الأرشيف الشهري: مارس 2019

محمي: عبـــــــدالله خلــــــــيفة أفــق مقالات 2007

هذا المحتوى محمي بكلمة مرور. لإظهار المحتوى يتعين عليك كتابة كلمة المرور في الأدنى:

عبدالله خليفة

عبـــــــدالله خلــــــــيفة : ♀ عن المرأة

نشاطٌ صحفي نسائي

نادرات اللواتي كرسن أنفسهن من البحرينيات للكتابة وقضايا الحرية والفكر، ولهذا لم تتواشج هذه الكتابات بالفلسفة والمادية التاريخية، لكن بعضها الجميل ظهر في الأعمدة والتحقيقات في الصحافة الشعبية النقدية.

التواشج مع الفكر المتقدم كان يمكن أن يظهر كتابات نسائية تبقى وتتجاوز الجرائد إلى الكتاب، فتغربل المواد الشعبية البحرينية وتتغلغل في تحليلها وتصير وثائق. ولهذا نجد أن قضايا النساء لم تحلل بصورة جذرية وتدرس مشكلات الأسرة والوعي والتخلف والاقتصاد الحديث وأسباب (عجز) النساء عن الدخول فيه.

لهذا نجد كيف ازدهرت وارتقت الثقافة اللبنانية والسورية والمصرية بوجود النساء الكاتبات الباحثات. فنوال السعداوي هي مدرسة وسجل حافل بالمؤلفات وبتحليل مختلف جوانب الحياة بأساليب مبهرة شيقة جماهيرية حتى غدت مدرسة للنساء العربيات جميعاً وللرجال كذلك، فهنا في الوعي الديمقراطي ليس ثمة حواجز جنسية.

بعض الأسماء الصحفية كطفلة الخليفة وسوسن الشاعر وغيرهما كرس نفسه للمقالات الصحفية والأعمدة الاجتماعية وليس الأدب والسياسة ومعالجة قضايا المجتمع بصفة عامة على مدى عقود خلق دائرة مهتمة بهذه المعالجات مما حرك دوائر القرار للتغيير.

بروين نصرالله من اللواتي كرسن أنفسهن في الصحافة لقضايا التحقيقات وهي من الأسماء اللامعة التي كرست نفسها للقضايا الاجتماعية والتحقيقات بأسلوب ريبورتاجي متنوع مشوق ساخن وتلجأ في أحيان قليلة الى الكتابة المباشرة والمقالات الموجزة التي تكشف طبيعة أي قضية.

كان القراء يتابعون بشغف هذه التحليلات والصور والمجادلات الثرية وأعماق الحارات ودواخل الشخوص. كانت البلد حاضرة من خلال مراقبتها.

ما ان تتفجر قضية شعبية حتى تجدها هناك، تتغلغل في الصفوف وتسجل، وتستجوب وتحلل.

قضايا خطيرة كالإضرابات والحرائق والمنازعات المختلفة، أو الوجود اليومي للنساء والرجال واختلاف الأعمال وتضارب المصالح لا تفلت من سجلها.

في الجريدة تجد حولها ثلة من النساء العاميات المسرحات من أعمالهن أو اللواتي يعانين في المحاكم من قضاياهن والتأخر فيها أو سوء الأحكام ومشكلات العنف الأسري الموجه للإناث.

بروين نصرالله قلم نسائي لم يتكرر، فهذا الحضور اليومي في مختلف أوجه حياة الشارع، ونقلها بسرعة وعبر مختلف وجهات النظر من دون أن تضيع الخيط الدقيق وتميع القضايا وتتحول الضحية كالجلاد وجود لم يتكرر.

اللباس الحداثي المتواضع والتقارب مع وجهات النظر الوطنية الديمقراطية تتلمسه في هذا الدفاع الوطني عن كل ضحية من أية مدينة أو قرية، سواء لرجال أو لنساء.

ومع هذا لم تخل حياتها المهنية من المنغصات والتحامل والتجاهل رغم تلك الملفات عن قضايا المرأة والناس.

هذا يعود الى ضعف دور النساء الصحفي والنقابي وعدم تكريسهن لتيار، ومن هنا يصعب وجود امرأة كاتبة بقامة نوال السعداوي أو فتحية العسال وغيرهما.

الجمعيات ذكورية والآراء ذكورية وتعكس مصالح السادة والإقطاع الأسري.

من هنا فالحضور النسائي في الفنون والآداب الجماهيرية معدوم، ولهذا تنزل فوق رؤوسنا هذه المسلسلات الرمضانية البائسة بقصصها المفتعلة التافهة وتصويرها الغث للنساء وقضاياهن وللرجال كذلك وحضورهم لا تقترب من مادة صحفية حتى فما بالك بمواد الأدب البحرينية والقصة العربية؟!

النساء في ظل الديكتاتورية الذكورية

الديمقراطيات في الشرق العربي الإسلامي تُعلن على عجل، وهي نتاج ظروف سياسية طارئة غالباً، وليستْ نتاج تطورات حضارية طويلة، وتُرفع فيها الشعارات البراقة والوعودُ بتحولات مستحيلة!

النخب الذكورية المنتمية الى القوى الاجتماعية المحافظة هي التي ترتفع وتسود، وبين هذه النُخب وبين النساء عداوة طويلة عميقة!

هذه النخب المحافظة الدينية أقلية ضئيلة في المجتمع ومع هذا تقف ضد النساء نصف المجتمع؟ فكيف تكون هنا ديمقراطية؟!

إذا كنتَ سوفَ تقفُ ضد أمك وأختك وزوجتك فكيف سوف تحقق حقوقَ من لا تعرفهم؟!

الدول تقول للنساء هذه هي فرصتكن للتعبير عن أنفسكن والإدلاء بأصواتكن!

كلامٌ سياسي مجردٌ يُطلقُ في الفضاء الفارغ السياسي!

كيف يمكن ذلك أيها المشرّع الحكيم؟! النساء خلال قرون حبسن في البيوت، وكرسن للولادات الكثيرة، وبين كل حمل وحمل أمراضٌ وتعب مرهق وانفصال عن المجتمع وتغذية للمواليد وتربية لهم، واهتمام بأعباء البيت وخاصة الطبخ وإدارة شئون البيت، والزواج فيه طلاق وإنفصال ونفقة تافهة وعيال ومدارة شؤون الزوج ومدى إنتمائه الى بيته ولعياله، أو هو أناني صاحب لهو وخروج دائم، أم هو مضح مهتم؟!

أنظر كيف ضعف اقتصاد بلدنا بحبس النساء وعدم اشتغالهن في الصناعة والسياحة وهما الميدانان الرئيسيان للعيش؟

والنساء موجهات الى الانفصال عن السياسة والثقافة والإنتاج، مكرسات للداخل البيتي، يفضل أن يكن أميات، وليتفرغ أغلبية الرجال لشؤونهم الخارجية وكلما تخلفت الوحدة الاجتماعية ازداد ضعف النساء!

وبعد هذا تأتي وتقول إن هناك مساواةً بين النساء والرجال في الانتخابات والفرص متاحة للجميع!

وحتى في هذه الفرص المتاحة للجميع والمساواة المجردة الشكلية، تشكلتْ الجماعات السياسية على هيمنة ذكورية ولا يقوم الساسةُ الأعضاء بجلب نسائهم أو بناتهم لهذه التجمعات، ولا يقومون بتعريفهم على هذه الفاعليات، وإذا حدث أن جُلبن للفاعليات الاجتماعية انفصلت النساء عن الذكور، وعدن الى عدم الاختلاط وعدم معرفة ما يجري في المجتمع والصمت وتلقي الأوامر!

الرعب من الاختلاط ليس مسألة شيخ محافظ يفتي بمنعهِ وقتل من يدعو إليه، بل هي مسألةُ خوفٍ ذكوري عام، ودكتاتورية ذكورية لا تطور النساء في البيوت ولا تتحمل الأعباء المنزلية سواءً بسواء مع النساء، وتحرض الأولاد على أخواتهن، وتراقب ما يقرأن واتصالاتهن وتقطع ألسنتهن فكيف بعد ذلك يستطعن أن يشكلن أصواتا سياسية تتفجر بين الجمهور العام؟

والأخطر من كونهِ تخلفاً اجتماعياً هو تخلف سياسي بالدرجة الأولى، وهو تركٌ للأمم الأخرى تغزونا في عقرِ دارنا، وتلتهمُ الوظائفَ من رجالنا ونسائنا، وتخطفُ المصيرَ من أمتنِا، لتغدو هذه الأمم الآسيوية سيدةَ بلداننا، وملتهمة الأعمال وحتى مواقف السيارات منا، بعد أن التهمت الأممُ الغربية ثرواتَنا، وما عادت السيطرة علينا مجزية، ثمينة لها، فتتركنا لهذه الأممِ التابعةِ بدرجةٍ ثانية أو ثالثة، توجهنا وتتحكم في ما بقي من ثرواتنا!

نضال النساء البحرينيات ضعيفٌ ومحدود

كان أساس نضال النساء ضعيفاً في فترة المجتمع التقليدي مجتمع الغوص والزراعة، بسبب سيطرة العمل الذكوري على الإنتاج الرئيسي، وحين يغيب الرجال كان العمل النسائي يزدهر كبدل لغائب.

تدهور الحريات كان يؤثر على العاملين والنساء بدرجة خاصة.

أدت فترةُ الغياب الديمقراطي السياسي إلى مضاعفاتٍ على القوى الشعبية التي تعاني أكثر من غيرها وهي العمال والنساء، فانتشرتْ التفسيراتُ المحافظةُ الشموليةُ للإسلام، فتراجعتْ مستوياتُ الجماعاتِ النسائية وقبلتْ بالعديدِ مما كانت ترفضهُ سابقاً من علاقات زوجية واجتماعية وفكرية.

وكان هذا مرتبطاً بالحقبة النفطية وزيادة مداخيل الرجال الذين استغلوا أكثرها في المتع فعبرت الحركاتُ الدينية عن هذا الاتجاه المتصاعد. كان بروزُ الحركاتِ الدينيةِ ذا جانبين متعارضين، فهو يؤدي إلى حراكٍ سياسي افتقده المجتمعُ بسببِ القوانين المعرقلةِ للحريات، ولكنه في ذات الوقت يعيدُ المجتمعَ من حيث الوعي السياسي إلى الوراء، فيحدثُ تدهور سياسي من خلال آراءٍ محافظةٍ متخلفةٍ على أصعدةٍ مختلفة.

لقد انضمت نساءٌ كثيراتٌ إلى هذا الحراكِ السياسي الديني، الذي كان الشكلُ الوحيدُ من الوجود الاجتماعي في زمنِ قانونِ أمن الدولة، لقد برز هذا الوعي المتخلف وقسم الشعب وعرقل تطور النساء وأعاد مسائلَ سياسية واجتماعية تعودُ إلى العقود الأولى من القرن العشرين في البلد. هذا كان تعبيراً عن أن التراكمات الديمقراطيةَ التحديثيةَ المضروبة لم تستطعْ أن تنمو عبر قوى سياسية ذات حضور جماهيري.

لقد اكتشفَ العمالُ والنساءُ خاصة هذا التناقض على الأرض الاجتماعية السياسية. هذا التناقضُ يجعلُ من النساء، وهم هنا بؤرةُ القضيةِ، قوةَ تصويت لا غير، أي قوة دفع للمرشحين الرجال المحافظين، الذين لن يناضلوا من أجل قضاياهن. وهكذا فحين تحقق الحضورُ الديني المذهبي السياسي في المؤسسات المُنتخبة، لم تُطرح قضايا النساء وحقوقهن بل تصاعدت القيود.

لقد اتخذ القوسُ المذهبي السياسي الاجتماعي دائرةً ضمتْ قوى خضعتْ للوعي المحافظِ السياسي وأجندتهِ في العديدِ من الدوائر الاجتماعية، فركزت على الصراع السياسي المجرد، وهو صراعُ نخبٍ ذكوريةٍ يمينية للوصولِ إلى المناصب السياسية والهيمنة على الجمهور لطرحِ مشروعٍ مذهبي تقسيمي للشعب، وبالتالي للعمال والنساء.

لكن هذا لم يتحول إلى ثورة نسائية وراح الدينيون يتلاعبون بمصائر الشعب والنساء والعمال!

إن سيطرة الاتجاهات المحافظة على النساء وعلى أحوالِ الأسرةِ هي الاتجاه الغالب عبر التاريخ الديني الإسلامي بعد أن تركَ رجالُ الدينِ الصراعَ مع الحكومات، وتخصصوا في الهيمنةِ على النساءِ وإطفاء العقول الحرة للعرب. ويغدو تحررُ النساءِ في تصورهِم هدماً للعائلة، وليس تطويراً لها من الظلماتِ الاجتماعية ولضرورةِ مراقبة أنانيات الرجال لبناء عائلة سليمة حقاً. وليس قانون للأحوال الشخصية هو المهم بل تصاعد نضالية النساء في الشارع والمنظمات والنقابات لتشكيل قوة نسائية ديمقراطية تشكم الدكتاتوريات الذكورية المختلفة.

الأشكال النسائية التنظيمية ليست نشطة بالقدر الكافي وتحتاج أن تقوم بأدوار أكثر جدية.

النساءُ والسياحةُ

أبعدت الحركاتُ الدينية النساءَ عن كل مصادر التفتح والازدهار والعيش المنتج، لتضمن السيطرة عليهن وتخلفهن وإنتاجهن لعوالم العبودية والتخلف.

من أهم مصادر العيش في بلدنا السياحة، وهي عمل أقل صعوبة من الصناعة ويمكن العمل فيها بسهولة نسبياً.

النساء المسيطر عليهن قبلن بهذه العبودية للحركات الدينية نظراً للكسل وعدم القدرة على تغيير العادات البالية والنشاط المنتج!

وفي البلدان المتحررة نفضن هذه السيطرة منذ قرون وعقود وشمرن سواعدهن للعمل في المصانع والفنادق والجيوش والمناجم!

ولهذا فإن الرذائل تظهر من التخلف والبطالة والعمل المنزلي المغلق، فيما الفضائل تظهر من العمل ومجابهة العالم والتصدي للشرور والرذائل.

السياحة كبيرة جداً في البلد وميدان رزق عظيم أخلي سبيله للأجانب والأجنبيات!

في بلدان عربية كبيرة مثل لبنان ومصر وتونس والمغرب تعتبر النقابات الفندقية من أقوى النقابات والتي تضم الرجال والنساء بحشود هائلة!

قال أمثالهم في زمنهم المسيطر الغابر المعتم إن خروج النساء للعمل كارثة للأسرة الشرقية الحصينة بتخلف المطبخ، وإن اشتغالهن في الفنادق عورة ودمار للأخلاق، فما تدمرت الأخلاق بل ازدادت قوة وتحولت النساء إلى تيار نهضوي وعضد مساند للأسرة وحصن للفضيلة!

لا يسلم الشرفُ الرفيعُ من الأذى حتى يتحصن بالوعي والانتاج والعمل، وليس بالسيف والدم!

في بلدنا تحرر النساء وعملهن شرط للحرية الوطنية تصاعد الأخلاق وتحجيم الأجانب، وعكس ذلك سيطرات أجنبية وضعف للاقتصاد العام والاقتصاد المنزلي!

وقد توجهت الحركات النسائية الهزيلة المشغولة بالثرثرة نحو ثقافة الصالونات وأنشطة الأزياء وليس لدرس أوضاع النساء وتحريرهن من العبوديات المختلفة المتخلفة!

كان يُفترض أن تعبر أجندتها عن تحطيم الخرافات المقيدة للنساء في البيت والعمل وإطلاق سراحهن بعد هذا الإرتهان الطويل.

سقوطُ دكتاتوريةِ الرجال!

كانت الحشودُ الرجاليةُ والنسائية تمشي معاً لتحرير البلدان العربية من الاستعمار، ثم انفردَ الرجالُ بالسلطة، وأعادوا (الحريمَ) إلى البيوت!

الجميعُ كان يردد: (يسقط الاستعمار)، والاستعمارُ نفسهُ ساعدَ بعضَ الشيء النساءَ للتحرر من عبودية الرجال! ولم ترفعْ النساءُ مع شعارِ يسقط الاستعمار شعار يسقطُ حكمُ الرجالِ الدكتاتوري كذلك، لأن وعيهن كان محدوداً تابعاً للذكور، فضاعتْ الفرصةُ منهن لتشكيلِ مجتمعٍ متقدم يتصدى بشكلٍ جذري ودائم للاستعمار وليس مثل هذه المجتمعات العربية الذكورية التي كرستْ نضالَها في السيطرةِ على النساء والانحناء للاستعمارِ بمختلفِ أشكالهِ القديمة والجديدة!

وجاءت الحركاتُ النهضوية التحديثية لتساعدَ النساءَ على بعضِ أشكال التقدم، لكنها لم تخضْ المعركة إلى نهايتها، وغازلتْ الجماعاتِ الدينيةَ والسياسية المحافظة، فتدهورت هي الأخرى عن تحديثيتها القشوريةِ وصار الرجالُ فيها كما كان الرجال في الخيام قادةَ إماء وعبيدا!

