(علمية) فيورباخ وتوابعهُ

كتب : عبـــــــدالله خلــــــــيفة

فيورباخ فيلسوفٌ ألماني ظهرَ في القرن التاسع عشر إفتتحَ مدرسةَ الإلحاد الغربية الحديثة، أو أنسنة الأفكار الدينية ورؤيتها كإنتاجٍ بشري، فمع سقوط الإقطاع وظهور عصر الأنوار بدا إن النظام الديني متجه إلى زوال سريع.
وتصور الاشتراكيون وهم في أوج الحماس في هذا العصر إن الرأسمالية آيلة هي الأخرى إلى زوال كذلك، فما دامت الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج سوف تسقط مع إندفاع العمال الأوربيين الغربيين في أحداث الأربعينيات من القرن التاسع عشر في هبات كبرى فكذلك سوف يسقط الإستغلال والدين أيضاً.
وتحول ذلك في الشرق إلى دول وحركات كبرى.
تداخل عصرُ الأنوار الغربي السريع مع عصر القومية التحديثية في الشرق.
لكن الرأسمالية ظهرت إنها أكثر تعقيداً من أن تسقط في بضع عقود، كذلك بقيت المسيحية بقوة في أوربا وأمريكا.
يقول فورباخ:

  • كل صفات الطبيعة الإلهية هي بالتالي صفات الطبيعة الإنسانية.
  • الإله كائن موجود وحقيقي (مثلما أن الإنسان كائن موجود وحقيقي)، لأن كيفيات الإله ليست إلا الكيفيات الأساسية للإنسان.
    ليس في عقول البشر الإله بذاته بل صورٌ عنه، أما الإله المجرد كما يتصوره فورباخ فمن غير ممكن تصوره بدون هذه الصور، لهذا فإن إلغائه للإله لا يتحقق.
    ومن هنا تتعدد مرئيات البشر للوجود الإلهي، وقد كان لدى المسيحيين الأوربيين صور سائدة محددة عن الإله، صور تشكلت في عالم المشرق العربي ولها سيرورات تاريخية طويلة وإنتقلت إلى أوربا، وكل صور سائدة كبرى لها ظروف تاريخية كبيرة، وتتحول هذه الصور في مجرى صراعات الشعوب وإنشاء الأنظمة والفرق الدينية، ووجود البشر كبشر.
    في تصور فورباخ التجريدي بإن الإله هو الإنسان، جاوزته الأفكار الاشتراكية بأن رأت تطورات الأديان وأشكال ظهورها السياسية والاجتماعية، ومع إعتبارها الرأسمالية آيلة للسقوط السريع فإن الأديان آيلة معها.
    تعاملت الحركات الاشتراكية بتحليلات محدودة عن الجانبين، ولهذا إتخذت من الألحاد سياسات لأنظمة، ما دامت هي سائرة لهدم الإستغلال والشقاء البشري وكل ما أسس ثقافة الإنسان القديمة.
    وفيما عزل الغربُ الرأسمالي المتطور الأديانَ عن السياسة سمح لها بالحرية الواسعة في المجتمعات، فقد لُوحظ بأن الحداثة وكل تجليات الثورات المعرفية والاقتصادية لا تلغي الدين، فالدين ليس رد فعل على الشقاء، بل هو أشكال من الوعي إرتبطت بالأغلبيات الشعبية في كل الأمم، هي أشكال وجودها الفكرية والثقافية، هي طرقها للعيش والتفكير والحلم والبقاء في الوجود المادي المحض المخيف.
    وإذا كانت هي خيمة الوجود الفكرية التصويرية، فهي كذلك أدوات الصراع السياسي، الوسيلة التي يوظفها السياسيون لكي يحكموا ويربطوا بين أنظمتهم وتنظيماتهم والدين الذي يؤمن به الناس، ولهذا هم لا يأبهون بأديان لا يؤمن بها مواطنيهم.
    وكما أن الدين أداة تثبيت للحكم فهو كذلك أداة تغيير لها. حين تحول الحكومات الدين لوسيلة سيطرة يقوم المعارضون بتحويله لأداة معارضة، ولهذا فإن الحركات الإنسانية المعادية للكيروس والكنائس والحركات الاشتراكية خسرت مفعول الدين في عملها السياسي، وتركته لليمين، ومن خلال الدين تمكنت الحكومات اليمينية بالبقاء بينما تعذر على الإشتراكيين البقاء المطول في السلطة.
    ما لم يره فورباخ والعديد من الاشتراكيين أن الدين مثله مثل أي فكرة ونظام وكينونة هو تناقض، ليس هو سكون، وفكرة واحدة بل أفكار متضادة، لليسار واليمين، على مدى آلاف السنين، فليس هناك الإنسان المجرد في الصور المقدسة، بل الإنسان الشعبي، أي الملايين من الفقراء والعاملين الذين تجسمت معاناتهم وعذاباتهم في الصور الدينية.
    ورغم هذا التجسيم فإن القوى الحاكمة على مر التاريخ تستطيع تجرد هذه الصور من شعبيتها، ومن آلام البشر فيها، وتجعلها مجردةً، وأن تمتصَ الشعيرات التي تمتد منها للأكواخ والمصانع، وتجعلُها مغيبةً مجردةً لا تمدُ يداً لها، ولا تظهر قطرةُ دمٍ فيها، وورغم ذلك فهذه القوى تحتفي بالدين إميا إحتفاء وهي تقللُ الأجورَ وتزيدُ الأرباح وتكثر الأكواخ.
    والتجسيمُ هذا يظهرُ ويتفجرُ خاصةً في المسيحية التي هي ديانةٌ تجسيميةٌ ملموسة، على شكلِ الإلهِ – الإنسان المصلوب، فإذا زادت الأشكال التجسمية، وحضور الإله في الإنسان، زادت كميات الإستغلال للبشر في الدول الكاثولكية والأرذوكسية، وبأشكال أدنى من الأشكال البروتستانتية، التي يمتص رأس المال الواسع الإنتشار الأرباح، لكن فيها كلها يواصل العامل حياته المعلقة على صليب الإستغلال والغربة عن بضائعه التي يصنعها.

أضف تعليق