أرشيف الأوسمة: التحرير تبقى عاليا ومضية كتب عبدالله خليفة

(التحرير) تبقى عالياً ومضيئــــــةً


لم يكن نادياً أو حلقة ثرثرة!
لم يكن تنظيماً للوجاهة والتجارة!
كان جدولاً صغيراً يجمع طاقات العقل والنضال والتغيير، في بذور صغيرة، وحلقات محدودة وسط بحر من اليأس والجهل والبحث والعذاب.
كانت نفس الخنادق المتعادية، ونفس الجهاز الواقف فوق جبل من العذابات والاستغلال، يكون فساده الخاص، وحياته المرفهة، وخططه التي تمشي فوق عظام البشر وأحلامهم!
وكان أصدقاؤنا في النضال المشترك هم أكثر الناس منافسة لنا وتقزيماً لحضورنا وهدماً لأفكارنا، لكن أفكارنا ليست هوىً شخصياً أو لعبة نتسلى بها، تاركين آباءنا في جبل بابكو يحترقون وسط الزيت المشتعل، وأمهاتنا يتمزقن بين تسفيط السمك واحتراق الأكواخ!
كانت أفكارنا السياسية الموضوعية الصغيرة ثمينة وعظيمة وسط التخبط السياسي وروح المغامرات التي تقوم بها ثللٌ من المراهقين والعفويين، الذين يريدون تغيير الخليج المصفح، بالنار، أو الذين يربطوننا بأجسامِ دولٍ أخرى كبيرة، ويقترحون مشروعات سياسية بين ليلة وضحاها، دافعين بحشود من الشباب إلى اعترافات السجون واليأس والضياع الاجتماعي!
تنظيمات هلامية تنشأ ولا تعبأ بالنصائح، تنطلق فقط من روح منافسة طفولية، وكأن(التحرير) هي فقط العقبة الكؤود أمام هذا الوطن لكي ينطلق، وليست هي كما هي حجر الزاوية الذي رفضه البناؤون، ولكنه لم يترك البناء وأقام معمار الوعي الطبقي، وأسس عمارة العقل الوطني المناضل!
وفي كلِ عاصفةٍ سياسية، وحين يترنح المركبُ البحريني في بحر الخليج المتقلب المشحون بالزيت الحار، يبحث الناسُ عن الربان، وفي عواصف الدخان والتضليل والتطبيل، تأتي كلمة التحرير مثل القنديل في بحر الظلمات، صغيرة، تكاد تنطفئ من الرياح، ولكنها مشعة لأنها الباحثة عن الحقيقة الموضوعية، وقراءة الواقع بالعلم وليس بالعاطفة الحارقة، وهي التحرير بنصائحها التي توجه التنظيمات لكي تترك انتفاخاتها وتغدو صغيرة صلبة تشق سكاكين القمع البريطاني الاستعماري أثناء العمل السري، وتدعو للنضال من أجل التحرر والوصول للديمقراطية وصنع الدستور وتأسيس النقابات، والمشاركة في الانتخابات وعدم المقاطعة، وعدم تفجير التجربة السياسية الغضة والانزلاق مع القوى المعادية لنمو الديمقراطية!
وهي التي ترفض استيراد المخططات السياسية من الخارج وتدين الاغتيالات وغزو دولة شقيقة جارة، وتبحث عن المصالح الوطنية وتشكل خطَ تغييرٍ مناسب لظروف الخليج والجزيرة العربية، حيث كميات كبيرة من الأمية والجهل ومن بحيرات الزيت والغاز، المشحونة للخارج، وحيث البعض يكدس المليارات ويشتري الجزر والشركات الكبرى في الغرب والشرق، ويترك أزقتنا وقرانا بلا شوارع مبلطة وبلا مصابيح وبلا بيوت تصمد للزمن وكثرة العيال!
وتزداد المواقف السياسية تعقيداً وتفجيراً في جسمنا الوطني، ويريدُ أناسٌ أخذنا إلى مسلخة طالبان، وآخرون إلى حمامات الدم في إيران ولبنان، وإعادتنا لعصر الحريم وتكميم الأفواه والعقول، وليس ثمة يسار صامد عظامه الفكرية من الصلب الصوان غيرنا، وعبر كلمات قليلة تقال، وبرنامج وسواعد كثيرة تنزل إلى النضال السياسي العام، يتشكلُ مجرى سياسيٌ جديد، وتبدأ الفسيفساءُ السياسية تمضي معنا، ومن هنا تزدادُ الحرقة من جهة، وتزاد الأعباء الجسام من جهةٍ أخرى!
إن مقاومة المشروعات الطائفية والشمولية الحكومية تتطلب كما كان النضال الأول مزيداً من العقل والعلوم والإرادة السياسية المتجهة للجمهور، مزيداً من التجذر في هويتنا البحرينية والعربية والإسلامية والإنسانية، وترك النخبوية والنزول للشوارع نحو مشروعات الخلايا وديمقراطية النقابات وقراءة الكتب وصنع الأفلام والمسرحيات والأبحاث، فثمة كسل وشحم كبير في أجسادنا، وليس ثمة شيء يزيل الأورام مثل النضال البرلماني المستمر لعقود، نحو جعل طبقاتنا الشعبية العمالية تغدو القوة الاجتماعية الأساسية المؤثرة في صناديق الاقتراع، وبحيث نوجه رأسمالية الدولة الحكومية الشمولية إلى أن تكون رأسمالية دولة ديمقراطية تصبُ الفائضَ الاقتصادي على البيوت الفقيرة والمدارس والصحة ولمزيد من التطوير الصناعي المكثف والعلمي وليس من أجل استيراد المصانع الملوثة للبيئة والناشرة للأمراض الوخيمة.
عقل التحرير يتحرك الآن في عالم الحداثة والعولمة والتركيب، ولحلول مبتكرة لقضايا الوطن والناس.
30/11/2006