قادتنا شعاراتُ الدينيين الملتهمين لقشور للدينِ ومطامع الدنيا، إلى توسعِ كلِ أشكالِ استعباد المسلمين، ولم يبقَ شعبٌ في الدنيا لم يطمعْ فينا، ولم يَدخلْ بحميرهِ في بلداننا.

هم ذكورٌ متخلفون مرعوبون من الجنسِ والحريمِ زادونا استعمارا وضعةً للنساء وقيادتهن لما هو غير الفضيلة والمساواة والقوة والشموخ والتفتح والشجاعة، إلى العالم الباطن، عالم الظلال.

جعلوا كلَ شعوبِ الأرض تأتي إلينا لتشتغل، وتلتهم أرزاقَ نسائنا، وليظللن هن في الغرفِ الخلفية، يشتغلنَ بغزلِ خيوطِ الخراف، وتربية الأطفال المتخلفين المدللين المشاغبين الكسالى!

جعلوا نساءَ العالم تأتي لتخطف لقمةَ العيش من أفواهِ نسائنا، وزعموا إن هذا هو الدين!

لم تعد ثمة أمة لا تستعمر جزءًا فينا، ولا تستولي على دخل منا، من أقصى الشرق مروراً بمجاهل إفريقيا السوداء إلى قوى المحيط الأطلسي.

لم تفطن حشودُ النساء إلى سقوط عوالم الدكتاتوريات في العالم، وهي عوالم الدكتاتوريات السياسية الذكورية، كالاشتراكية الحكومية البوليسية، والدول الدينية التي ألبستْ شهوات الرجال ملابسَ الدين والحكم، والدول الغربية التي حولتْ النساءَ إلى دمى تجارية وأدوات للبيع الجنسي في المتاجر وأجهزة البث الفضائي والأشرطة السوداء!

لم تفطن أغلبيةَ النساء إلى ثوراتِ الديمقراطية والحرية التي تعصفُ بالعالم، متشبثةً بهياكلها السوداء وأكياس تعبئة المصانع الذكورية التي تدبغُها وتجمعُ أجزاءَها ثم تغطيها وتعلبها وتصدرها منزوعةَ الجرأة مخيطةَ اللسانِ مرعوبة الجنان.

ليس لها صوت في البيت ولا صوت في الانتخابات، وبعد فهي لا تزال تؤمنُ بتفوق الدماغ الذكوري، رغم أن الأبحاث العلمية أكدت أنه لا يختلف عن أدمغة النساء، وأزالت المصانع والتقنيات عضلات الرجال وجعلتهما – المرأة والرجل – الديمقراطيةُ الحديثةُ متساويين أمام القانون في أغلب الدول التي تحترم الكائن المُسّمى (إنسان) وهو مصطلحٌ للرجل والمرأة، فلا يوجد مصطلحٌ يُسمى (إنسانة)، وأكرمتها اللغةُ العربيةُ بميزةٍ خاصة وأعطتها نونَ النسوةِ تشريفاً لها.

وأضافت دكتاتوريةُ الرجالِ لدينا مشكلاتٍ كارثيةً أخرى مثل غزو الأجانب لنا في الأعمال بينما النساء الوطنيات يتفرجن على المسلسلات في البيوت أو يسمعن الأغاني المبتذلة!

وقد حولوا نساءنا إلى كائناتٍ من ورقٍ شفاف، لا تصمد لنسمات الحداثة، أو للعمل الفندقي أو العمل في المصانع، تعبيراً عن زمن الإماء والحريم الذي انتهى كونياً، وكونها قاصرةً لا تستطيع أن تدافع عن نفسها بقوة واقتدار!

تدهورُ مكانةِ النساء

لم تصور الملاحم والآداب وتواريخ الشعوب تدهورَ مكانة النساء بصور واضحة، بل عبر القصص والأساطير والحكايات الغريبة التي لن يجد فيها القراءُ المعاصرون أية علاقة بين حرمان النساء من الإرث الكامل والحق في اختيار الزوج وبين الموروث الفكري الديني.

بدأت قصصُ انهيار مكانة النساء في التحول منذ العصور الحضارية الأولى، حين عرف الناسُ المدنَ والكتابة، وقويت شوكات الرجال الحكام والعاملين ولهذا فإن اسطورة جلجامش الباحث عن عشب الخلود تبدو لا صلة لها بهذا التدهور لكنها ترميز حقيقي تاريخي أسطوري لهذا.

(ابتهل سكان أورك للآلهة بأن تجد لهم مخرجا من ظلم جلجامش فاستجابت الآلهة وقامت إحدى الإلهات، واسمها أرورو، بخلق رجل حي كان الشعر الكثيف يغطي جسده ويعيش في البرية يأكل الأعشاب ويشرب الماء مع الحيوانات).

تجسد الاساطير واقعَ الانسان التاريخي عبر النماذج المبهرة، ذوات الأعمال العظيمة، ولهذا فإن جلجامش ملك المدينة المتطورة نقيض لأنكيدو المتوحش العائش في البراري والغابات.

وهذا تمثلٌ لتناقض المجتمع الحضاري الأول بين المدن والبداوة ومناطق الزراع الغابية المتخلفة، ولهذا نجد أنكيدو مجرد كادح يحاول تخليص الوحوش من شباك الصيادين، وهذه المهنة لم تترك له فرصة لكي يتمدن، ولهذا فإن جلجامش يجلب القروي الغابي المتخلف لدائرة تمدنه عبر إغراقه بالمتع والبذخ والشهوات.

والتناقض بين المدينة والقرية، بين الارستقراطية الحاكمة الوليدة ومنتجي الغابات والمزارع، كان هو التناقض الأول في الخريطة الاجتماعية، رغم هذا المظهر الفردي الملتبس.

وكعادة الحكام المعاصرين (يحاول جلجامش دائما القيام بأعمال عظيمة ليبقى اسمه خالدا؛ فيقرر في يوم من الأيام الذهاب إلى غابة من أشجار الأرز؛ فيقطع جميع أشجارها، وليحقق هذا عليه القضاء على حارس الغابة).

كما أن غابة الأرز تربة للعاملين الزراعيين ولكنها كذلك رمز للنساء، حيث الآلهة الأنثوية تسود فيها وتحميها، وهكذا كان تقدم الذكورة الحاكمة يأتي على أنقاض الكائنات الأنثوية المختلفة.

إن قضاءه على الغابة واشتباكه بالآلهة النساء هو طريق لما يمكن أن يُسمى الآلهة الذكورية المطلقة، حيث هنا لا تنوع ولا تعدد كائنات ذات سلطة كبرى، ولهذا فإخضاع جلجامش للغابة ومنتجيها يترافق مع تكونه كإلهٍ مطلق وحيد.

ولكن الاسطورة الإبداعية الخالدة في التراث الرافدي البشري ليست فكراً بل هي لمحات قصصية درامية لم يكتمل فيها نموذجُ الإنسان الإله، فالخلود المطلق لا يقدر عليه جلجامش وتخطفه منه (الحية). التي هي كائنٌ أنثوي مؤكدة أن عناصر الأنوثة لم تزل قوية حية في المجتمعات التي لم تستسلم كلياً لهيمنة الذكورة.

صراع الألوهة هو صور دينية وثقافية لتطور المجتمعات، هي إشارات لما جرى من أوضاع جنسية اجتماعية، ولهذا فإن (اللات والعزى ومناة) تُكتسح من المسرح الثقافي الديني العربي، والساحرات تُدمرُ الدور التي يقمن فيها بطبخ التعاويذ والسيطرة السحرية على الوعي.

إن الواقع العملي حيث القوة الرجولية هي صانعة النظام تظهر في هذه الآلاف من السنين المبكرة وتغدو الجزيرة العربية خاصة مركزاً للذكورية حيث الاعتماد المطلق على القوة، فيما أن شمال الجزيرة العربية في الشام خاصة بقيت بقايا الحياة المهمة للنساء، الحياة الزراعية التي يشاركن فيها، وقد عكس نشوء الدينين المسيحي والإسلامي بعض هذه الاختلافات في الوظائف المختلفة بين الإناث والذكور.

الملابس والحرية

ينطلق بعض الشباب في مواجهة الموجات المحافظة ويعارضونها بقوة وحدة، ومن دون امتلاك أدوات البحث العميق. يناقش أحد هؤلاء الأستاذ أحمد عرار هذه الموجة في كل مجال بنشاط كبير، ولكن أدوات المعرفة والتحليل تقصر هنا، يقول حول موضوع الحجاب ما يلي:

“ارتبط الحجاب عبر تاريخه بالنمط السياسي للحكم، فما يسمى بأهل الحل والعقد أو مجلس الشورى في الحكومات الإسلامية السابقة هم من كانوا يسنون القوانين وفق تصوراتهم واجتهاداتهم ويفرضونها على المجتمع، هذه الاجتهادات والتصورات التي لم تكن محل إجماع في أي عصر من العصور، إلا أن الاجتهاد الاصوب والأحق في الاتباع هو للحزب الأكثر غلبة وقوة دائماً حتى ولو كانت حجته وبرهانه ضعيفين، لان العبرة هي بما يحققه الاجتهاد من مصالح سياسية وليس بما يقترب أو يبتعد عن النص القرآني”، (أحمد عرار، موقع نسوي، مدونة خاصة بالفكر النسوي).

لم يرتبط الحجاب بنمط الحكم ولا بأهل الحل والعقد، وتوجد هناك آيتان في القرآن حول الحجاب تعلقتا بنساء النبي صلى الله عليه وسلم، فرضتْ الحجابَ عليهن، بسبب ان مركز حكمه عليه السلام كان بسيطاً متواضعاً، وفيه نساؤه، وكان المسلمون يكثرون القدوم إليه، مما يسبب مشكلات للنساء فيه، ولحرمة النبي صلى الله عليه وسلم ومكانته ومكانة نسائه قننت الآيتان ذلك.

وقد عرفت نساء الشرق خاصةً الأحجبةَ المختلفةَ، التي تـُوضع على الرأس وتغطي الشعر، لأسباب اجتماعية ودينية كثيرة ومعقدة، الأبرزُ فيها ان ذلك جرى بسبب تطور الملابس عامة في الأقاليم الحارة، وظروف الأعمال الحرفية المختلفة، وأوضاع البيوت المحدودة والخيام ووجود التجمعات الكبيرة، والأحجبة لم تقتصر على النساء بل استعملها الرجال كذلك، خاصة في الصحراء والمشاكل التي يسببها الغبار والضوء الحاد وغيرهما من العوامل الطبيعية.

وكانت النساء قد تفاعلن مع الحدث الإسلامي وشاركن فيه منذ جذوره الأولى، وتصاعد دورهن خاصة في زمن الهجرة، حيث توافرت ظروفٌ مختلفة للنساء بين مهاجرات وأنصاريات، وبين مشاركات في القيادة النبوية والراشدة وبين عاديات، وبين مناضلات على رؤوس الجيوش وبين العاملات في البيوت.

وهذا كله أدى إلى تفاعلهن مع الأحداث ومع لغة القرآن وعمليات استفساراتهن لعبت دوراً في تصعيد المجرى النضالي المشترك وقتذاك، وتأسيس دولة شعبية ذات قرارات ديمقراطية في تلك الظروف الأولية.

أما تعميم الحجاب على النساء بشكل ديني، فهو أمر سياسي تشكل مع انهيار الدولة الشعبية تلك، وظهور الارستقراطية الحاكمة، ومعها الرجال البارزون المسيطرون على المنافع الكبرى وبسبب تدفق الجواري والإماء مع حروب الفتوح عليهم، وهم الذين وسعوا القيود على النساء، وفسروا الآيات القرآنية كما يهوون.

وكانت الكثير من الأحكام التأسيسية في الزمن الأول مرتبطة بضرورات تشكيل الدولة الأولى وظروفها الصراعية مع قوى كثيرة حولها وداخلها، وتصعيدها لهدف بناء المجتمع الحر والمتطور، وعلى ذلك نقيس العديد من تلك الأحكام. فهل يؤدي أي حكم إلى تطور جماعة العرب والمسلمين تطورا تحديثيا كما جرى أم أنه يؤدي إلى منافع فئة خاصة وتخلف المجتمع بشكل عام؟

وصحيح القول: إن الحزب الذكوري كان هو الأقوى، وقد برز في الحكم السياسي العام، وفي السيطرة على البيوت، والتحكم في طبيعة التربية، جاعلاً أنانياته وتخلفه محل تضحيات السلف، وهي التي أدت إلى تدهور المجتمعات الإسلامية وتخلفها الاقتصادي وسيرورتها مادة لسيطرة المجتمعات المتقدمة المتوسعة.

أما أن يكون الحجاب (غطاء الرأس) نتيجة للتطورات السياسية في إيران والسعودية، فقد كان من الإيجابي مشاركة النساء بتوسع في الأحداث التحولية الحديثة، وكانت جذور هذه الموجات هذه بدوية وقروية، وهذا هو الشائع من اللباس فيها لأسباب اجتماعية، أما نساء المدن في زمن التغييرات التحديثية الليبرالية، فكن زوجات تجار كبار ومتعلمات ذهبن للجامعات، فأعطى مستوى الحركة لباساً مختلفاً للقيادة فحسب، أما النساء العاديات فظللن في ملابسهن البسيطة المخاطة في الحواري بأثمانها الرخيصة.

إن اللباس لا علاقة له بالعقل وبالرؤى الفكرية والمواقف السياسية. وحركة الحداثة للنساء والرجال مرتبطة بالصناعات الثقيلة والخفيفة، ومستويات تغلغلها في البُنى الاجتماعية، ومدى جذبها للسكان ومستويات تطورها، فذلك يغير طبيعة الثقافة عبر ملاءمتها لهذا الإنتاج وتكييفها للتقاليد المتعلقة بكل شعب، وثيابه وطبيعة خصوصياته.

واللباس الغربي يظل مرتبطاً بإنتاج آخر في ظروف مغايرة، ونحن نقوم بالتحديث غير العميق حتى الآن، ومن سوف يصنع ويغير البُنى الاقتصادية سوف يفصل ملابسنا الخاصة، وأزياءنا، وسوف تفرض القوى المسيطرة التصنيعية طبيعة هذه الملابس، وتعربُ الحشودَ من الأزياء والكرنفال الجامع لملابس العصور الوسطى والحداثة الغربية المعتدلة والمتطرفة والأزياء الهندية وغيرها، وهذا رهن بتطور صناعة الملابس العربية كذلك ومواقف النساء من كل هذا، ومدى ملاءمتها للعمل والحياة.

قوانين متدرجة للأسرة

لا شك أن النساء يقع عليهن الظلم الأكبر في العلاقات الأسرية، فحرياتُ الذكور واسعة، وكلما قام المشرعُ بتقنين وضبطِ هذه الحريات والتقارب مع وضع النساء، كان أدعى هذا لإنتاج أسر أكثر عصرية وديمقراطية.

وكان سبق الشق السني من قانون الأسرة يعود في تصوري إلى كون المذاهب السنية ذات تعددية وتنوع، وكانت يجرى إنتاجها في المدن، فأخذت باجتهادات متعددة، ولم تعان الحصار من قبل الدول فهي ذاتها كانت تشارك الدول في السيادة الفقهية إن لم ترتفع إلى السيادة السياسية.

لكن لا يعني ذلك أنها أعطتْ النساءَ كل الحقوق، فمن قام بصياغة القوانين الوضعية الدينية هم شيوخ الدين الذكور المتعاونون مع الحكومات خلال القرون السابقة.

وهو الوضع المقلوب الذي نتج مع زوال الخلافة الراشدة ومجيء دول الأسر المتحكمة في الثروات والعباد، رجالاً ونساءً، وهو أمرٌ يجعل تلك الأحكام محل نقاش.

ولهذا كلما حاولتْ القوانينُ الوضعية المذهبية الجديدة المقاربة مع وعي المساواة الإسلامي العميق، وحرصت على توحيد المسلمين، وضيقت الهوة بين الرجال والنساء، وقللت من شهوات الرجال واستبدادهم، وجعلت النساء أكثر حرصاً على الأسرة المتوحدة وأكثر عناية بتطوير أطفالهن، كان ذلك أدعى وأقوى في إنشاء أسر أكثر قوة أمام تحديات الحياة المختلفة.

ومن هنا فإذا كان الشقُ السني أسرع في القدوم للتشريع فهذا بسببِ ما كان من تحررية لهذه المذاهب، ومن تخفيف السيطرة على اتباعها، في ظلِ وجودِ دولٍ مهيمنة فيها، في حين كان الأمرُ مختلفاً في المذاهب الأخرى الأقل عدداً من أهل السنة، التي كانت مُحاصرة غالباً أو حتى مضطـهدة ووجدت في التمسك الشرعي الفقهي، خاصة في أمور الأسرة والأحوال الشخصية، باباً يمنعُ من تحللِها أو من السيطرة عليها.

وعموماً كانت المحافظة سيدة الأحكام في المذاهب الدينية جميعاً التي راعت الحكام والذكور المسيطرين، أكثر من العدل بين الجنسين.

