أرشيف الأوسمة: الإسلام السياسي كمصطلح غربي

كلُ شيءٍ يتغير إن التناقضَ هو أساسُ حياة البشر، وبدون تناقض يزول البشر.

«الإسلام السياسي» كمصطلح غربي        

جاء مصطلحُ (الإسلام السياسي) في العقود الأخيرة من القرن العشرين معبراً عن الرؤى الغربية السياسية في معالجة تاريخ المسلمين المعاصر خاصة.

وهو يعكس عقلية المواجهة للحركات المذهبية المحافظة المتطرفة، لكن أُخذ ذلك بشكل تعميمي، وهو يغدو في الأدبيات العربية الشرقية كتعبير أدبي سياسي موجه ضد الحركات الدينية المعاصرة.

جاءَ التعبيرُ الغربي كجزءٍ من الحملة السياسية ضد حركات مناوئة للعصر، تضع تصفية الآثار التحديثية الحضارية في الشرق، جنباً لجنب مع سياسات الدول الغربية المتدخلة في شؤون وبلدان المسلمين، رغم أن هناك مستويات متعددة من التطور الاجتماعي الإسلامي في هذه العملية، فهناك قوى صحراوية بدوية وريفية عاشت على الألغاء ومن قوى مدنية إستوعبت تقاليد حضارية حديثة ودعت للنمو المتدرج وبضرورة إستيعاب الديمقراطية على مراحل، ولا يمكن إلا قراءة هذه الخطابات ونقد بعضها ودعم الآخر مع تطور العمليات السياسية والاقتصادية التحديثية المشتركة بين الغرب والمسلمين، للوصول لقواسم مشتركة وعمليات تعاون أعمق.

أما ذاك التعبير الغربي وهو تعبير(الإسلام السياسي) فهو قد خضعَ لرؤيةٍ إيديولوجية إستصالية عامة، خاصة عندما إنتقل لقوى ليبرالية ويسارية عربية ليس لها جذور شعبية وديمقراطية.

وقد قامت تطوراتُ العرب والمسلمين الحديثة على مساندة الغرب الإقتصادية والفكرية في الواقع، ومثلت الدراساتُ الغربية في ثقافة وتاريخ الإسلام الشيءَ الكثير، وعكف مئاتُ العلماء الغربيين على فحص مخطوطات إسلامية قديمة وكرسوا أعمارهم لذلك بين الأقطار المتباعدة وبين الكراهية وقلة المساعدات!

وقد فهمتْ الأتجاهاتُ غيرُ الإنسانيةِ في المنطقة ذلكَ كنوعٍ من التآمر والإستغلال، وتوظيفاً للقراءات في عمليات التفرقة بين المسلمين، وربما كان ذلك موجوداً في بعض التحقيقات والرؤى، لكن العملية الثقافية الغربية لدراسةِ الإسلام كانت مفيدة جداً، وتمثل نقلة كبرى تمت الإستفادة منها والتجاوز لها كذلك.

في ذلك الدرس للتاريخ لم يكن ثمة التعميم الراهن (الإسلام السياسي)، وقد كان الدينُ مجموعةً من العمليات الإجتماعية المُسيّسة عموماً، وبالتالي فإن هذا التعميمَ الراهنَ وهو الإسلامُ السياسي المقصودُ به الحركات المحافظة المضادة للعصر، لم يأت من عمليات تحليل الحركات السياسية الاجتماعية الإسلامية الكثيرة كالمعتزلة والقدرية والأشاعرة والقرامطة والمذاهب الإسلامية التي نشأت في أجواء محافظة ولكن عملت على حفظ هياكل الأمم الإسلامية، بل جاء من اللغة الصحفية لهذه الأيام، لأن الكتاب الغربيين المعاصرين إنعزلوا عن نتاج الغرب الهائل نفسه المعالج للإسلام، وجاءوا من الحكومات أو من الصحف أو من شركات النفوذ، فلم يرتكزوا على نتاجات الغرب الديمقراطية في معالجاته للتاريخ ولثقافات الأمم. أي هو إصطلاح نتاج تبسيط، ومؤامرات وصراعات سياسية راهنة لا يجوز أن يُؤخذ لمواقف سياسية عميقة. هو جزءٌ من اللغو لا من التحليل.

الآن حين غدت المعركة سياسية مباشرة بين حركات دينية مضادة للحداثة، وبين حركات تحديثية، علمانية متغربة، جاءَ هذا المصطلحُ المجردُ، رغبةً في عزل هذا الكم الهائل من التعصب والتخلف عن جمهور قراءة الصحف لكن بأدواتٍ غير علمية.

إستعمال هذا المصطلح جاءَ من حركاتٍ ليبراليةٍ ويسارية غيرِ ذاتِ حفرٍ في التاريخ والواقع، وكجزءٍ من الإستيراد الشكلاني، غير النقدي، وتعبيراً عن هشاشة الفئات الوسطى التحديثية غير الصناعية، وتذبذبها بين القوى التقليدية الحكومية والدينية التي لم تؤسس نهضات عربية إسلامية إنسانية متجذرة متطورة.

هو الصراع بين حركات سياسية من الفئات الوسطى نفسها، لكن المتسمة بقلةِ التبصر السياسي، وبمحدوديةِ المعارف، وبالحدية الغربية أو بالحدية الدينية المتصادمتين عبر هذا المصطلح، وهو أمرٌ يكشف ضعف البرامج السياسية لهذه الفئات وتراقصه على الأحداث اليومية بدون تبصر مستقبلي أو معرفة بحال الأمة العربية خاصة وبالأمم الإسلامية عامة، وتبعيات هذه الفئات لقراءات الدول الخارجية غالباً، ولرؤيةِ جهةٍ واحدةٍ من التطور، ولغياب الجدلية التضفيرية بين الأوطان والعصر، بين الأديان والتحديث، بين الشعوب وهذه الفئات الوسطى التي هي نتاجُ البيروقراطيات الحكومية والتجارة الصغيرة الدكاكينة.

والأسوأ إنه يعبر من جهةٍ أخرى عن العامةِ الضحلةِ الوعي، المقسَّمة طائفياً، التي يشكلُ حراكُها ضرراً على نفسها، أكثر من الفوائد التي تجنيها من تسيسها المخرب لعالمها، فهي كل يوم تغوص في الفوضى ويدفعها تعصبها للمزيد من الأزمات.

ويزيد إستخدام مصطلح الإسلام السياسي من هذه الأضرار، لأنه يبعد هذه العامة عن القراءات الموضوعية، ويشحنها بالعدائية للحداثة، ويعمق طائفيتها، بدلاً من تقرأ الإسلام والعصر على ضوء آخر.