علم الحشرات السياسية

عبـــــــدالله خلــــــــيفة

 لا تستطيع بعض النوعيات السياسية إلا أن تتعيش على إنتاج غيرها، فليس لديها قدرة على الإنتاج وإذا توجهت للإنتاج فهو إنتاج ضئيل، لا يتناسب مع حجم تصوراتها عن نفسها العملاقة، وعن أهدافها الطموحة.

 وبسبب أن الطموحات السياسية الكبيرة تحتاج إلى إنتاج فكري كبير وعلى بلد يستوعب هذه الطموحات، فهذه النوعيات تعيش حالة من الاندفاع الهائل ثمة حالة معاكسة من الإحباط القاتم!

 في زمن الاتحاد السوفيتي تنتفخ عضلاتها السياسية، وفي زمن أزمة المنظومة (الاشتراكية) تتهم المصلحين والباحثين في بلدهم عن حلول لأزماتهم بأنهم خونة ومرتدون، فهي تريد بلداً كبيراً جاهزاً يساعدها، حتى على المستوى البسيط التافه، مثل أن المناضل يريد إرسال أبناءه للدراسة المجانية، في حين أن الدراسة تحولت إلى دراسة بالمال، ولم يعد ثمة جامعات سياسية، شهاداتها أغلبها غير علمية.

 ومثلما أن ظروفه تحتاج إلى أن يشتغل ويتعلم ويتطور فكرياً وسياسياً لكنه لا يريد أن يتعب، يريد كلَّ شيءٍ جاهزاً مثلما كان الاتحاد السوفيتي جاهزاً بالنظرية وبالمطاعم وبالفودكا!

 هذا يحدث للمناضلين للقومويين الذين يريدون كل شيء جاهزاً من القيادة القومية: النظريات والكتيبات والتعليمات، وحين تختفي القيادة القومية، خاصة شيكاتها فإن العالم يغدو دماراً، ولا يستطيع المناضل إلا أن ينتظر ثدي نظامه الحنون ليسقيه بالحليب السياسي الصناعي!

 وهذا يحدث للمناضلين المذهبيين السياسيين الذين يزعمون بأنهم مناضلون إسلاميون، وهم أقوياء لأن الضخ المالي والسياسي لا يزال مستمراً، فالتعليمات والأشرطة والكتيبات والشيكات لا تزال متدفقة، ولهذا هم (إسلاميون) وحين تتوقف الإرساليات سيفكرون في أفكار أخرى، أكثر تعبيراً عن قضية الوطن والأمة!

 لا بد للجماعات السياسية التي تعيش على الانتفاع من حماس يغطي عيون الفقراء ويصور الانتفاع بأنه تضحيات كبرى، وهناك أناس مخدوعون وطيبون حتى بين هؤلاء، لكن زبدة المرحلة حين يتم خض المصالح لا تتحمل إلا العدد المحدود لأن الدول لا تستطيع أن تدفع للجميع!

 ويقوم هذا العدد القليل بفلترة الاندفاع والحماس والحكمة وبعد النظر والإصرار والمقاومة والعلوم، ويحولها إلى سن سيف مكسور، ففي ساعة اعتماد الشعب على التنظيم الطليعي يتحول التنظيم الطليعي إلى خروف لا يصلح حتى للذبح في عيد الأضحى!

 تسرب الحشرات إلى التنظيم يتم تدريجياً وبعد سنوات عديدة يرى أصحابه أنه لم يعودوا قادرين على فعل شيء حقيقي، بسبب السماح للحشرات بالعيش طويلاً في غرف التنظيم المناضل، وهذه الحشرات تبحث عن السكر فتمصه حتى تحول قصب التنظيم إلى أعواد يابسة تتكسر!

 من هنا ضرورة أن تكون التنظيمات قليلة العدد، معتمدة على نوعيات منتجة، كثيفة العمل، قليلة الكلام، كثيرة الفعل، لا تفكر بمصالحها وتنفيع أقربائها وأصدقائها، تبحث عن هموم المجتمع وقضاياه لا عن انتظار العون الخارجي ومنافع المؤتمرات والسفرات والرحلات.

 لو كانت التيارات السياسية تيارات نحل ونمل، أي تيارات إنتاج وخلق، لكن الانتماء جدياً ولكن هناك نوعاً آخر من الحشرات يطن ويؤذي وينشر الميكروبات!

#المنبر_التقدمي

أضف تعليق