وكان ذلك في زمن مختلف، في ظروف كانت الأممُ الإسلامية فيها مسيطرة على ظروفها وبلدانها، وقامت تلك الأحكامُ الأسرية المحافظة بإضعافِ دول المسلمين أمام الغزوات الأجنبية، وتم اختراقِها والسيطرة عليها، لما سببتهُ تلك الأحكام من ضعف الأسر الإسلامية وكثرة أعداد أطفالها وغلبة اللامسئولية في هذا الصدد، وتم تحميل النساء أعباء البيوت وإنتاج الأطفال الأميين غالباً أو الأميين الثقافيين حاليا، وتقييدهن في هذه الأوضاع فيما كانت أغلبية الرجال تفعلُ ما تريد وتكثر من النسل بلا تخطيط، مع غياب المؤسسات التربوية والديمقراطية الراصدة للخلل في ذلك.

ومن هنا تتباين ظروف المسلمين من بلد إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى في البلد الواحد، وهذا يتطلب من المشرع مراعاة هذه الظروف كلها، وعدم التسرع في إصدارها وضرورة المرونة في تطبيقها.

فبين مدينة وقرية ثمة تباين وبين مذهب وآخر هناك اختلافات، فأهل المدن أقل تشدداً في مثل هذه المسائل، بينما أهل البادية متشددون عموماً، ويغدو القانون العصري المتعلق بالأحوال الشخصية قارئاً قراءة عميقة لهذه التلاوين.

ولهذا فإن المشرع الفقهي الحديث هو قائد سياسي ويغدو رديفه القاضي على مثل هذه الدرجة من الرؤية الثاقبة المسؤولة، فمن خلالهما يمكن للعائلات أن تتطور أو تتهدم وهي مسئولية بالغة الحساسية والخطورة.

وإيجاد العدالة يكمن ليس في النصوص وحدها بل في التطبيق.

والهدف الأساسي للأحكام ليس التحلل أو تأسيس العائلات المتفسخة بل تقليل التفسخ الراهن الذي سببتهُ سيطرات حادة وأنانياتٌ لا ترى بالعين المجردة لكن تـُرى في أروقة المحاكم وفوضى الأطفال والمراهقين في الشوارع.

يُفترض من المشرعين في مختلف المذاهب أن تكون وحدة المسلمين وتقدمهم هي الأهداف التي تحركهم جميعاً، فمهما تكن درجاتُ الاختلاف والسرعة في هضم مسائل الحرية والألتزام الأخلاقي الأسري بينهم ومهما يكن التعبير عن مصالح مذاهبهم واستقلالها لكن لا يجوز استقلالهم عن مصالح العرب والمسلمين العليا ووحدة أوطانهم وتقدمها، بحيث يكونون مسئولين عن سلامة أجيال لا تتشرد وأسر لا تتفكك وعلاقات أسرية عقلانية وفيها مساواة.

ولا شك أن جهود الجماعات النسائية مهمة في دعم ومراقبة تلك الجهود الفقهية والقضائية، عبر رصد الحالات والقضايا المطروحة والأحكام وتصويب ذلك بما يخدم العدالة للنساء والتآزر في الأسر والتوحد في الوطن والتطور فيه، ولابد من إجراء الحوارات مع الفقهاء والقضاة، وإقامة منبر صحفي يتابعُ ويرصد ويقومُ ذلك، وهذا كله يقود لتراكم قانوني يظل محدوداً وصعباً بسبب قدم العلاقات الأسرية ومشكلاتها وتعقد أحوالها بين مذهبي جامد وسياسي متنازع ومصالح متباينة للجماعات وللرجال والنساء، لكن هذا التراكم هو الذي يمثل التقدم المرجو من دون الانقطاع عن التراث بل من خلال رؤيته العميقة وليست الشكلانية الخارجية.

 النبوة وعظمة المرأة

عبّر تاريخ الإسلام التأسيسي عن العلاقات الريادية العظيمة بين الجنسين، جنس الذكور والإناث.

في لحظاتِ الحدس والتبصر بتشكيلِ الثورة الإسلامية اجتمعت ثلاثُ شخصياتٍ مكونة أولَ خليةٍ لتفجير تلك الثورة في ظروفِ العسرِ والتخلف، الشخصية الأولى هي شخصية نبي الإسلام قائد تلك الثورة، والثانية هي ورقة بن نوفل، والثالثة هي السيدة خديجة.

النبي الشاب هو متلقٍ ومستمعٍ ومدعومٍ من تلك الشخصيتين، ورقة يقدمُ معلومات وأرشيفاً لما أحدثهُ الأنبياءُ السابقون من تغيير لمجتمعاتهم، وخديجة تقدمُ الاشتراكَ المالي والدعم الاقتصادي.

لا شك أن السيدة خديجة هي مجمعة الجانبين، ورقة والنبي، وصانعة لتلاقحهما الفكري، الذي لعبَ دورَ المفجر للعملية التاريخية الهائلة فيما بعد للجزيرة العربية والمنطقة والعالم.

كان ثمة فارقٌ كبيرٌ في العمر بين خديجة والنبي، وقد عرضت السيدة الثرية إقتراحاً على النبي بأن يتزوجها، ضاربة العلاقات المالية والاجتماعية عرض الحائط، في خطوة غريبة تسبقُ الزمانَ والمكان!

لماذا لم يقمْ نبي الإسلام بالأعراض عن مثل هذه المرأة الكهلة، هل كان طامعاً في مالها؟

هل كان عارفاً بشكل إستباقي لفقر دعوته وضرورة المال لها؟

لم يكن ذلك كله، بل كان يتوجه لكشف وتطوير العناصر الإيجابية الفاعلة في كلا الشخصيتين، في ورقة تحريك معرفته وسجلاته عن تارخ الأديان – الثورات السابقة، ومع خديجة كان ثمة جوانب أكبر شخصية وعامة متداخلة بشكلٍ حميم؛ وأهمها تطوير الرسالة المشتركة لكلا الشخصيتين: تفجير الثورة في بلاد العرب الغافية المتخلفة!

تم إلغاء الفوارق العمرية والجنسية والمالية، لم يعدْ مهماً أن تكون شاباً فقيراً فتياً، أو إمرأة متزوجة سابقاً وذات عيال، في هذه اللحظة النضالية العليا الخادمة للأمة والناس والتاريخ وكان المهم هو تشكيل هذه الخلية القائدة التي تجري فيها المساواة بين الرجل والمرأة، ومن ثم تجابه عالم التفكك والتبعية باقتدار وأنتصار.

إذا حاولنا أن ننظر بمنظار غير ذكوري متجمد سنجد أنها تجربة فريدة في تاريخ الثورات، فحتى في عصرنا الراهن كان وجود النساء في المكاتب السياسية الحزبية القائدة للتحولات معدوماً، ومُنكـَّراً ومرفوضاً، وكانت حتى عشيقات القادة والأمناء العامين للأحزاب متواريات، وملغيات من تاريخهم، وكأن ليس ثمة دور للنساء قيادي ورمزي!

لكن في تاريخ الثورة الإسلامية التأسيسية سيبقى مكان السيدة خديجة محفوظاً ومقدراً. في تلك الظروف من البداوة والذكورية الساحقة!

فيما بعد سيدلي نبيُّ الإسلام بشهادتهِ الموضوعية عنها، وفي لحظةٍ من سيادته السياسية والفكرية وبعد أن رحلت تلك الزوجة: بأنها دعمته إذا تخلى الناس وحتى الأهل عنه، وأنها أطاعته وأحبته وآمنت به الخ..

وحين كان يحدث ذلك الإنكار والتخلي من أقرب المقربين للمثل العليا المطروحة، وتقوم امرأة غنية بتوزيع ونثر أموالها على زوجها المحاصر المجاهد الفقير، فأية مكانة؟

ويضيف نبي الإسلام في شهادته حين غيب الثرى السيدة خديجة، ولم يعد طامعاً لا في مالها ولا في شد أزره، بأنها كانت الولودُ من بينِ كلِ نسائه!

 ليس هذا تعييراً للنساء بأنه لم يكن ولودات فبعض زوجاته أنجبن، ولكن دلالة المسألة هنا بأنها كانت ولودة مشغولة بالحمل والرضاع والتنشئة، وكذلك لم تفارق مهمات الحركة النضالية من دعم مالي ومن مساندة نفسية ومن دعوة، فجمعت أعباءً ثقيلة وهي في كل هذا العمر المتقدم، وأحسنت تنشئة أبنائها وكذلك الصبي، الإمام فيما بعد، علي بن أبي طالب الذي كان له بعد ذلك التاريخ المعروف في الإسلام، وأبنتها السيدة فاطمة ومن سلالتها كان نضال الأئمة.

ولهذا فإن عملية التصغير من المرأة ومن مكانتها هي جزء من التاريخ الاجتماعي التالي، حين هيمنت القوى الاستغلالية ورفعت أشكالاً وأعراضاً من الإسلام، مفرغة من ذلك المضمون، إستناداً لسيطرتيها الذكورية والحكومية الاستغلاليتين.

وبهذا فإن علاقة نبي الإسلام بالمرأة نموذجية، وهي التي يجب أن نراها في عمليات التمثل والتقنين، وهي بهذا علاقة لم تقنن تشريعياً وقرآنياً لأسباب أن الحركة السياسية لها قوانين موضوعية لا بد من مراعاتها في كل مرحلة.

إن العلاقة الديمقراطية الإنسانية في العائلة المحمدية، لم تكن بقادرة على أن تصل للتشريع العام، فالدائرة العامة تخضع لمسارات مختلفة، بسبب حضور الرجال المكثف وسيطرتهم على الأوضاع، ولم تكن علاقة المساواة بين النبي والنساء، قادرة على أن تتحول إلى قانون في ظل ذلك التخلف العام.

وكانت قد عرضتْ المسيحية نموذجَها على العرب وحاولت إختراق نسيجهم القبلي الذكوري الجامد دون فائدة بسبب طرحها شكلاً للعائلة لم يكن العرب وقتذاك قادرين على إستيعابه!

وفيما بعد كرس المحافظون الجانب العام المرحلي، دون أن يراعوا النموذج المحمدي الأسري. وقد عبر القرآن عن علاقات الصراع بين النساء المجددات والرجال المحافظين الذين كانوا يريدون استمرار نموذج الجاهلية في الزواج ونتائجه، فتم الاعتراض عليه في ظل سيادتهم، وازدادت هذه السيادة مع الفتوح وسيطرة الأسر على أموال المسلمين!

وكانت السيدة خديجة نموذجاً شبه جاهز وطليعي في ذلك المجتمع، لكن ماذا نقول عن مثال السيدتين فاطمة وعائشة؟ لماذا فجر نبي الإسلام فيهما طاقات التحول، خاصة السيدة عائشة الزوجة الصغيرة من بين زوجات، لماذا صارت مرجعاً للشعر وتاريخ الإسلام والفقه؟

وفي تلك المهام الكبرى للنبي حصلت هذه الزوجة على كل هذه التطورات الفكرية ولم تـُعزل عن الثقافة والسياسة، ثم شاركت في صراعات سياسية كبرى، ومهما كانت إجتهاداتها التي كان للقادة الكبار رأي آخر فيها.

ثمة رافدان في نشأة الإسلام التأسيسي؛ رافد الديمقراطية الشعبية بما يحتوي على تشكيل دولة جمهورية ديمقراطية، وتعاون بين الرجال والنساء، وتوزيع الفائض المالي على الفقراء، وهو الرافد المؤسس الذي تجسد خلال نصف قرن، ومثل الرمزية الإسلامية الحقيقية الباقية، وهناك الرافد الآخر رافد الهيمنة الذكورية والإستغلالين الحكومي الأسري والخاص، والتوسع في السيطرة على النساء وإستغلالهن وإستغلال العامة، وقد وظف هذا الرافد بعض النصوص ليؤكد سيطرته الأبدية على النساء والناس معرضاً عن رمزية الأسرة المحمدية ودلالاتها وهي المؤسسة لذلك التاريخ!

المرأة ودكتاتور الأسرة

يريد أن يظل دكتاتوراً إلى الأبد يحكم الأسرة.

الرجل الشمولي، الأبُ القادرُ على كل شيء، زعيم البيت الوحيد، المتنفذ بالنسل والعطايا، يرفض كل الانتفاضات الزوجية التي تجري، والأحداث العنيفة، فدولته تعتمد على المليارات من الرجال في كل قارات التخلف والأبوية.

دولته مقدسة، جنسه أعلى، دمه مختلف، فهو له جسم قوي وعقل مسيطر.

تفوز البنات بمراكز التفوق الدراسي وتظهر صورهن في الجرائد، ونسل الرجل الذكوري لا يطلع إلا القليل منه، فالفتية الأشاوس مشغولون بالسهر في الشوارع وإيذاء المارة وإزعاج البيوت والناس النائمين والعاملين.

الأشاوس الذكور لا ينجحون كثيراً إلا بالغش والتنجيح الآلي، ثم يحصل بعضهم على وظائف، في حين تنزوي المتفوقات في البيوت يطبخن الأرز وينتظرن المتفوقين في الغش والسهر والرحلات وتضييع أموال الأسرة لتقديم الأغذية لهم.

تتفوق فتيات بالكتابة في الشعر والقصة والمسرح وتعدهن المدارس بالمكانة المرموقة في المجتمع والمراكز المهمة، رغم الصفعات التي حصلن عليها في البيوت بسبب ممارسة نشاط مخصص للذكور أساساً، والأكثر من ذلك تجري المطاردات والاعتقالات لهن لكونهن يقرأن كتباً خارجية، ويشاهدن أفلاماً علمية وثقافية.

وبعد هذا ينزوين في الغرف الداخلية ويحملن مراراً ويلدن بين الدم والموت والاجهاض، وتتباعد المسافات بين أحلامهن البريئة وقمم الحياة المضيئة، ولا يرين كيف انحشرن في دولايب الآلةِ الجهنميةِ لمصانع الذكورة الشاقة، التي تقوم بتطفيش النساء من المكاتب والمصانع والبنوك ومن الأحلام بالكتابة والفنون والتمثيل ومن المشاركة السياسية المستقلة.

وعليهن كذلك أن ينتجن ذكورة دكتاتورية في بيوتهن، فتتحول الشابة الوردة، ذات الأحلام بالحرية والحدائق البشرية، إلى رجلٍ تشبع بكل الصفعات والقمع والشوارب، وصارت تقمع ابنتها وتعلي ابنها ليواصل المعركة المقدسة للشرف الرفيع الذي لابد أن يشعل الحرائق حتى يبقى مزدهراً.

لماذا تحسدُ الأم ابنتها إذا صارت ممثلة أو كاتبة أو زعيمة؟

هي تقمعها منذ البداية حتى لا تصبح ذكراً، حتى لا تتشبه بالرجال، من دون أن تعي بأنها هي التي أصبحت رجلاً في حين إن ابنتها تريد أن تصبح امرأة!

الفتاة الشابة الحمامة إما أن تصبح لبؤةً وإما حذاءً، وهما خياران مرضيان.

(المرأة أم الرجال)، (المرأة – تكرمْ – نعال!).

تـُجبر أغلبية النساء على واقع العبودية، واقع الاستسلام للعالم الذكوري الدكتاتوري، من أجل ألا تتحطم أسرهن، ومن أجل ألا يضيع جهدهن في بناء هذه البيوت الهشة، المصنوعة من زجاج ومن طاعة عمياء، ومن تقسيم عمل شاق، ومن تخصصهن في أمراض السكر والقلب ومتابعة المسلسلات التي تغسل عقولهن من الطموح والشجاعة ومن الإبداع القديم الذي حلمن به حين كن حمامات يطرن في السماء المشعة وليس في الأقفاص التي تسمى بيوتاً.

لكن بعض النساء يتمرد على هذه الزنزانات ويستولي على السلطة ويحيل المنزل إلى سجن آخر، يحيل الأب الضعيف أو الودود إلى (مرة)، يحدث ذلك عبر استغلال ظروف وسمات جزئية عابرة، لكن لا تنشأ علاقات ديمقراطية أسرية مزدهرة، فالمرأة الدكتاتور ربما كانت أسوأ من الرجل الدكتاتور!

لأنها تخرجُ كلّ عقدِ فشلِها وقمعِها السابقة على المدعو زوجاً، فتحيلهُ إلى تابع، وتصير إرادته مسلوبة وشخصيته ممسوحة فتنتشرُ بين الأبناء جراثيم التسلط!

وتؤكد الأمثالُ العامية الماسخة الإيديولوجيا الذكورية التي تبرهن بهذه النماذج بأن الدكتاتورية هي مخصصة فقط للرجال، ولا يجوز للمرأة أن تمسك قيادة البيت.

وهناك الفئة المتخصصة في صنع هذه الزنزانات ثقافياً، من كهنة وسحرة وموظفين عموميين ومعلمين وكتابا فاشلين ومنجمين محالين على التقاعد والمنظمات الدينية المحافظة، فهي الحرس الكبير للسجن النسائي الواسع، تبرر أخطاء الرجال ورحلاتهم المشبوهة للبلدان البعيدة، وتضييعهم الأموال في الصالات والحانات والملاهي والصفقات.

ولا تستطيع طليعة النساء أن تفعل شيئاً في ذلك فهي تابعة للذكورية الدكتاتورية، فتدخل باب تحرير النساء من خلال نافذة الطاعة لأولي الأمر.

إنها لم تدرس الإسلام، وعاشت على الفتات الفكري الذي يقدمه الذكور المسيطرون أنفسهم.

