كتب: عبـــــــدالله خلــــــــيفة
كان ثمة مفهوم سائد في الوعي الديمقراطي الاجتماعي بضرورة التخلص من رفاق الطريق الذين أصبحوا عبئاً على الحركة التقدمية، وكان المفهوم القديم يستند على كون هؤلاء عاجزين عن التطور الفكري ومجاراة العمليات التحولية الصاعدة في مجرى التغيير.
أي أنها تصفهم بعدم القدرة على التطور الفكري، وكان يُقصد بهذا المفهوم إزاحة العناصر المعارضة للنهج الشمولي المسيطر في الحزب أو الحركة، وذلك لغياب الديمقراطية الداخلية داخل مثل هذه الحركات التي يسيطر عليها الزعيم الأوحد والربان الكلي التوجيه.
ولكن لم يعد هذا المفهوم مستساغاً إلا في ضوء رؤية جديدة مختلفة كلياً، فرفاق الطريق السابقين الآن، والذين ينبغي ازاحتهم من قيادة الحركات الديمقراطية هم أولئك الفاسدون سياسياً، وليس المختلفين عن القيادة في وجهات نظرهم، بل ان القيادة ترحب بوجهات نظرهم المختلفة عنها، طالما يلتزمون بالنظام الداخلي.
إن الرفاق الذين انزلقوا في قضايا الفساد وتحولوا إلى مدافعين عن البؤر والجماعات الفاسدة، والذين يعرقلون تطور الحركات الديمقراطية لمزيد من الالتحام والالتزام بالقانون، إن هؤلاء هم رفاق الطريق بالمعنى الجديد.
لقد قدموا خدمات في السابق لهذه الحركات وناضلوا في السجون والمنافي وفي الحياة الاجتماعية، ولكنهم لم يحافظوا على نزاهتهم ومصداقيتهم وذمهم المالية إلى النهاية، فقد انفصلت جملهم الثورية عن سلوكهم العملي، وراح ذلك السلوك يخضع لمصالحهم الخاصة، فلم يعودوا يميزون بأن نضالهم ليس لمصلحتهم الخاصة، ولتكوين عائلات استغلالية في ظلام الحركة النضالية، وأن الحركة الثورية تستبدل ظالمين بظالمين آخرين، بل هي جاءت لإزالة الظلم جملة وتفصيلاً، وليس لتحويل قادتها إلى زعماء جدد للظلم والاستغلال !
والمشكلة حين يتحول رفاق الطريق هؤلاء إلى تصور بأنهم عظماء وقادة تاريخيون، وأن الحركة السياسية تتوقف أمام وجودهم الذي لا يقبل الاستقالة، أو أن يتحولوا بتواضع إلى أنصار وزملاء قاعدة مثلهم مثل آلاف المناضلين الذين أدركوا أن عطاءهم يتوقف هنا، وانهم غير قادرين على استكمال المشوار الصعب، وعلى استمرار التضحية، وأنهم يعلنون بصراحة مشرفة، أنهم لم يعودوا في موقع القيادة والمسئولية السياسية، وبهذا يتركون للتاريخ ولتياراتهم كل الصفحات السابقة بخيرها وشرها، بإنجازها وأخطائها، ولكنهم يعلنون أن الحركات تحتاج إلى قوى قيادية جديدة، وأنهم رفاق طريق ترجلوا من القطار السائر.
مثل هؤلاء المناضلون يمتلكون حس التواضع ونكران الذات، والصرامة الأخلاقية التي ينبغي أن يتحلى بها كل مناضل، وخاصة في المواقع القيادية المسئولة.
لكن القادة الآخرين والمسئولين الذين تورطوا مع قوى الاستغلال والدكتاتوريات وجماعات الفساد والبيروقراطية والإرهاب، الذين يواصلون الإدعاء بأنهم على رأس الحركات السياسية، والذين لا يعتبرون أنفسهم رفاق طريق عابرين، وأنهم لا يمثلون حقاً هذه الأفكار العظيمة إلا لفترات سابقة ضحوا فيها فعلاً ثم دخلتهم جراثيم الفساد، وأنهم تحولوا الآن إلى مجرد متسلقين مستفيدين، فإنهم يغامرون بتدمير كل شيء على رؤوسهم، وعلى عائلاتهم، وعلى جماعاتهم، مسببين أفدح الضرر لها ولهم.
وهناك فرص للانسحاب المشرف، وللمراجعة وللنقد الذاتي، وليتذكروا كيف أن الطغاة الكبار أخذوهم من غيران معتمة كالصراصير بل وأذل مكانةً.
فلا يتصور هؤلاء ان مجموعةً صغيرة محدودة الذكاء وذات طاعات غبية واستعراضات رثة تستطيع أن تحميهم من مصيرهم التاريخي المؤسف، في الوقت الذي لم تستطع الجيوش وقوى المخابرات العاتية وسجون التعذيب أن تحمي أسلافهم الكبار ونماذجهم المقبورة .
#اليسار_في_البحربن #المنبر_التقدمي ⇦ (اللاتقدمي)! #الانتهازية
