب المصلحة وكيف تجري الرياح، ينخدع فيهم بعض الناس حين يرون شعارات ملتهبة وكلمات صاخبة وهم مع القومية إذا كان زمن القومية صاخباً ومع أعداء القومية إذا كان أعداء القومية يدفعون جيداً، وهم مع نادي الفجر إذا كان نادي الفجر ممتلئاً بالأعضاء البسطاء والوهج، وهم يسلمون أعضاء نادي الفجر النشطاء الوطنيين للسلطات الاستعمارية البريطانية التي تؤهلهم للمناصب والثقافة الحربائية!
وهم مع العروبة لكن بحيث يخلقون منها متاريس ضد الثقافة التقدمية وضد القوميين الحقيقيين، ويشكلون الصراع بين العرب (والعجم) والصراع بين السنة والشيعة، والمهم أن يتشكل صراع بين الناس، وينشغل الأهالي بالاختلافات فهذا هو الأفق الذي تربوا فيه تحت دهاقنة السياسة البريطانيين وتلاميذهم السطحيين المسعورين بضد كل ما هو شريف!
والهام دائماً ألا يقف الأهالي في البحرين على موقف وطني واحد، وقد اهترأت نعالهم وأحذيتهم في التفريق وما امتلأت جيوبهم وما خف طمعهم وما صحت ضمائرهم إذا كانت لهم ضمائر!
لهم في كل الاتجاهات مكان، ولهم في كل التيارات موقع، ولا أحد يعرف لهم حقاً أو باطلاً، فهم في يوم مع الشيعة ويصخبون كثيراً معهم، وفي يوم آخر مع السنة، ويتشددون من أجلهم ويصرخون وكأن أحداً وضعهم أوصياء على أهل السنة، وفي يوم آخر يتكلمون باسم اليساريين وكان تروتسكي نشأ في بينهم وكأن لينين أكل باجة مع ابائهم، وفي يوم رابع مع اليمينيين ويشتمون اليساريين الذين مدحوهم بالأمس!
فلا مصداقية ولا رأي ينمو ولا موقف يُحفر في الأرض وكلماتٌ هباءٌ تلقى في الهواء وإذا صابت صابت وإذا خابت خابت، لكن المهم هو رضا أهل السلطة، وأصحاب الدفع وإعطاء الأراضي والمساعدة في الأموال وبناء البيوت والوضع في المناصب العالية والتخفيف من الديون وعدم ملاحظة سرقة المال العام، وكل ما يعلن كلام، وكل ما يبطن هو خدمة أهل السلطة والمقام، سواء كانوا بريطانيين أو غيرهم، والمهم الدفع!
تتفهوا وانحطوا لأنهم بلا موقف شريف، وبلا عقل نظيف، عجزوا عن مراكمة المعلومات والآراء والحفر في الكتب والواقع، فاختصروها بالانتهازية، وبكراهية من لهم مواقف صلبة ونضال مستمر، لأن الساقط يكره الواقف الصامد، والمنحطُّ يخشى النظيفَ الطاهر، ومن سرق يخاف مَن رفضَ المال الحرام، ويريد أن يتحول كل الناس إلى لصوص؛ حتى لا يبقى شرطيٌّ واحد يقبض عليه في خاتمة المطاف متلبساً!
وهكذا لا بد من دغدغة مشاعر البسطاء، وخداع أهل التعصب مرة بالقومية ومرة بالسنية ومرة بالشيعية ومرة بالبعثية ومرة بالتقدمية، فهو مثل لاعب السيرك ينتقل من حبل إلى آخر، يهجمُ على كل الخطوط الوطنية والسياسية، معتقداً أنه الفهلوى الذي لا يُشق له غبار، وهو رجلٌ تافةٌ في كتاباته وأفكاره وسيرته، وجثة هامدة تسير بين البشر، تنتظر القبر وقد لوث الجو برائحته وسمم الورق بسطوره!
هذا هو النموذج الحربائي تجريدي عام لا يخص شخصاً بعينه وقد اخترته من بين كل الفترات الوطنية السابقة والحالية، كرس اسمه الشخصي بين سلالته من الانتهازيين، الذين توارثوا الموقف وتبنى بعضهم بعضاً، وساعد بعضهم بعضاً، لأن الحرباء هو حزب من أقوى الأحزاب، هو حزب من لا ذمة له، ولا دين ولا مذهب ولا فكر ولا تاريخ مضيء ولا شيء مشرف، لكنه لا يخجل مستعرضاً مواقفه (العظيمة) دائماً معطياً الأجيال دروساً من سيرته (الكفاحية)، خادعاً طوابير من السذج في كل مرحلة، مقدماً أراءه المسمومة لكل المراحل الدراسية، ولا يدري أنه يؤذن في خرابة ولصلاة لا يأتي إليها سوى الوزغ والعقارب!
#المنبر_التقدمي ⇦ (اللاتقدمي)!