هي تقبل بالفتات الذي يُقدم لها، ولا تكشف أو تنقد الممارسات الدينية المحافظة ضد النساء.

ولهذا فإن القول بأن المرأة داهية وحية وماكرة هو قول خرافي، بل النساء ساذجات عموماً، وتتم السيطرة عليهن بوسائل بسيطة، فهن لا يعرفن كيف يفهمن الإسلام، وحالهن مثل حال التنظيمات اليسارية والقومية وغيرها، ولهذا لا يعرفن كيف يقدمن برامج ديمقراطية إسلامية للتغيير، وكيف يتعاون ويكوّن قوى ضغط واسعة ولديهن كل الوسائل للقيام بذلك، أي إذا لم يخترقن الوسط الديني المحافظ ولم يؤثرن فيه، فإنهن ضائعات في متاهات السياسة.

إن المحافظين يعيشون في حالة جهل للمتغيرات الرهيبة الجارية وهم يناضلون فقط ضد الرذيلة، غير مدركين أن القضية تتجاوز هذه المسألة الضيقة، وإننا نواجه حالة تبخر وطني ونصير أشبه بالهنود الحمر، وعدم إيقاظهم سوف يحول النساء الوطنيات إلى كائنات منقرضة، بسبب هجوم العمالة النسائية الخارجية واكتساحها ميادين العمل، وبسبب جمود الذكورية الرجالية وغياب الديمقراطية الأسرية، ولهذا فإن الطليعة النسائية يجب أن تدرس كل هذه المسائل بعمق وتشكل لجاناً لقراءة ظروف النساء وتحررهن في التراث والحداثة وتوجد شبكات من التأثير النسائي المستقل والجبهوي الذي يمتد في كل التنظيمات والجماعات وصديقهن من أيد تحرر النساء في الواقع.

دليل المرأة الذكية للوحدة الوطنية

لاتزال المرأة عموماً مثل كثير من الرجال كذلك لا تعرف شيئاً كثيراً عن الاتجاهات السياسية والدينية، لكن المرأة بسبب ظروف الأسر المنزلى والذكوري والسياسى والاجتماعي العام لها، فإنها أقل فهماً للمصطلحات السياسية والاجتماعية التي يتداولها الرجالُ في جمعياتهم وتجمعاتهم دون أن تحظى النساء الكثيرات بمعرفة ما يدور في هذه اللقاءات المطولة التي يقرر فيها الرجالُ دون النساء مصير الحياة السياسية، وهذه الحياة السياسية هي التي تقرر في النهاية الحصص والمقاعد والهيمنة الذكورية في المجتمع، وتشكل المستوى المتدني للنساء وحقوق النساء الضائعة.

 فكلما اختفت النساء عن الممارسة السياسية والاجتماعية وقبعن في بيوتهن سهل على الرجال من مختلف الأصناف السياسية/ الذكورية التحكم في مقاليد السلطة، وتوزيع الحقوق عليهم، وفرض الواجبات الكثيرة على النساء!

 فالرجال يطرحون الوحدة الوطنية بين الطوائف في حين أن الوحدة المنزلية، الأساس لتلك الوحدة، غائبة بسبب النزاعات الطويلة بين الرجال والنساء!

 ولهذا فلو حضرت النساءُ وبكثافةٍ ومن مختلف الطوائف والكتل، فى اجتماعات سياسية واجتماعات نقابية، لاستطعن فرض أصواتهن على الرجال، وإجبارهم على الوحدة من أجل الأطفال والبيوت التعبة من الأقساط والأسعار..

 يتصور الكثير من النساء أن القضايا السياسية هي فقط هموم رجالية، وأن السياسة هى فقط قضايا الأحزاب والحرب والكوارث، وليست هي أيضا قضايا الحدائق ورياض الأطفال والسلام، وحرية المرأة في الخروج والعمل، وهي كذلك الالتزام الأخلاقي بالعائلة والوطن. لا تعنى التجمعات السياسية الذكورية غالباً بالعمل النسائي وانتشاره، لأن الرجال يفكرون في ظروفهم ومصالحهم، وهناك منهم اناس شديدو الأنانية فلا يريدون للمرأة أن تخرج كلياً من البيت، وهناك منهم أناس لا يفكرون فيها سوى كراقصة أو كمصنع للذرية!

 والكتل الدينية تتحدث كثيراً عن ضرورة الفضيلة الشديدة للمرأة، ولا يتطرقون بمثل هذا الحماس لفضيلة الرجل، ولكنهم لا يرون الفضيلة إلا فى العزلة لها، سواء كانت في البيت أو وراء الجدران واللباس، وليس في تمتع المرأة بالعمل، والدخل الجيد، والاحتكاك الصلب والأخلاقي مع الرجال.

 والفضيلة لا تنبت للمرأة عبر غياب التجربة والاحتكاك، بل من خلال العمل والمعاناة والتجارب، حين تصبح إنساناً لا أنثى دمية جميلة في البيت ومع أول صدمة تتشقق!

 لهذا كله تبقى المرأة هي أساس الوحدة الوطنية، أساس قوة العائلة، والسلام، وكراهية الفتن والحروب، هي التي تستطيع القفز على الحواجز الطائفية التي أقامها بعض الرجال، وجعلوا الأولاد والبنات في المدارس يتصارعون ويخافون من بعضهم البعض.

 والمرأة تظن أن هذه الحواجز هي بسبب التيارات «الإسلامية»، وأن هذه التيارات هي سبب عدم وصول المرأة إلى البرلمان والمكانة السياسية التي تتطلع إليها.

 والمسألة هنا تعود إلى تاريخ اجتماعي شرقي خاص، وليس إلى الإسلام بشكل مجرد، أي أن الوعي النسائي هنا بحاجة إلى فهم للتاريخ والفكر الإسلاميين، فهؤلاء الدينيون المذهبيون السياسيون المحافظون لا يمثلون النهضة الإسلامية والحريات الإسلامية بقدر ما يمثلون وعياً مذهبياً مسيساً تمت السيطرة عليه خلال القرون السابقة، من قبل السلطات الذكورية والإقطاعية السائدة والتى كيفت المذاهب الفقهية لمصالحها، بمعنى أنها غيبت ما يفيد المرأة من الشريعة وثبتت جوانب نصوصية لصالحها.

مع غياب المرأة عن التحولات السياسية وبشكل جماهيري تغيب الوحدة داخل الأسرة وداخل المجتمع.

 وغياب المرأة عن الأعمال والصناعة والحرف والسياسة يشجع القوى المحافظة على جلب العمالة الأجنبية والتصرف بخيرات المجتمع حسب أهوائها.

 ولهذا فإن الفضيلة ليست هي فضيلة الثياب بل فضيلة الصراع! إنها الفضائل التي تأتي من انغماس النساء في الأعمال وفي النضال وفي المكاتب والمصانع والفنادق، فالموقف الأخلاقي الرفيع لا يأتي من الجهل بل من المقاومة والتمرس فى خنادق العمل والفكر. والمرأة حين تُجرد من فهمها للدين، والسياسة والعمل، والصراع الاجتماعي تعجز عن الدفاع عن مصالحها.

 ليس المهم هو وصول بعض النساء إلى البرلمان، بل المهم هو جذب النساء بشكل كبير إلى ميدان الإنتاج والسياسة والفكر والوعي، فالبرلمان ليس سوى ثمرة لتصاعد دور النساء في مختلف شئون الحياة، هو تتويج نضالهن في القواعد الشعبية، في النقابات، وفي الجمعيات، وفي الفكر والثقافة والفنون.

 وما دام الرجل مهيمناً على عقل المرأة ونفسها، وهي تؤدي دورها ككائن ثانوي، كجمهور مغيب عن الندوات والقراءة والفنون والجدل والعمل، مستعد فقط للزينة والزواج، كائن همه الأول الحصول على المنافع والمناصب، فإن وجود المرأة السياسي في البرلمان لن يكون كبيراً أو حتى موجوداً.

 وحتى لو وجدت نساء، فهذا ليس دليلاً على وجود المرأة كتيار اجتماعي عريض.

 النساء في مثل هذه الحالة سيمثلن أنفسهن، وسيمثلن شريحة إدارية مستفيدة تقول «نعم» دائماً.

 إذا لم تصعد المرأة سياسياً ككائن سياسي مستقل، له مشاكله الخاصة العميقة المحورية، فذلك يعني أنها سوف تُستغل من قبل تكتلات الرجال الأنانية المسيطرة. وحتى الآن فإن النساء بشكل عام عاجزات عن الاستقلال السياسي والفكري عن التنظيمات الذكورية/التقليدية، والعجز عن الاستقلال هو الذي يفكك العائلة ويفكك الوطن.

 أي أن هذه القوة الجماهيرية الكبيرة القابعة في البيوت، وفي الخرافة، وفي أسر الثقافة التقليدية والتلفزيونية التغريبية، وفي فضيلة الثياب وفضائل الحبس الاجتماعى، يغدو تحريرها هو إعادة للحمة الوطنية على مستوى العائلة وعلى مستوى الحياة الاجتماعية، فدخول المرأة بكثافة إلى العمل والصراع الاجتماعي والسياسي والثقافي هو الذي سيشكل الشعب بشكل جديد، سيجعل العانة أكثر تطوراً من حيث الوعي الصحي والنفسي والجنسي والفكري، ستغدو النساء لسن خامات يمكن خداعهن بسهولة، بل سيتمرسن بفنون الخداع ويكشفنها.

 والخداع على مستويات عدة، على مستوى خداع الزواج، ومستوى خداع الشعار الديني، والخداع على مستوى الشعار السياسي، وكل أشكال هذه الخدع تنصب في عدم إطلاق طاقات النساء الحرة، ومنع قدراتهن من التفجر: حركةً جسدية حرة، وانفعالات نفسية ثرة، وحركة اجتماعية وسياسية تنصب على تحرير المرأة لا على خداعها واستعبادها!

 مقاومة المرأة لكثرة النسل وعدم نوعيته هو فعل ديمقراطي سيتراكم على مدى السنين، حيث لا يُقاد الناس في باصات ليصوتوا لمستغليهم!

 مقاومة المرأة لنشر العمالة الأجنبية بلا رقيب ولا حسيب، واستغناؤها عن الخادمات والاستهلاك البذخي، هو نضال ديمقراطي سيتجسد في عائلات أكثر قوة وأكثر وعياً.

 نضال المرأة لتثقيف أبنائها وبناتها هو نضال ديمقراطي يتكرس في مرشحين أكثر استيعاباً لهموم الشعب وقضاياه، وفي ناخبين أكثر تبصراً واستخداماً لأوراقهم الانتخابية في الصناديق/المستقبل!

 نضال المرأة الفكري والثقافي سيبصرها بالكتل السياسية، ويعطيها القدرة على أن تميز بين الاستخدام الرنان الكاذب للشعارات، والنضال الحقيقي على الأرض من أحلها ومن أجل وطن لا يتعرض فيه أبناؤها لسلق الدماغ ولسلق الجيوب والمصير!

النساء وقضية الأنا

لا نطرح هنا قضية المرأة بشكل عام ومجرد، بل نناقش قضية النساء اللواتي ينضممن إلى الحركة الديمقراطية والتحديثية في الخليج العربي، ومن المعروف أن صعوبة التحديث لا تتعلق بالنساء، بل أساساً بأن الرجال هم كذلك تابعون للجماعات التقليدية، وتغدو الجمعيات السياسية ذكورية غير قادرة على تكوين قوى نسائية ديمقراطية عميقة.

ولهذا فإن بروز نساء قيادات تحديثيات يواجه بصعوبات كثيرة حادة، فلكي تكون النساء طليعة سياسية واجتماعية، عليهن أن يواجهن عقبات قبلية وأبوية ورجعية في كل بيت وميدان، ومن هنا يغدو تشكل خطاب نسائي تحرري وعقلاني وذي مرونة أمرا محفوفا بالكثير من الصعاب.

كما أن بروز نساء قياديات في الحياة السياسية والاجتماعية أمر صعب، لأنه يتطلب من المرأة في هذا المجال الكثير من صفات التواضع والعمق الفكري وبعد النظر والدبلوماسية، فالمرأة هنا في موقعها القيادي تترأس ذكوراً، يرفضون ضمناً هذا التبوؤ، فلا بد أن تستند القيادة هنا على احترام كبير إلى الآخر، سواء كان امرأة أم رجلاً، قادةً أم بسطاء، رؤساء أم مرؤوسين، مالكين أم أجراء، فدون احترام المرأة القيادية للعرف العام والتقاليد الاجتماعية والسياسية، وبالتالي انخراطها في التقاليد الديمقراطية الحقيقية، وتجاهل الرؤساء و المرؤوسين والموظفين البسطاء، دون ذلك يستحيل أن تتشكل امرأة قيادية في أي موقع.

إن عدم قدرة بعض النساء على الصعود إلى موقف القيادي الديمقراطي، عبر تمتعهن بصفات الهدوء السياسي، وضبط النفس، ومهارة الأداء الإداري، يعرض الكثير من صفاتهن الإيجابية الكبيرة الرائعة إلى التغييب سواء من خلال المنافسات الإدارية أو من خلال الحسد الشخصي.

فى المجتمعات التى يهيمن عليها الاستبداد الذكوري لا يُنظر إلا إلى أخطاء المرء، وخاصة أخطاء المرأة . فيتم التغاضي عن أخطاء الذكور غير الساحقة، أما أي خطاً بسيط للمرأة فإنه يُضخم ويُبرز بشكل كبير. ولهذا فإن مسئولية المرأة الطليعية والتحديثية مضاعفة، فعليها أن تتبنى خطاب المساواة والتحديث مع الكثير من ضبط النفس ومراعاة التقاليد.

وإذا هيمنت قضية الأنا على مثل هذه المرأة، وليست المهمة التي تعمل من أجلها، فإن المشكلات الكبيرة تغدو متلاحقة على مثل هنا النموذج.

ونظراً لحداثتنا في هذه التجربة، تجربة حضور المرأة في العمل القيادي الاجتماعي والسياسي الطليعى، وندرة تكون المرأة فى هذا المجال، فإن التطرف سواء من قبل المرأة أو من قبل الإداريين الرجال، يصبُ كله في ميدان التخلف والتدهور الاجتماعي.

نحن بحاجة فى هذه الأرض الصعبة إلى الكثير من النضج، وعدم طرح مشكلاتنا وحساسياتنا الشخصية، خاصة الأنثوية المتفجرة، وبضرورة احترام تقاليد العمل بحيث تتحول المرأة إلى قيادية كبيرة، وزعيمة، ووزيرة، وهذا لا يتحقق دون ان تجمع المرأة بين تقاليد الأنوثة الشديدة الرقة، وفن المهارة الدبلوماسية والدهاء السياسي.

إن الإصلاحات السياسية البحرينية الراهنة تفتح للمرأة آفاقاً كبيرة للتطور، ولكن عليها من جانب آخر أن تطور مهاراتها السياسية والفكرية والثقافية، فقد حصل الرجال على خبرة واسعة في هذه المجالات، نظراً لعقود من السبق الاجتماعي، ووجود فرص الحرية الشخصية لهم، ولا بأس أن تصبر المرأة على اكتساب مثل هذه الخبرات وتتعلم كيف تجمع بين خصال صعبة ولكن لا مجال للصعود السياسي والاجتماعي دونها.

وليس أسوأ من خصلة معادية لهذه المكانة وفي هذه الحياة الاجتماعية ذات المسئولية العالية، من العاطفية الشديدة، وتمكن روح المزاج والفردية الكبيرة، كما أن روح الجرأة والمبادرة وخدمة الناس والتطور بحماس، أمور مطلوبة كذلك والتوفيق بين هذين الرأسين بالعقل هو الحل أو الحلال التحديثي.

تفاوت غريب في الأحكام الشرعية

ليس الحكم بحجاب المرأة إلا أحد الأحكام الشرعية المختلف عليها كثيراً والمفسرة تفسيرات مختلفة من قبل الفقهاء، ولكن هذا الحكم المختلف عليه هو من الأحكام القليلة التي فسرتها جماعة دينية بشكل وحيد وأصرت عليه إصراراً غريبا، في حين أن أحكاماً شرعية كثيرة تجاهلتها هذه الجماعة أو فسرتها تفسيراً؛ فيه شيء من المرونة أو الصمت.

فهناك الحكم الشرعي بقطع يد السارق، أو رجم الزاني وتحليل العبودية ورفض الربا، وغير ذلك من الأحكام الشرعية، التي رُئيت في ضوء جديد تم تفسيره عبر الاجتهادات المرنة والمذاهب الميسرة، حيث تشكلت قراءات اعتمدت الاجتهاد ورؤية المصالح العامة للمسلمين.

وهذا يعني وجود خط معتدل مرن توجه نحو ظاهرات اجتماعية معقدة ومركبة تشكلت في عصور سابقة، فقرأ ما هو مفيد ومتطور للأمم الإسلامية، بحيث تؤدي هذه التفسيرات الجديدة إلى عدم تخلف هذه الأمم واستغلالها .

