تلاقي المستغِلين فوقَ التضاريس

#عبدالله_خليفة


ما الذي يجعل إيديولوجية مستنيرةً كالماركسية نتاجِ التحضر الأوروبي تتلاقى وإيديولوجية ظلامية كولايةِ الفقيه نتاج العصور الوسطى؟
كيف لطموحات الشغيلة البطولية للقضاء على الاستغلال والقفز بالعالم نحو الاشتراكية أن تتعاضدَ مع آمال الإقطاعيين للعودة إلى الوراء والسيطرة على العمال والنساء في قمقم التخلف؟
كيف لفكرة تسعى إلى التنوير والانفتاح والشفافية والديمقراطية ومساواة القوميات أن تتلوى بين أيدي القمع ومصادرة الحريات والتنوع الفكري والصحفي؟
هي مصائرُ أفكار الطبقات العليا في تنقلاتها وتحولاتها، وخداعها للجمهور عبر الدول والجغرافيا السياسية والاجتماعية.
هي مثلما كانت وما زالت أفكارُ الأديان في تنقلاتها بين العصور والأمم، تبدأ ثورات مناضلة للتطور، وتتآكل وتغدو شكلانية خارجية فوقية، معبرةً عن سيطرات القوى الاجتماعية العليا في الأمم المختلفة، فلا يختلفُ بعضها عن بعض إلا بعبادات تُضخمُ وجوانب صغيرة تتعملقُ وتغدو مدار الاختلاف والتعصب، ولكن عبر تلاقي الطبقات العليا في السيطرة وتلاشي الطبقات الشعبية في الخضوع وتقزم الشخصية والجهل بمصالحها.
وإذ تعبرُ دكتاتورية البروليتاريا عن مصدرها الغربي الرفيع كحكمٍ استثنائي عابر لمرحلة تحول، ومع هذا فهي تُطردُ من الغرب مشكل الديمقراطية وعدو الدكتاتورية، فإنها لا تجد تحلّلها وتدهورها إلا في الشرق الوسيط الناهض حيث الأبنية الاستبدادية.
هنا تصيرُ سيطرةً شبه أبدية، وتغدو الرأسمالية الحكومية المصوّرة نفسَها بأنها اشتراكية ومعبرة عن الكادحين، تفريخاً للرأسمالية من الباطن.
حيث إن سمات الدكتاتورية من منعِ التنوعِ الفكري السياسي، ومصادرة تنوع الطبقات، وقيام فئة من البرجوازية الصغيرة بمنع التشكيلات الموضوعية للطبقات وقوى الانتاج، تجعل من هذه الدكتاتورية صعوداً لقوى عليا تمتلكُ كلَّ أدوات السلطة وتمنع غيرها منها، فلا تغدو لها علاقات كفاحية مع العمال، بل تنفصلُ عنهم، وتغدو عدوةً لهم!
وهي السمات نفسها التي تتلاقى مع ولاية الفقيه، حيث إن التنوع الفقهي الإسلامي وتعددية الآراء السياسية تُصادرُ لمصلحة سيطرة فقه شكلاني وحيد، تتجسد فيه سيطرة الدولة الكلية.
ويقوم هذا الفقهُ المسيّس المجّمدُ شريعةً بوقف تنوع الطبقات وصراعها وتعدد مواقفها، حين يُطبقُ بهيمنته على عَصب الحكم، ويحددُ برنامجَ التنمية الاقتصادية في مصالح الفئات التي تخضعُ له، ليحولها كذلك إلى طبقات رأسمالية من الباطن والظاهر معاً.
ولهذا فإن مسار الاتحاد السوفيتي كان مضاداً لمسار الدولة الإيرانية المَلكية في القرن العشرين، حيث كانت برامج الطبقات السياسية الحاكمة في أولى تجلياتها، وتعبيرها عن النهضة الاقتصادية في روسيا، وبداية تشكل الدولة القومية الجديدة في إيران.
القوميتان الروسية والفارسية ما كانتا قادرتين على التطور الديمقراطي نظراً إلى الأبنية السياسية والاجتماعية المحافظة، فكان الشكلان الدكتاتوريان تعبيرين عن خيارات قوى عليا في مراحل مختلفة، يصطدمان في البدايات، حتى يتآكل الشكل في روسيا، ويغدو تطور الرأسمالية الحكومية عاجزاً فيخلق رأسمالية خاصة، مثلما يعجز التطور القومي التحديثي الديمقراطي في إيران عن القيادة، فيظهر التطور الشمولي الديني لإحداث التحولات.
يصنع هذا التطور رأسماليةً حكومية إيرانية عبر سيطرة القوى الريفية المحافظة، التي تقود إلى هيمنة رجال الدين والحرس الثوري.
القوى العليا في كل من روسيا وإيران تلتقي في سياسات معبرة عن طبقات الاستغلال التي ركبت فوق المُلكية العامة والطبقات الشعبية، وبسياساتٍ متعسفة عسكرية تجاه الأمم الأخرى.
الأبنية المحافظة للشرق غربلتْ الأفكارَ المتقدمة للغرب والمتخلفة في العصور الوسطى، في سياسات متقاربة معبرة عن تلك القوى الاستغلالية الشمولية، وقد ادَّعت كلٌّ منها في البدايات أنها تعبر عن الكادحين والمظلومين ثم تكشفت باعتبارها معبرة عن قوى البيروقراطية السياسية والدينية والعسكرية.

أضف تعليق