أي لقد أخذ المشرعون المجتهدون المصالح العامة لجماعة المسلمين وأهمية أن تنمو المصارف تحت ملكية وهيمنة جماعة المسلمين هذه، أي قاموا بقراءة الأحكام الشرعية على ضوء العصر، بدلاً من أن تتوجه الفوائد وتتراكم في مناطق أخرى وتحرم الأمم الإسلامية من ثمارها، على الرغم من أن هذا الواقع غير متحقق، فلا تزال البنوك تحت شتى اللافتات العربية والإسلامية في خدمة الغرب (المسيحي واليهودي) بدرجة خاصة، فقد توجه التأويل الشرعي الجديد لخدمة

مصالح هذه الفئات الغنية المرتبطة بالرأسمال الأجنبي، دون أن يلتفت إلى غياب هذه الرساميل عن أسواق الأمم الإسلامية؛ واندفاعها نحو الأرباح العليا بغض النظر عن مصدرها.

أو مثل عدم تطبيقهم الحكم الشرعي بقطع يد السارق وتحويل القطع إلى سجن متفاوت المدة حسب طبيعة السرقة وعدد المال المسروق وما إذا كانت سرقة مخففة أو مشددة، فمن غير المعقول تماثل الحكم في سرقة قطعة رغيف وسرقة خزنة، ولكن هذا التفسير الذي راه أيضا فقهاء قدامى، لم يقرأ لماذا يسرق الفقراء أصلاً، أو لماذا تزني المرأة، أو لماذا يزوّر شخص في ورقة صغيرة وآخرٌ في أملاك الدولة.

فقد ارتبط العديد من الأحكام التفسيرية والاجتهادات بمصالح العديد من المفسرين والفقهاء والجماعات الدينية، فمناخ علاقة الفقهاء بالدول ذات الشأن هو الذي يوجه الأحكام وجهة معينة، ويبعدها عن وجهات أخرى، قد تكون ممكنة شرعياً.

وهكذا نرى أن الأحكام الموجهة ضد سرقات الفقراء على مدى التاريخ (الإسلامي) الذي حكم فيه اللصوص الحكام، كانت احكاماً رهيبة، ينتفي منها الحكم الشرعي العميق، في حين أن سرقاتهم أموال الأمة كانت لا تُذكر أولا يُركز عليها في الفقه التابع للسلطان.

ولهذا نرى حدتهم في حكم الحجاب لا يبتعد كثيراً عن هذا المناخ الذي يقوم فيه البعض بتبرير أنظمة متخلفة تجعل رجال ونساء المسلمين محجوبين عن العقل والتقدم الصناعي والاجتماعي

والعلمي.

فهذا الحكم لا يسأل ماذا تعمل هؤلاء النسوة ولماذا يعيش قطاعٌ كبيرٌ منهن في بطالة وأمية وأمراض السمنة والسكري وضغط الدم، نظراً لحجبهن في البيوت، وهل بقاء المسلمات بهذا الشكل مفيد لتحرر الأمم الإسلامية من هيمنة الأقوياء؟

ولماذا نركز على الأشكال، وليس في تقوية عقول النساء وتطورهن الثقافي والاجتماعي ليجيء الحجاب الذي يحجز الرذيلة من أعماق النفس وصلابة الموقف الأخلاقي.

بل لا بد من رؤية جديدة لحياة المرأة، تجعل الفضيلة تتكون من اشتغالها واستقلالها الاقتصادي، فوجود العمل وارتفاع الوعي بشتى أشكاله هو الذي يؤسس فضيلة للمرأة كما للرجل.

يقوم ذلك الوعي الفقهي برؤية جزء مقطوع الصلة بجذور القضايا وبحركة المسلمين؛ مؤيداً أنظمة متخلفة تقوم بإحضار شتى أنواع النساء للعمل في بلاد المسلمين وتحجر على المرأة المسلمة العمل والحرية الشخصية والتطور الأخلاقي ونمو المسئولية في ذاتها، التي تأتي من صلابتها في مواجهة عالم الشر وليس في الانكفاء والعزلة والتحجب.

المرأة والنهضة

ينعكس التطور أو التخلف الاجتماعي على النساء بشكل أكبر من الفئات الاجتماعية الأخرى، ويعد تحرر المرأة المقوض الكبير للأنظمة والتنظيمات الاستبدادية في العالم العربي والإسلامي.

ولم يستطع المصلحون في التاريخ العربي أن ينظروا بشكل خاص إلى تحرر المرأة كأساس جذري لتحرر الأمة.

فالفقهاء والمصلحون والثوار كانوا من الرجال الذين استطاعت الدول الشمولية أن تدمر مقاومتهم على مدى أجيال، فإذا رأيناهم في بدء التاريخ العربي الإسلامي يجعلون المرأة شريكة لهم في المعارك والثورات والتحول الاجتماعي، فإن صعود قدرات الدول المستبدة المالية والقمعية قد أدى إلى شراء الكثير من هؤلاء الرجال أنفسهم، وضاقت سبل التمرد والتغيير عليهم، وتم إلحاقهم بالقصور والدواوين.

وينطبق هذا حتى على الفقهاء الذين ضاقت سبل العيش أمامهم، فاختفى صنف الفقهاء الأحرار، ويذكر أحد كبار المعتزلة كيف تقدم بالشكر الوفير للخليفة الذي تكرم عليه ببضع مئات من الدنانير في حين كانت معيشته السابقة طوال أشهر تعتمد على بضع دراهم، فكيف لهذا المعتزلي

بعد هذا أن يتكلم عن أضرار امتلاء قصر الخليفة بالخدم والإماء والراقصات؟

لم يكن تدهور النهضة يصيب المرأة فقط بل المنتجين أيضاً، الذين تدهورت أعمالهم في الأراضي، ولم يقم الفقه أو الفكر المعارض، برؤية أحوال هؤلاء المنتجين، سواء نساء البيوت، أم فلاحي الحقول.

وهذا هو نوع الفقه الذي تكون في ممالك المسلمين، تنصيص مقطوع الجذور من الإسلام لخدمة الدول واتجاهات الحكام والمتنفذين، وتوارى الفقهاء الأحرار التقدميون، الذين يتبصرون الأفاق البعيدة لتطور الأمم الإسلامية، فيقاربون ويجتهدون في كيفية تطوير أوضاع النساء أو الناس عامة، لكي يكونوا ضمائر حية لدينهم وأمتهم.

ويمكن الاستنتاج هنا بأن ذلك القانون الذي مازال سارياً وهو أن تطور حريات العامة وتقدمها الاجتماعي مرتبط بمدى تطور الحركة الديمقراطية والتقدمية في العصر، ففي العهد النبوي والراشدي، تطورت حريات ومكانة المرأة، قياساً على المهانة الجاهلية، ولكن مع صعود الدول

المستبدة الشمولية تحولت النساء إلى جوار، وتصاعدت الحركة الدينية المحافظة التي جيرت النصوص لخدمة استغلال الحكام والرجال.

والغريب أنه كلما تفاقمت الشهوات صارت الأحكام محافظة ورجعية أكثر.

وهكذا فمع الاحتكاك بالغرب ونشوء حركة النهضة العربية وصعود القوى الديمقراطية أخذت الحياة النسائية تتغير، وتطورت الحريات الشعبية في مختلف المجالات، بما فيها حرية النساء، وإن اقتصرت هذه الحريات على الدوائر المدنية، في حين احتاجت نساء الفلاحين والعاملين جهوداً أخرى لكي تقترب من أنفاس الحضارة الحديثة.

إن تصاعد الحركة الديمقراطية الحديثة هو السبب وراء تطور حرية المرأة، وقد انتكست هذه الحركة بفعل تصاعد مختلف أشكال الشمولية،  سواء من خلال واجهات وطنية وقومية أم من خلال واجهات دينية.

إن انتكاسة الحركات الديمقراطية العربية الحديثة انعكس على وضع المرأة وتدهور حرياتها، وقد غدت الحركات الدينية هي الشكل المضاد لنمو الحركة الديمقراطية، مع استغلالها من قبل الأنظمة المحافظة والأجنبية.

وليس غريباً أن تتقارب الحركات القومية والدينية في مسائل تدهور حريات المرأة، بسبب الطابع الذكوري المهيمن والمتخلف في هذه الجماعات، فجذور الاستبداد الشرقي متوارية تحت الجمل السياسية التحررية الشكلية، ومن هنا لم تقم الحركات القومية و(اليسارية) التي اندمجت والهياكل الاستبدادية، بأي كفاح عميق لتحرير المرأة.

كما أن حركات المرأة النهضوية لم تقم بدور مستقل، سواء بإنتاج الوعي النهضوي التحرري النسائي، أو بفك الارتباط بالجماعات السياسية الذكورية المستبدة، وبانتاج ثقافة مختلفة.

الحجاب والصناعة

ككل الظواهر التي شكلها الاستعمار وهو يقتحم البُنى الشرقية العربية وغيرها، قام الاستعمار على استمرارية الاضطهاد والتخلف القديم، فصار الاستعمار هو ذاته جزءاً من التركيبة المحافظة.

وفي التداخل بين الإقطاع والاستعمار الغربي هناك الظواهر المشتركة لاستغلال المنتجين، عمالاً كانوا أو نساءً أو فلاحين. ومن هنا تشكلت الإيديولوجية المشتركة المحافظة بين الجانبين، ولهذا فإن إدخال النساء ككتل واسعة في ميدان الأنتاج الحديث وخاصة الصناعي منه، كان مستحيلاً، لكون الاستعمار يعمل على تغييب الصناعة ككل.

لقد أمكن للمرأة الغربية أن تتحرر عبر الثورة الصناعية والعلمية فقط، فليس بالشعارات تتحرر المرأة.

وبهذا فإن النساء العربيات وجدن أنفسهن في ذات الدهاليز الضيقة لمجرى التحول العربي المحدود، وحين قامت الدول الوطنية القومية التحررية، فقد اعتمدت على القطاع العام التابع لسيطرتها السياسية، الذكورية، والبيروقراطية، وبهذا فقد حيل بين المرأة والصناعة مرة أخرى، وبين النساء والحداثة العميقة، وواصلت الدولة المذهبية التقليدية مسيرتها .

وقد صار عمل المرأة مركزاً عبر هذا التطور في مجالات الخدمات الحكومية وهو مجال لا يتيح لحرية جذرية، وحين تدفق النفط في المنطقة العربية في المناطق الأقل تطوراً، وذات الإرث الرعوي والقروي، تم استخدام عمالة أجنبية غير عربية، أو تشكلت صناعات استخراجية، بحيث كان تأثير الصناعة التحويلية هامشياً .

فواصلت الأنظمة المستقلة مسار الحياة التقليدية، وازدادت المحافظة مع تدهور الحياة الفكرية والسياسية في الأنظمة الجمهورية، ولهذا واصلت القوى التقليدية والبيروقراطية التحكم في الجمهور، وقد أتاحت الدخول المرتفعة وتدهور المدن العربية عبر التدفق القروي المستمر، تراجع عمليات التحديث، وإذا كانت الجمهوريات قد شهدت تدهورا، عائدة إلى أنظمة ملكية مطلقة، فإن الأنظمة الملكية أصيبت بالأزمة التي أرادت تسويقها للأنظمة الجمهورية.

وهكذا فعبر بعض التقاليد البسيطة الدينية فإن القوى المحافظة تنمو في سياق اقتصادي مأزوم، لم يتح لصناعة حرة أن تنتشر، وقامت القطاعات العامة بتدمير الثروة العامة التي جمعت خلال قرن.

يقوم المحافظون ومسئولو الأنظمة العربية والإسلامية الفاشلة بتحميل القدر أو الاستعمار أو الفساد الأخلاقي أو النساء، مسئولية فشل سياسة اقتصادية واجتماعية، ولا توجد من حلول لديهم سوى استغلال بعض المظاهر الدينية والإبقاء على الفساد السياسي.

ولم يكتف هؤلاء بتسويق الأزمة للأنظمة الجمهورية العربية وتخريب التطور العربي العام، بل يريدون تخريب التطور في الأنظمة الغربية كذلك، وهي التي فتحت ذراعيها لملايين فرت من

الفقر والاستغلال المتخلف والأزمات الاقتصادية في العالم العربي .

وهكذا يظهرون أنفسهم كحماة الفضيلة، وكأن الفضيلة هي مجرد غطاء على الرأس في حين يتركون العائلات الفقيرة والملايين يبيعون أنفسهم في الداخل و الخارج.

لم توجد قوة عربية سياسية حديثة وحرة، أي قوة تحويلية جذرية مرتبطة بالصناعة وتطورها، سواء من المالكين أو العاملين، فالمالكون الرأسماليون تأتي أغلب رساميلهم من العلاقات بالدول، في حين تأتي أغلب أجور العمال من العمل في المؤسسات التي تملكها الدول، مما جعل الطبقتين الحديثتين اللتين تحملان بذور النظام الحديث، تابعتين لقوى غير حديثة .

وهذا انعكس بدوره على مستوى حريات المرأة، فالحرية الشكلية أو العبودية الفجة تصنع من قبل الرجال، أحياناً بأشكال حداثية شكلية وأحيان بأشكال مذهبية تقليدية معادية لتطور الأمة.

لكن الحرية لا تُعطى فإذا أعطيت تغدو مسوخاً، وذلك لغياب إرادة المرأة الصانعة، فهي تصنع الأطفال لكن الأنظمة تحولهم ضدها، وحين لا تستطيع أن تصنع السلع التي عبرها تقحم إرادتها في التطور والحياة السياسية كجماعة واسعة، كطبقة، فإنها لا تستطيع أن تخلق حريتها.

النساء والنضال الموسمي

ما أن انتهت المواسم السياسية الانتخابية البلدية والنيابية حتى ابتعد الكثيرون من النشطاء وخائضي غمار التجربة عن التواجد، بعضهم حزنأ ويأساً والبعض الآخر لا مبالاة وكأنه أدى دوره الأخير في الحياة السياسية منتظراً موسماً آخر، يعود فيه إلى النشاط.

هذه المواقف توضح ان العديد من هؤلاء ابتعد بشكل أو بآخر عن الحضور، أو حتى اتخاذ موقف من التجربة، أو الكتابة أو التواجد بهذا الشكل أو ذاك.

اعتقد هؤلاء خطأ ان الحياة السياسية تنحصر في الحملات الانتخابية، وان العمل السياسي هو لبضعة أيام أو أسابيع ثم بعد ذلك تعود الأسراب إلى مخادعها.

لكن إذا تنعم هؤلاء، وخاصة النساء المحرومات من التمثيل المنتخب، ان التيارات هي التي انتصرت، وليس هذا أو ذاك من الأشخاص، التيارات التقليدية التي سمح لها بالحضور والتواجد فى المؤسسات الدينية، وبالتالي لم يظهر قانون ديمقراطي حقيقي يمنع هؤلاء من استغلال الدين لأعمال سياسية نفعية، وهذه التيارات لها جمهورها الذي تكيف مع هذه الظروف غير الطبيعية، والذي يعتبر المرأة عورة؛ وجسماً تقليدياً ، وكثير من هذا الجمهور هو من النساء أنفسهن.

وهذا الميراث لم يتشكل بين يوم وليلة، بل كرس عبر جهود طويلة، وإذا اعتقدت النساء الناشطات سياسياً، سواء كن بشكل موسمي أم غيره، ان هذا الميراث يتغير دون تضحيات ودون عمل متصل و كفاح لا يتوقف، فسوف يجدن أنفسهن مرة أخرى أمام الفشل.

وفي لحظات الفشل واليأس تطرح تعميمات خاطئة كالقول إن هذا الشعب متخلف، أو هذا الجمهور غبي، وهي تعميمات تحكمها المشاعر، لا علم السياسة، فالجماهير كتل من الناس ليست خارج التاريخ والتأثيرات والمصالح، فهي تحكمها ظروف، وقوى سياسية مختلفة وأفكار سائدة، ويتحدد قربها أوبعدها عن الحقائق الموضوعية بدور القوى الاجتماعية الطليعية ومدى انتشارها وذكاء أساليبها. وهذه القوى لا تأتي من فراغ بل من تطور اقتصادي وثقافي متعاضد، أي بجملة شروط، فلا يصبح الناس متنورين بشكل جاهز.

وقد كانت الكثير من النساء يخضعن لسنوات قريبة لدجالين أو لسحرة أو ضاربي الودع وحارقي البخور، ولطوالع النجوم، بسبب الحبس الاجتماعي الانفرادي الطويل لجنس النساء، ولهذا فإن إخراج النساء من هذه الزنازين التاريخية لا يتم بين ليلة وضحاها، أو بجملة شعارات براقة، بل يتغيرن من خلال نضال صبور يرين في آثاره تبدل أحوالهن وتحسن مكانتهن.

ومن هنا يغدو غياب الناشطات السياسيات، بالابتعاد عن العمل السياسى، فكرياً أواجتماعياً، مخيباً لآمال الجمهور العريض من النساء، اللواتي وجدن فيهن بارقة أمل ومحاولة لفك أسر.

لقد حصلت هؤلاء النسوة على تجربة ثمينة ومعارف وتكونت لديهن علاقات، وهذه الحصيلة ليست سهلة، وجمهورهن ليس بسيطاً وقد تكون في مدة قياسية، فلا يجعلن هذا الجمهور يذوب، ويفقد الخيط الذي تشكل له، فهذا الخيط سوف يقوى على مر السنين عبر مواصلة الفعل الذي بدأ.

إن هذه التجربة الكفاحية الباهرة التي صارت بعد قيظ سياسى طويل، فى الواقع تبشر بخير قادم، وإن كل هؤلاء النساء اللواتي احتشدن في يوم الانتخابات كن رسالة تأييد لعملية تحول، قد لا تستفيد منها النساء بصورة سريعة، ولكن الثمار قادمة لهن، عبر الصبرو الانتظار الإيجابي الخلاق، وليس بالعودة مجددا إلى السلبية والصمت.     

خطورة الوعي السلبي للمرأة

كان يفترض مع التحولات السياسية أن تزداد عمليات الانفتاح الاجتماعي، ويتم الابتعاد عن قضايا الحريات الشخصية، ولكن حدث على العكس توجه للتقليل من هذه الحرية، الأمر الذي سيحولنا – إذا استمر هذا الخط – إلى فتح باب المجابهات الداخلية.

ويعتمد المحافظون المتوجهون في هذا المسار على الأقسام المتخلفة من السكان في وعيها، والتي تصور الحريات باعتيارها كارثة أخلاقية وانحرافات اجتماعية، وتفصل هذه القضايا الأخلاقية والأسرية عن قضية الحرية المترابطة، حيث ان أي مساس بالحرية فى جانب من جوانبها ينعكس على الجوانب الآخرى.

والخطورة في تفاقم مثل هذه المسائل هو أننا نتجه بعيدأ عن القضايا المحورية فى قضايانا الوطنية، وننزلق في سراديب جانبية مقفلة، وهي قضايا لم يستطع الخطباء على مدى آلاف السنين أن يحلوها، وهي مسائل باتت في عهدة الضميروالحرية الفردية والمسئولية الشخصية .

يستند المحافظون إلى وعي بعض الأقسام النسائية التي تتأثر حياتها الشخصية بهذه المسائل ومسائل الحرية الشخصية غالباً ما يستفيد منها الرجال وتحرم منها النساء، ويقوم الرجال عادة بتكييف مسائل الحرية على مزاجهم وكيفهم الشخصي، فهم يريدون الحرية ولكن لهم وليس للنساء، فيتمتعون ويسافرون وينطلقون كيفما

شاءوا لا تسألهم زوجاتهم عن هذه الحرية الواسعة، وإذا سألنهم قالوا إننا رجال!

من هنا تبحث هؤلاء النسوة عن وسائل للجم هذه الحرية الذاتية النهمة، فلا يجدنها إلا في آراء بعض المحافظين، الذين يستغلون هذه المستويات المتفاوتة من الحرية، وتذمر النساء، لكي يلجموا الحريات العامة، ولكي يدخلوا في حيوات الناس الشخصية، ويفرضوا مقاييسهم الاجتماعية.

كان انتشار حركات المحافظين قد اعتمد في الغرب نفسه على هذه الأقسام الاجتماعية، وعلى جمهور نسائي معين، يوى في الحرية الذكورية الواسعة خطورة على بقاء الأسر، ولكن المحافظين التفوا بعد ذلك على هؤلاء النسوة وفرضوا عليهن قوانين مجحفة وابقوا اللامساواة بين الرجال والنساء وبصورة أسوأ من السابق.

ولهذا فإن حل المشكلات الأسرية ونقص الحرية في المنزل للإناث لا يحل بتشكيل دكتاتورية فى الحياة العامة، أو بإطلاق يد الرقابة في ضمائر الناس، وبمراقبة ما يشربون وما يأكلون وكيف يفرحون ويغنون وماذا يلبسون.. وكأننا ونحن نطلق موجة الحرية السياسية من الباب نقوم بسحبها من الشباك الاجتماعي.

إن المرأة هي التي سوف تعاني أكثر من غيرها من المحافظة الاجتماعية والسياسية، التي ستنقلب على تراجع المساواة لها، وتفاقم مشكلاتها في الأحوال الشخصية المختلفة، خاصة مع جماعات غير متبصرة سياسيا ودينياً، وليس لديها برنامج للنهضة والتطور.

وعلى العكس، فإن على المرأة أن تدخل هذه القضية من بابها، وهى المطالبة بمزيد من الحريات الشخصية والعامة المتساوية، التي تعطيها الحق في نقد الرجال وتشريح سلوكهم الخاطئ أو المضاد للحرية.

وكلما ازدادت الحرية كلما انعكست ثمارها على المرأة على المدى الطويل، سواء بوجود مواقع فكرية وسياسية للمرأة، أو بتطور منابرها المستقلة، وباكتشاف مشكلاتها والبحث عن حلول واقعية وسليمة ومباشرة لها، ومن خلال وحدة الحركة النسائية وبالتعاون مع الحركة الديمقراطية في البلد بمختلف اتجاهاتها.

حراس الأسرة الأبوية

اعتمد الإقطاع الديني في هيمنته على المسلمين على الإرث القبلي الجاهلى، حيث الأسرة الممتدة وسيطرة رب العائلة المطلق، وتعني هذه الأبوية الشديدة، والعشائريه، وابعاد النساء عن الشؤون العامة والمساواة مع الرجال والمتاجرة الاجتماعية والمادية بهن.

وقد حاول الإسلام التخفيف من هذه الظواهر الجاهلية، لكن الفتوحات التى كدست الثروة فى أيدي الرجال والأغنياء، مثلت ارتداداً أكبر عن تعاليم الإسلام، ومع ظهور الإقطاعين السياسي والديني، تم تأبيد البنيه الذكورية الأبوية العشائرية وبعدها البنية الاجتماعية للأنطمة في أحكام تعدد الزوجات التي قام الإسلام بتخفيفها عن الجاهلية الأولى حيث العدد الحر من الزوجات، اشترط العدل، وكانت هذه الأحكام جزءاً من العمليه الاجتماعية النهضوية عن زمن التفكك والتخلف السابق، لكن الثروات التي انهالت على الأشراف وأيديولوجييهم الدينيين، جعلت أحكام العدل تتنحى والشهوات تفرض نفسها. ولم يكن ثمة حماية أكبرلأنظمه الاستغلال هذه من الادعاء والاحتماء بالدين، وأخذه في أشكاله المفصوله عن غاياته وتطوره.

إن الاستغلال الجنسي للنساء، والاستغلال الاقتصادي للعاملين والتجار والحرفيين، يتداخلان وهيمنة السلطة السياسية عند الحكام، والسلطه الأيديولوجية عند رجال الدين.

لكن كان على النساء أن يعانين وضعاً أصعب وأقسى بكثير من الرجال، كان عليهن أن يقاسين سيطرة الأسرة الأبوية، حيث يتحول المنزل إلى أداة للتفريخ والمتعه، وتنحجب المرأة عن العالم، لكي يؤدي هذا التحجب إلى القضاء على الأساس الاجتماعي الممكن لتطور المجتمع. فلم تؤد هذه الهيمنة الأبوية الذكورية سوى إلى التخلف الكامل لهذا الجنس، ثم تخريب تطور الأسرة الثقافي والاجتماعي. لقد صارت منزله المرأة لا تزيد على مكانه البهيمة، فهي تعرف في وثيقة

الزواج ما إذا كانت بكراً أم ثيباً، وهكذا فإن الأعضاء التناسلية يجب أن تُفحص أو يتم التأكد منها قبل الزواج، مثل الماعز التي تذبح، ويتم فحص جلدها ووبرها. ويزعمون ان هذه الصيغة تتفق وروح العدل في القرآن!

وإذا كان التاريخ الجنسي للمرأة يجب أن يكون معروفاً موثقاً ، فإن التاريخ الجنسي للرجل يحب أن يكون مصاناً محفوظاً، أي مُغيباً مجهولاً، فيستطيع أن يقوم بما شاء من مغامرات ولا يتم فحص أجهزته التناسلية.

كذلك فإن زيجاته السابقات ونساءه اللواتى على ذمته، وربما عشيقاته المحفيات، كل هؤلاء النسوة يجب الا يُسأل عنهن، أما المرأة التى أخذت كبهيمة إلى « زريبه» الزواج، فيجب أن يعرف بدقه ما إذا

كانت عذراء بكراً، أم مطلقة أم أرملة، وبطبيعة الحال فإن سمعتها تكون قد سبقتها، فالقيود التى انحفرت فى قدميها، ويديها، وجدران السجن الأبوي التى أكلت من عمرها، والاخوة الحراس الأشداء قاموا بدورهم البطولى فى ضربها والتفتيش فى جلدها وملابسها بحثا عن رائحه ذكر.

عشرون سنة من السجن الأبوي، وفي مناطق أخرى أكثر (تحضراً) خمس عشرة سنة أوربما عشر، وتكون البهيمه الُمعدة للتناسل قد أُعدت للانتقال إلى سجن آخر، وتم دمغها بالشرف الجلدي العظيم، وأُعدت لإنتاج نسل أنوي دقيق متسلسل. ولكن الشكوك تبقى مستمرة، وتبقى الأقفال عند السيد، والأموال، والمراقبة، والمطاردة، والضرب والهجر والخيانة، والزواج بأخريات، وتبديد الصرف، وعدم وجود محاسبة ومراقبة من المرأة أو من المجتمع، فهوالحاكم المطلق في مملكته.

ويزعمون بعد هذا ان هذه الصيغة تتفق وروح العدل في القرآن!!

تشابك السياسي والاجتماعي

 في الصراع السياسي والفكري حول أوضاع المرأة والأسرة الذي شهده المجتمع البحريني خلال المدة القصيرة السابقة، بدت الصراعات والمحاكمات وكأنها تجرى في سياق واحد، عفوي أو مُرتب له، ولكنه في كل الأحوال يعكس تشابكا بي الإصلاحين السياسي والاجتماعي.

ثمة رأي وجيه يقول عن كل هذه المسائل: إنها مؤامرة على الإصلاح السياسي الذي ينبغي أن يأخذ الأولوية، ويلغي كل ما عداه، وإن المساهمة في تفجير هذه القضايا الجانبية هي انحراف عن المسار السياسي الديمقراطي المفترض.

والواقع ان هذا الرأي يقوم بعزل السياسي عن الاجتماعي، وكأن السياسي معلق في الفضاء وحده، وكأن الديمقراطية هي في تصويب الدستور في ديمقراطية حقة متكاملة، ومنفصلة عن دكتاتورية الرجال والآباء في البيوت، وعن تحكم رجال الدين في فهم الشرع بطريقتهم الخاصة المتشددة.

إن الديمقراطية هي بناء سياسي واجتماعي وثقافي متكامل، ومتداخل في كل جوانب الحياة، فحين نعمل على تطوير المجلس التشريعي لمزيد من الصلاحيات في المستقبل، لا ينفصل ذلك عن تطوير أوضاع النساء وتعديل حقوقهن المهدرة، فليست الديمقراطية هي فقط في الامتيازات الممنوحة لمجموعات محدودة في المجتمع، بل في توسيع فرص الحرية أمام مختلف الشرائح الاجتماعية، والمرأة قطاع كبير وهي الأغلبية في المجتمع عبر الأرقام.

مثلما نناضل من أجل تعديل كافة القرارات السرية بمنع شرائح من الشعب من دخول مختلف الوزارات بدعاوى طائفية مستهجنة، ومثلما نناضل من أجل أن يكون التلفزيون شاشة حرة تعكس مختلف الآراء الدينية والسياسية والجنسية.

مثلما نناضل من أجل أن تكون الملكية العامة تحت رقابة مباشرة من المجتمع.

إن قضايا الديمقراطية حزم متشابكة، ولكن العمل السياسي الناضج يستطيع أن يعالج هذه الحزم بطريقة سليمة، تخضع للوسائل الديمقراطية والقانونية التي ارتضاها المجتمع في هذه اللحظة من تطوره السياسي.

فأي قانون يعرض على هذه الجهات المسئولة ويأخذ طريقه المعتاد من الحوار، والرفض أو القبول، والجهات المعنية هي التي تقرر صلاحيته أم لا.

إن تشغيلنا لدولة المؤسسات واعتمادنا عليها يجب أن يكون شاملاً، بمعنى أننا نقبل بقراراتها حتى لو كانت ضد مصالحنا، ونترك لآلية التغيير داخل هذه المؤسسات مداها الزمني السياسي. أما أن نستخدم وسائل الضغط والتاثير فهذا مقبول، بشرط ألا يقوض دولة القانون والمؤسسات، بمعنى أن نبقي المرجعية دائماً داخل هذه المؤسسات؛ ونسعى لتطويرها بشكل مستمر.

إن دولة المؤسسات ناقصة، والديمقراطية محدودة، هذا صحيح ولكن المجتمع في لحظة سياسية معينة أقر بها، فلا بد من تطويرها من داخلها. أما أن تتشكل قوى خارج هذه الشرعية الدستورية، وخارج دولة المؤسسات، وتريد فرض رأيها، فهو أمرخطير.

بمعنى أن من يحكم صار ليس هذه المؤسسات التي ارتضاها المجتمع، والتي خضعت لها الدولة والجمعيات السياسية والشرائح الاجتماعية، في حدود معينة من الاتفاق المرحلي، بل صار مجموعة من الأفراد الخارجين عن الإجماع الدستوري والقانوني الوطني.

بمعنى أننا أمام عقلية انقلابية على دولة المؤسسات، وهذه العقلية ا لانقلابية تشترك فيها عدة أطراف بصورة خفية أو واضحة، وهي تقول: إما أن يمشي رأينا وإما نطيح بهذه البنية السياسية.

المرأة والحداثة المهزومة الأولى

عبّر الإسلام عن ثورة نهضوية في ظروف عربية شديدة التخلف، فحمل ميراثاً بدوياً محافظاً ثقيلاً، وهو يعبر بالعرب من

مرحلة الفوضى والتخلف، إلى مرحلة النظام والتقدم.

وكما نهض على التحالف الكفاحي بين التجار المتوسطين والفقراء، لإزاحة الملأ الأرستقراطي الباذخ، فقد قام على تعاون بين الرجال والنساء فى سبيل تشكيل حياة اجتماعية مختلفة.

فكان ظهور النساء في هذا المجرى الثوري واضحاً، عبر سطوع دورهن في البعثة والدعوة وتشكيل الدولة وحروب الجهاد والفتوح، ولكن هذه المرحلة انتهت بصعود أسر الأشراف مجدداً، عبر تراكم ثروات الفتوح والتجارة والعبودية في أيديها، وانقلابها على المشروع الجمهوري والشعبي الأول، وتحوله إلى ملكية عضوضة مدعمة بالجيوش الباطشة.

وقامت حكومات الأسر الأرستقراطية بجر الإرث البدوي المحافظ إلى الحياة المدنية الإسلامية، عبر الهيمنة المطلقة لرؤساء العشائر والقبائل واستعادة الحروب بينها والشعر المادح لها. لقد حاولوا استمرار الخيمة الصحراوية فوق المدن الجديدة.

فكانت عملية استعادة مضمون الحياة الجنسية للجاهليين، بجعل شهوات الرجال مباحة بلا حدود، يغذيها توسع المداخيل الهائلة للغزوات والفتوح، التي جعلت حتى الجنود الصغار قادرين على شراء الجواري، وامقلأت الأسواق بالنسوة العبدات والأسيرات المجلوبات من افريقيا وأوروبا الشرقية والهند.

كان هذا يقود فقهياً إلى التوسع المباح للرجال، والتضييق الواسع على النساء العربيات. فبدلاً من الظهور الاجتماعي الثري المشارك فى عمليات التحول فى ابان الثورة العربية الإسلامية التأسيسية، قاموا بإعادة النساء العربيات في المدن إلى الأقبية الخلفية في البيوت، وتم رفض مشاركتهن في الحياة السياسية والاجتماعية العامة.

بطبيعة الحال لم يستطع الرجال السيطرة على نساء الريف والبادية، اللواتي كن يشتغلن جنباً إلى جنب مع الرجال، ويشاركن فى الحياة الاجتماعية والثقافية، فكانت بساطة الحياة والمساكن تجعل حضور المرأة شيئاً حتمياً. ولكن ذلك لم يكن يعني المساواة، بل زيادة أعباء المرأة وبساطة ملابسها وقلة زينتها وقوة جسمها، بعكس الحال فى المدينة العربية التى ملأت المرأة نفسها بالزينة وأثقال اللحم والأمراض، محاولة أن تجذب الرجال النهمين الذين كانت اختياراتهم الجنسية الأجنبية واسعة.

وحتى عقل هذه المرأة المدنية كان متدهوراً بسبب منعها من النشاط العقلى، إلا ما كان غارقاً فى التدين والتصوف، وهي النافذة الوحيدة التى وجدتها المرأة لكى تعبر انها ليست جسداً فحسب، بل عقلاً وثقافة، مثلما فعلت رابعة العدوية وهي تؤكد انها إنسان وليست امرأة فقط، ولهذا ظهرت كمخلوق غير جنسي، وجعلت عشقها إلهياً. لقد تم قطع علاقة المرأة بالنهضة على المستويين المدني والريفى معاً، فالأرياف تكون غارقة عادة فى العمل المضني وفي طبيعة قاسية واستغلال لا يرحم، ولهذا كانت البوادي والارياف تثور بفوضوية وعنف مخيف، وهي تنتقم من المدن التي استغلتها طويلا، كما فعل بنو سليم والقرامطة.

 ويكشف حضور المرأة في الملاحم الشعبية عن هذه المقاومة التي بذلتها النساء للتأثير وتشكيل الوجود الشخصي، وللرغبة الدائمة في المساواة مع الرجال، ورفض التمايز الذي كرسه في انتصاره في الحروب وهيمنته على الملكيات الواسعة والصغيرة.

لقد كان نتاح هذا الصراع الجنسي وسيطرة طرف بشكل مطلق هو انهيار الحياة الأسرية العربية، وتشكيل أجيال من البشر المعقدين جنسياً والمعطلين عقلياً.

الزواج الأحادي في المسيحية

استطاعت العائلة الأوروبية أن تنفك من هيمنة الإرث الأبوي الشمولي، عبر جذور المسيحية القادمة من المشرق العربي أولاً، فقد تشكلت المسيحية كثورة فقراء في البلدان الزراعية وهي فلسطين والعراق ومصر، ومع ذلك فإن طرحها لعائلة شبه متساوية بين الرجل والمرأة ، وعدم تعضيد تعدد الزوجات ورفض عادة الجواري، السائدة في قصور الأمراء والملوك والأغنياء في الشرق، كانت عملية غريبة وثوريمة في عصرها ومنطقتها .

وحتى الآن لا يُعرف سبب هذه الطفرة الفكرية والاجتماعية، ولكن هذا الزواج الأحادي كان منتشرا في المناطق الزراعية والمدن الأوروبية المتخلفة في ذلك الوقت.

وهو قد لاءم هذه المناطق التي لم تكن الصحراء والقبلية المرافقة لها والمتجددة عبرها، جزءا من تاريخى المستمر.

هذا بعكس القبائل العربية والشرقية عموماً التي وجدت في بيئات صحراوية ضارية، جعلت من الزواج بأكثر من واحدة وسيلة لكثرة الانجاب ومجابهة قسوة الطبيعة، ولكن مثل هذه الضرورة التي رُوعيت دينياً، انتفت عندما تحضرت القبائل العربية وانهالت عليها ثروة البلدان المفتوحة، ولكن الرجال المهيمنين سياسياً واقتصادياً وفقهياً، تناسوا الضرورات الصحراوية، وحولوا تعدد الزوجات إلى قانون راسخ، وحينئذٍ لم يلعب تعدد الزوجات دوراً صمودياً في وجه الصحراء، بل تحول إلى متع وبذخ مُدمر، جعل المدن العربية تستعيد الصحراء وتراثها المتخلف، الامر الذي لعب دوراً أساسياً في انهيارها الاقتصادي والسياسى.

وعلى العكس من ذلك مضت العائلة الأوروبية المسيحية في مسار مختلف، فالزواج الأحادي قلل من البذخ والإفراط الجنسي وحب الشهوات، وركز الاهتمام بالعائلة، على الأقل بصورتها العامة الواسعة، لأن الرجال هنا أيضاً حاولوا التحايل على قانون الكاثوليكية الصارم بالزواج الأحادي والزوجة الوحيدة إلى آخر العمر، عبر استخدام العشيقات والعلاقات السرية.

ولهذا فإن البروتستنتية، وهي تتشكل في فضاء صعود الرأسمالية الحديثة، فى أقطار أوروبا الغربية، قامت بالتخفيف من روابط الزواج الأحادي عبر عدم جعله أبدياً، بل اختيارياً، لكنها حافظت عليه، ويمثل ذلك تراكماً اجتماعياً مفيداً.

لكن الزواج الأحادي عموماً جعل للمرأة مكانة مهمة في الحياة الاجتماعية الأوروبية عامة، عبر رفعها إلى مكانة عالية وإنشاء حياة أسرية غير مفككة، وعدم تحويل الزواج إلى هدف جنسي محض، كما أدت التطورات المضادة في الشرق، وهذا جعل الحياة الاجتماعية الأوروبية مهيأة للتطورات التحديثية التي تدفقت فيما بعد.

كذلك فإن الزواج الأحادي بجذوره الكاثوليكية وتطوره البروتستنتي، قد جعل للنساء قوة اجتماعية وحضورا دائما في الحياة المدنية، بعكس الأمر الذي جرى في الشرق بعزلها في البيوت.

لكن بطبيعة الحال فإن هذا النمط الزواجي لم يكن يعني مساواة قانونية واجتماعية بين الرجال والنساء، حيث استمر جنس الرجال في الهيمنة على الملكية الخاصة، وعلى الحياة العسكرية والسياسية والإنتاجية.

ومع انفجار الثورة الصناعية، ودخول النساء إلى الحياة الاقتصادية بل والمصانع، انهارت تدريجيا هذه القواعد الاستغلالية من قبل الرجال للعضلات والهيمنة، وأخذت دعاوى المساواة تتغلغل في الحياة الحديثة الأوروبية، ولم يكن ذلك ممكناً سوى عبر صعود تيارات الحداثة والحركات الاجتماعية للعمال، التي فتحت بعض الأبواب لظهور الحركة النسائية كقوة سياسية مستقلة تتوجه نحو تغيير القوانين المعادية للمرأة، وإنتاج مساواة قانونية بين الرجال والنساء.

ومع كل ذلك فإن الميراث الذي تواجهه النساء حتى في الغرب لم يزل قوياً وثقيلاً، ولم تزل السيادة الذكورية وإنتاج المنزل الذي تتخصص فيه النساء يجعل حضورها السياسي والفكري ليس كأعدادها.

أما المرأة في الشرق العربي والإسلامي فمازالت في المرحلة الجاهلية وتحت الثرى موؤدة.

النساء والسحر

في فيلم (عتبة الستات) العربي تقع بطلة الفيلم ضحية مزدوجة لكبرياء زوجها الذي لا يعترف أنه غير قادر على الأنجاب، وضحية لجهلها الفكري، ووقوعها في أيدي عصابة من المشعوذات اللواتي يقمن بسرقتها، وبإخضاعها لعملية إخصاب على غير علمها وبشكل إجرإمى.

إن المشكلة المزدوجة وهي مشكلة الكبرياء |لكاذبة للذكورة، وجهل النساء بخدع الدجل السحري والسياسي، تعبر في الواقع عن النتائج الطويلة لحبس النساء في قماقم التخلف.

ولإ يوجد قوة أكبر لدى قطاع كبير من النساء من السحر، فهذه القوة الاجتماعية والسياسية المتوارية هي المعادل لزمن طويل من تغييبهن عن العلوم والإنتاج والصناعة، وعن المشاركة السياسية في الحياة، وهي الثمرة الطبيعية لوجودهن في العمل.

ولا يؤدي دخولهن هذا الميدان إلى زوال تلك الخلفية الثقافية التي استمرت عدة ألاف من السنين، بل إن الأمر يحتاج إلى جهود كبيرة للجمع بين النشاطين الاجتماعي والاقتصادي وبين الثقافة الحديثة، مثلما لم تستطع الطبيبة أن تقاوم إغراءات الدجالات نظراً لوقوعها في مشكلة حادة، وعدم قيام الزوج بواجبه في تنويرها بانه عاجز عن الإنجاب، بل تركها فريسة للضغوط بحيث إن هذه الضغوط استدعت الجذور العميقة في الشخصية، فراحت الدكتورة تضرب الودع وترى قيعان الفناجين ؤتتصور الخيالات التي تعكس حالاتها الداخلية المضطربة.

إن هذه الجذور والرواسب التاريخية تصعد إثر أزمة الشخصية؛ وإذا لم تجد تنويراً وتبصيراً، واستمرت المشكلة، فإن هذه الرواسب تتحول إلى عمليات شبيهة بالجنون، فيحدث انفصام بين الشخصية والعالم الموضوعي، مثلما يحدث الأن لأقسام عديدة من الجماهير العربية حيث لا يتم حل مشكلاتها المعيشية، والاجتماعية والفكرية، فتحتدم داخلها وتلجأ إلى بعض المثقفين فلا يكشفون جذورها، بل يستغلونها، ويتحولون إلى ما يشبه الدجالات في الفيلم العربي، فيستثمرون الأزمة لصعودهم السياسي والمالي.

وتمثل النساء قطاعا كبيرا يمكن استغلاله بالنسبة إلى السحرة الاجتماعيين والسياسيين، الذين لا يقدمون برامج لكيفية الخروج من المآزق والمشكلات الاقتصادية والسياسية، فالنساء مع خبرتهن القليلة فى كشف الشعوذة، واعتبار المشكلات الحياتية تنصب على رؤوسهن فى خاتمة المطاف، فيتحملن ظلم الرجال والحكام في آن معاً، فلا يجدن أمامهن إلا المسارب والدروب الجانبية والسبل البدائية فيعرضن أزماتهن على الدجالين.

وهذا السحر يبدأ من صفحات الجرائد حتى الأمثال والدعاية والأفلام والحركات الاجتماعية والسياسية، إنه القوة الكبيرة التي تحرك عالم العرب وإن كانوا لا يدركون ذلك، او يضيقون وجوده وحدوده، والعربي يولد وهو تابع للغيب، بكل قواه المختلفة، وهذا الغيب من دون قوانين فى وعيه، ولهذا فمختلف الكائنات تسيطر عليه، وما هو إلا ريشة في مهب الريح، فلا بد أن يتقيها ببخور أو بتعويذة أوببيضة أو زيارة، خاصة ان المرافق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المختلفة تخضع لمثل تلك الفوضى حيث لا قوانين ولا دستور، والتخلف الطبي والتعليمي والفكري يضرب بإطنابه، وإذا كان الرجال قد تصارعوا مع هذه الفوضى وعركوها بعض العراك واستسلموا بحدود معينة لقوتها، فإن النساء لم يجربن العراك مع هذه القوى التي لا تخضع لدستور أو قانون، وحيث تتحكم في الإنسان العربي على مدى الاف السنين قوى الأقليات المستغلة، ولا عجب أن يبدأ الدخول إلى عالم الجن بكلمة «دستور»، ولكن أي دستور!

الرقص ودلالاته الاجتماعية

حين ظهرت الأديان السماوية في المشرق العربي اضطرت وهي تواجه الثقافة الوثنية بفنونها الكثيرة، المتداخلة مع عبادة الأوثان، والمُفككة للمجتمعات، أن ترفض الثقافة القديمة بجملتها، متوجهة نحو عوالم جديدة من التطور الاجتماعي والثقافي.

ولهذا ظهر رجل الدين كإنسان بعيد عن الرقص والفنون عامة، خلافاً لرجال الدين في الكثيرمن الحضارات، التي تمازج الفن فيها مع الدين.

وعلى الرغم من انتهاء الوثنية وطقوسها وعباداتها، فإن الحذر من الفنون ظل مهيمناً على الوعي الديني الصارم، الذي اخذ يتمسك بالأشكال المقطوعة عن سياقها وأسبابها.

لم تعد الفنون بعد تجذر الأديان السماوية في المشرق وفي العالم مبعثاً للخوف، أو للارتداد إلى الوثنية، ولهذا فإن الكثير من المتدينين والمسلمين عادوا إلى الفنون، وإلى الرقص تحديداً، لأنه فن جماهيري جميل ومفيد صحياً.

وقد تداخلت الفنون حتى مع ظهور الأسلام وانتشاره خاصة في الاحتفالات الجماهيرية في الهجرة وبالمولد النبوي والفتوحات والإسراء والمعراج.

إن الفنون الشعبية الإسلامية فيها الكثيرمن فنون الرقص الفردي والجماعي، وهي كلها فنون لها دورها في تقوية العلاقات بين الجمهور، وتكريس احتفالاته الزراعية والعسكرية والإنتاجية والاجتماعية المختلفة.

وهناك صورة سيئة للرقص هي ما يعرف بالرقص الشرقي الذي تقوم به الراقصات وهو رقص ظهر في القصور لتسليه الحكام والأغنياء وتأجيج شهواتهم، حيث يُظهر المرأة بصورة قبيحة، وهولا علاقة له بالرقص الحقيقي، ولكنه دائما يُتخذ كأنه الرقص الوحيد لدى العرب! وقد تحول إلى ظاهرة حين استغله أصحاب الحانات والمراقص لجذب الرجال المسلمين المتعطشين والمحرومين لأي مظهر جنسي.

إن انفصال الفنون عن الاختلاط وعن المشاركة الجماعية والفرح قد فتح الباب لهذا المظهر الوضيع من الرقص ومن العرض المبتذل. بعكس الغرب أو بقية المناطق، حيث استمر الاختلاط والرقص الشعبي الجميل والظاهرات الحضارية، وغاب لديهم الرقص الشرقي العربي حيث تقوم الراقصات باستعراض لحمهن!

وتطورالرقص في الغرب على ضوء هذا النمو الحضاري ليتحول إلى فنون الاستعراض المختلفة، كالأوبرا والمسرحيات الغنائية، وهنا نجد الأجسام وأحياناً شبه العارية ولكنها تتحول الى شموع مقدسة، وإلى شعر بشري مجسد، وإلى ذروة من الأخلاق والسمو بعرض الحكايات والقصائد والملاحم المتضافرة والموسيقى السيمفونية الراقية، وهنا على العكس لا يغدو الجسد الراقص إلا سبيلا للتطور الأخلاقى!

ليس للرقص معانيه الجمالية الرفيعة فحسب بل هو أيضاً وسيلة للتربية والعلاج النفسي، وكثير من عقد العرب الاجتماعية والنفسية ناتجة من عدم المشاركة في الرقص، وتغييب الاحتفالات الفرحة، بزيادة السعرات الحرارية في الجسم وتراكم الشحوم والضغوط والعقد النفسية وهيمنة الذكورية من جانب أوالأنوثة من جانب آخر، وعدم وجود الكهرباء الاجتماعية الخلاقة التي تصهر المجموع وتزيل الكثير من الحواجز و السرطانات الفكرية من داخله.

وهذه التربية المعادية للفتون الراقية هي التي جعلت العديد من العرب والمسلمين أثناء زياراتهم للغرب أو الشرق، يتوجهون لعلب الليل غير الصحية، وأماكن العروض المبتذلة، ويتركون المتاحف والمسارح الراقية والمراقص الفنية الجميلة!

من حق القضاة

لا أتصور إن القضاة في البحرين لديهم عداوة شخصية مع أي أب أو أي أم، فليست لديهم أية مصالح أو علاقات، للوقوف مع هذا الطرف أو ذاك، فهم طرف محايد.

ولا أتصور إن القضاة فى أي نظام ديني أو علماني يقومون بتأجيج النزاعات العائلية والخلافات الأسرية، أو يقفون مع الآباء ضد الأمهات، لأنهم من جنس الرجال المشابه، أوعلى العكس يقفون مع النساء لأنهم في ظل نظام حديث فلا بد أن يقفوا ضد الرجال لأنهم مسيطرون..

هذه الأمور لاتحدث مع القضاة في كل بلدان العالم، فهم يدرسون الوقائع في كل حادثة بصبر طويل، متتبعين الشهود وأقوالهم والمحامين بمرافعاتهم والإدعاء العام باتهاماته وأدلته.

والقضاة ليسوا منحازين لهذا الطرف أو ذاك، إلا حين تتضح الوقائع وتتركز الحقائق، وينجلي الغموض من الحادثة، ويُعرف من الجاني خاصة في المسائل الأسرية الشائكة والملبدة بالغيوم والأقوال والادعاءات الكثيرة.

ونحن نرى إنه حتى في المحاكم الأمريكية التي تمتلئ بها الصحف والأفلام إن القضاة قد ينحازون ضد الأب لأنه سكير، ومبذر لأموال الأسرة، بحيث تحصل الأم على حق حضانة أولادها.

وعلى العكس قد يتوجهون ضد الأم إذا ما كانت مهملة لأودها وبيتها، فيتوجه هؤلاء الأولاد إلي الرذيلة والأجرام الخ..

وما يساعد القضاة الأمريكيين هو نظام المحلفين الذين يقومون بدراسة وقائع القضية وحيثياتها، ويساعدون القضاة في أحكامهم التي تصير أكثر دقة وصواباً، خاصة مع إعادة النظر في هذه المحاكمات والاستئنافات الطويلة، فتقترب العدالة من الحقيقة الموضوعية للمتخاصمين.

ولهذا لا يبدو لى إن القضاة فى البحرين على خطأ إذا كنا لا نعرف الملابسات الكثيرة التى حكموا على أساسها، وليس من المعقول منذ البداية إن هناك دوافع قصدية مسبقة لديهم ضد طرف من الأطراف، وهذا الأمر المستبعد كلياً بالنسبة إلي، ولا شك إن هناك حيثيات كثيرة جعلتهم يتوصلون إلى هذا الحكم.

ولهذا لا أرى مجالاً للصراع الجنسي، الذكوري الإناثي، في مثل هذه القضية، أوالرجعى والتقدمى، هذه الدعاوى التى يزجها البعض بمناسبة أو بدون مناسبة، وهو لا يكاد يعرف وقائع أية قضية.

إن هناك أناسا يحبون أن يزجوا بمفردات كبيرة في مثل هذه الأمور، دون أن يطلع هؤلاء على الحيثيات، مستندين على خلفياتهم المُسبقة، وفي أن كل ما يفعله قضاة الشرع هو بالبداهة ضد حقوق المرأة.

وما أحرانا فى مثل هذه الأمور الملتبسة والمعقدة أن نعرف القضية بدقة وبشكل ملموس، وأن نسمع كافة الأطراف غير مكتفين بشهادة طرف واحد.

ولكن في مسألة الصحافة فإن الموقف يختلف، فالصحفي الذي يتوجه للمحاكم يسمع الأقوال التي أمامه وهو ينقلها، ومن حق الطرف الآخر أن يتقدم بأقواله، حتى تكتمل الصورة الموضوعية، فالصحفي ليس في مكان القضاة المدققين المثابرين على رصد وكشف الملابسات المعقدة للقضية، فهو يبحث عن كشف صور المجتمع بمختلف مظاهرها، فهو ليس قاضيا أو مربيا، أو هو فاتح مدرسة للتعليم، أوهو يقوم بالفصل بين المتنازعين، ولو أنه بطل البحث عن الإثارة والقضايا الساخنة لأغلق جريدته وفلس.

فإذا كانت الأم قد تقدمت باقوالها قبل الأب، أو أن الأب لم يتقدم باقواله، فليس معنى ذلك إن الصحافة اعتنقت قول الأم قلباً وقالباً، فهي تقدم (روايتها) فقط، ولا تقدم الحقيقة الأخيرة، وهي مستعدة كذلك لتقديم كافة (الروايات) عن الواقعة. فالصحافة تقدم القصص، ولا تقدم الحقائق المطلقة. وغالباً ما يظن الناسُ في مجتمعاتنا إن الصحافة تقدم الحقيقة، فيقولون (هذا كُتب في الصحافة) وكأنه كلام منزّل، وهو ليس كذلك، هو رواية لأحد الأطراف فقط.

فى الجدل الدائر حول الأحوال الشخصية

مناخات التصعيد في الحياة السياسية والفكرية البحرينية تتنامى والصراعات السياسية الكبيرة في المنطقة، لتغيير وجهها بعد زوال نظام صدام حسين.

كذلك حدثت انفجارات مروعة في السعودية لأول مرة فى تاريخها السياسي.

وفي إيران بلغ التأزم بين المحافظين والإصلاحيين نقطة اللاعودة، وظهرت نغمة بضرورة الحسم.

ويبدو ان هناك أناساً يريدون تفجر الوضع السياسي في البحرين، أو حرف مسار الإصلاح السياسي والاقتصادي نحو جوانب فيها خلق لمعسكرين متصادمين.

يذكرنا ذلك بمسلسل الألغام السياسية الذي أخذ يظهر بقوة ويتسع دون أن يعرف أحد لماذا، وأشير بذلك إلى :

قانون الصحافة، ثم أحداث شارع المعارض، والموقف من الحرب لتغيير العراق والمظاهرات التي صاحبته، ثم قانون الأحوال الشخصية، ثم الحديث المكثف والمفتعل عن الطائفية الأرستقراطية في الوزارات، ثم التحقيق مع رئيس اخبار الخليج..

أي هناك عملية لتفجر كل القضايا المحدودة وشحن الشارع بها.

ومن جهة أخرى نلاحظ ظاهرات أخرى حول البرلمان، كلها تتوجه إلى التقليل من فاعليته او هزيمة التجربة الديمقراطية البرعمية التي تتشكل عبر تحجيم دورها وحضورها، ابتداءً من دورالمجلس المنتخب مروراً بالمقاطعة حتى نثر الغبار الشخصي أو التشكيكي حولها.

والآن ظهرت كرة الثلج المسماة قانون الأحوال الشخصية.

وفي قراءة هادئة لإحدى المحاميات البحرينيات في أخبار الخليج وضحت القصور القانونى والحقوقي فى هذا القانون. ومثل هذه القراءة الهادئة هي التي نحتاج إليها في التعامل مع الظواهر بدلاً من التوجه إلى خلق معسكرين متصادمين بحدة.

هناك نقطة مهمة يطرحها رجال الدين الشيعة هي ان قوانين الأحوال الشخصية بين المذهبين السني والشيعي مختلفة، فلا يجوز تشكيل قانون موحد.

وفي الواقع أن هذه الصراعات تثبت أهمية أبعاد المذهبيات عن السياسة، وترك الناس يلجاون إلى قانون مدني في قضايا الأحوال الشخصية، ومن لا يعجبه القانون المدني، يذهب إلى رجال دينه، وجعل عدة خيارات أمام المواطن.

والمسألة تحتمل العديد من وجهات النظر والاحتمالات والاجتهادات، لكن تحويلها إلى صراع وعملية كسر عظام، لسحق (من تسول له نفسه التطاول على العقيدة والشرع) أو من جانب آخر (الهجوم على الرجعية في وكرها)..

انها لغة الخمسينيات وقد ظهرت في مجال الأحوال الشخصية، وقد تُركت المسائل المحورية في الحياة الاقتصادية والسياسية، وتفرغنا للصراع حول المطلقات والحضانة الخ..

ويمكن ملاحظة ان بعض الكتابات المشغولة دائماً بتفجر المشاحنات والصفوف قد وجدتها فرصة ذهبية، ويمكن من خلالها استشفاف اتجاهات الرياح.

ان صراع المحافظين والإصلاحيين في البحرين معقد ومتداخل، فيظهر المحافظون بصفتهم إصلاحيين، ويستعين المحافظون من هذا الاتجاه لضرب الإصلاح في الجانب الآخر، ويتصادم الاصلاحيون من شتى الأطراف وكذلك المحافظون وتضيع «طاسدة» الإصلاح الموجهة نحو الاقتصاد والسياسة.

ينبغي على المحافظين أن يلاحظوا ان العالم قد تغير كثيراً، ولم تعد الدول المحافظة والشمولية بقادرة على الحركة كثيراً، وإن الأفضل لهم مسايرة التطور والإصلاح والقبول بدورمحدود في هذا العصر، وإلا فإنهم سيتبخرون كما تبخر غيرهم.

عبـــــــدالله خلــــــــيفة : و

عبدالله خليفة

الفقه والدكتاتورية المنزلية

لعل المسلمين لا يحتاجون إلى مثل حروب أوروبا في انتقالها من سيطرة الكنيسة إلى النظام البرلماني المكتمل،لأنه لو حدث فسوف يحتاجون إلى ثلاثة قرون من الحروب الأهلية لكي يحدث الإصلاح الديني الممهد للإصلاح السياسي وللتحديث.

 فالمسلمون لم يعرفوا حكم الكنيسة، والآن فقط النظام الإيراني تورط في مسألة الحكم الديني ومن قبله النظام الطالباني البائد، ومن الحكمة عدم الانجرار في هذا السبيل المكلف والمحفوف بالمخاطر، وعدم تشجيع الجماعات والرموز الدينية على خوض هذا السبيل، أسوةٍ بالنتائج السلبية لحكم الكنيسة البابوية، والتي لم تنفك أنيابها عن الدول والشعوب إلا بثورات دينية وشعبية كثيرة وبحروب طاحنة بدءاً من البروتستانتية والكالفينية حتى الثورة الفرنسية التي أباحت قتل رجال الدين فقط لأنهم رجال دين!

 ولحسن الحظ فإن رجال الدين المسلمين في تاريخنا لم يتورطوا في هذا النهج، فلم تظهر حكومات دينية، بل كانت الحكومات السياسية – الدينية تستعين برجال الدين الموالين لكي يؤيدوا سياساتها، ولهذا فإن هؤلاء فقط يتحملون المسئولية الشخصية والجماعية.

 ولهذا فإن معضلة المسلمين الدكتاتورية تكمن في البيوت أكثر منها في نظام الدول حسب مسئولية الوعي الديني، فالدكتاتورية السياسية الحكومية مرفوضة لديهم عموماً، وإذا حدثت مغالاة في العقد الأخير لكن هذه المغالاة انقلبت وصار الجمهور يتحسس خطورة الحكم الديني المطلق، بل إن بعض كبار الرموز الدينية راح يطرح التوجيه الفكري والأخلاقي لرجال الدين للسلطة كحل أكثر مستقبلية من التدخل المباشر فيها، وهو حل أكثر تحدياً للقوى العلمانية.

 وتوجه رجال الدين لنقد السلطات السياسية الدكتاتورية أفضل بكثير من أن يكونوا جزءاً منها، أو على رأسها كما حدث للبابوية وكما يحدث في النظام الأيراني الآن؛ ومن هنا تغدو السلطة الدكتاتورية داخل المنازل، هي التحدي الكبير الذي يواجه المسلمين.

 ولتغيير العلاقة المنزلية بمختلف مستوياتها يحتاج الأمر إلى تطور اقتصادي وتطور ثقافي طويلين، فالإدارات الحكومية تريد تغيير العلاقات الأسرية بقرارات بيروقراطية، وهي تريد صياغة بعض أشكال المساواة بين الرجال والنساء، المجحفة بحق النساء عموماً، دون أن تشكل علاقات موضوعية اقتصادية واجتماعية وثقافية تؤسس لتلك المساواة المعلقة في الفراغ، فمن دون عمل واسع للنساء وأجور متساوية وتوسع للحضانات الجيدة والرخيصة وإزالة لهيمنة العمالة النسائية والذكورية الأجنبية، تغدو تلك المساواة وغيرها من الجوانب الإصلاحية مجرد إجراءات قسرية لا تستطيع أن تتجذر في أرض الواقع.

 ومن هنا يتطلب ذلك فقها مواكباً للإصلاح السياسي يجمع بين تطور الحريات وتطور الأخلاق؛ بين خلق ثورة عمل وفكر لدى النساء وبين تغيير بعض الأحكام المتشددة بشأن الزواج والأسرة عموماً .

 إن الفقه المحافظ يتصور أن أي حريات للنساء معناها خراب الأسر والأخلاق؛ ولكن أي تخلف وجهل وتبعية للنساء سيكون لها أثر أسوأ على الأخلاق من الخروج للأعمال الصناعية الكبرى، لأن الفضائل تأتي بمواجهة الشرور وتكوين دخل جيد وبحالة من الاستقلال، وليس الانكفاء في الشرانق.

 إن الفقه الإسلامي المعاصر بجمعه بين التحديث المستمر وتغيير طابع العائلة المنغلقة والمتخلفة والكثيرة العدد والأمية والمليئة بالعاطلين، إلى أسرة إسلامية صغيرة ومثقفة وعاملة ومتحررة، يمكن أن يواجه كافة التحديات التي تواجه العالم العربي أو الإسلامي، في عصر شديد التطور والصعوبات .

 والعائلة المتطورة ذاتها هي السند لتغيير الأنظمة السياسية الاستبدادية.

عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الفقه والدكتاتورية المنزلية

عبدالله خليفة

تعدد الزوجات والحرية

نشأ الفقه الإسلامي في زمن نهضوي ولكنه محدود بمهمات قيادة العرب للتحول السياسي والاجتماعي الكبير في المنطقة، فكانت قيادة الإسلام لتحولهم الحضاري من داخل ظروفهم البدوية المتخلفة، مسألة شائكة وصعبة، ومع هذا تم إنجاز الكثير في هذه العملية المركبة.

 ولهذا نجد العلاقة المحورية بين الرجل والمرأة وهما قطبا العملية التاريخية، تتلون بهذه الظروف التحولية الصعبة والملحمية كذلك، فجاء تقنين هذه العلاقة في الزواج، وفي ظروف سيادة الرجال المطلقة، والرجال هم قادة ومادة التحول السياسي والعسكري والاقتصادي، وحاول الإسلام تقنين هذه العلاقة في ضوء مشروعه لتحرير المنطقة من القوى الأجنبية، وفي ظل محدودية أعداد العرب قياساً بإعداد الأمم التي ستحكم أو التي حكمت فيما بعد.

 من هنا كان لابد من أخذ جانبين: الأول هيمنة القبائل العربية في عملية التغيير هذه، والثاني هو التقليل من الطابع المطلق لسيطرة الرجال في الجاهلية، ولكن مع ضرورة تكاثر العرب السلالي لحكم هذه المنطقة الشاسعة.

 فنرى أن التقنين هنا يعكس المهمات التحولية للعرب، وأنماط الزواج ترتبط بهذه الضرورة التاريخية، فأدركت مدارس الفقه الاجتهادي هذه الضرورة وإن كان الأمر بشكل حدسي.

 أي أنها لم تقنن العلاقة بين الرجل والمرأة، في علاقتهما الزوجية، بشكل فكري وفقهي واضح، بأن هذه العلاقة يجب أن تخدم تطور الأمة وتحررها، وأنها ليست علاقة شهوات محضة، وإنها ليست إنتاجاً للأطفال من دون رؤية مصالح الأمة.

 عبر استخلاص هذه العلة المحورية، وهي علة تنطبق على العديد من التشريعات الدينية الأخرى، يمكننا أن نضع مسألة تعدد الزوجات في مثل هذا الإطار، فهل هذه العلاقة تصبُ في خدمة تطور الجماعة، أم هي عائق لتطورهم، وقراءة مثل هذه العلاقة مرتبطة بالظروف التاريخية التي تمرُ بها الجماعة، فإذا كانت خارجة من حرب فُقد فيها الكثير من الرجال، هي غير حالتها وهي في حالة سلم وهناك كثافة للرجال، حالتها كما هي حالتها الآن كثيرة الأعداد، قليلة الخدمات، تنتجُ من الأطفال زيادة عن الحاجة، ويقود هذا الإنتاج الزائد للأطفال إلى الكثير من التخلف لهم، وإلى تخلف الأمة أو الشعب، الذي تحدث فيه مثل هذه الظاهرة.

 فيغدو التشدد على تعدد الزوجات في بلد كثيف السكان غيره في بلد محدود السكان. فيجب أن لا نأخذ القضية خارج ظروف الزمان والمكان، ونصيغ حكماً جاهزاً يطبق على كل الحالات، فحتى في ظل الأوضاع الأسرية و الفردية المختلفة تظهر أحكام مختلفة وتظهر حالات خاصة.

 لكن إنتاج عائلة عربية محدودة الأفراد صار قضية متعلقة بالتقدم، حيث تغدو مثل هذه العائلة هي اللبنة التي يمكن عبرها أن تتشكل جماعة أقوى، فالتركيز على النوعية وليس على الكم سواء في الزوجات أو فى الأطفال.

 إن فقهاً يستخلص العلل التحررية والنهضوية لتقدم المسلمين الأوائل لا بد أن يطبقها على ظروف جديدة مختلفة، من أجل أن لا تكون العملية الفقهية نتاج المشابهات الخارجية، أو أن تُجعل النصوص هي التي يجب أن يخدمها البشر بدلاً من أن تكون العملية معاكسة، فيزدهر فهم النصوص واحترامها.

 ومن هنا فإن كل قاض اجتهادي سوف يأخذ روح النصوص والأحكام السابقة، ويرى مدى ضرر أو نفع التعددية الزوجية، وهل هي نتاج عوامل ذاتية أنانية أم هي لضرورات حقيقية ؟

 والفقه الاجتهادي سوف يأخذ وضع البلد السياسي والاقتصادي إذا أراد أن يصيغ أحكاماً عامة، أو قوانين ملزمة تعلو على الأشخاص وتحكمهم، تراعي تطور الرجال والنساء، لتشكيل علاقة صحية تقوي تقدم الناس.

عبـــــــدالله خلــــــــيفة : تعدد الزوجات والحرية

 

عبدالله خليفة

المرأة بين السلبية والمبادرة

ليس هناك فرق سياسي بين (جنس) المرأة والرجل، فلا تغدو الأنوثة أو الذكورة ميزة، بل ما يحدد الفرق هو نوع الوعي الذي يحمله كل منهما، ولهذا فإن لا ميزة لدخول النساء أو الرجال إلى البرلمان، بل الميزة هي فيما يضيفه كل منهما إلى قائمة العمل الوطني والتراكم الديمقراطي!

 ولهذا فإن هؤلاء اللواتي يعتقدن فقط كونهن من النساء يعطيهن أفضلية في العمل السياسي، أو أنه بساط الريح الموصل إلى كراسي المجلس المنتخب، فإن ذلك من الأوهام التي يكرسها المجتمع المخملي.

 فلا كتب الطبخ الزاهية التي يؤلفنها ولا أحاديث الصالونات ولا الاشتراك في مجلات الموضة والفساتين والعطور، هي ما يجعلهن ذواتاً سياسية متصدرة بل ما يكرس حضورهن هو نشاطهن السياسي النضالي في صفوف الناس دفاعاً عن العاطلين والفقراء والمدن المختنقة بالتلوث والفساد!

 ولهذا فإن انتظارهن للفرصة الذهبية قبيل الانتخابات للظهور بآخر التسريحات هو مضيعة وقت، ولا علاقة له بالنشاط البرلماني، إذا لم يبدأن الركض السياسي منذ الأن، وما دامت العقبات الذكورية الدكتاتورية، تضع لهن شتى الحواجز الكبيرة متحدية سمنتهن السياسية المترهلة منذ عصر الحريم.

 ولأن وجود المرأة المرشحة ليس ميزة بحد ذاته، فإن حضور المرأة الكفاحي مثلها مثل الرجل، هو الذي يعطيها تلك الميزة، أي نشاطها الذي لا يتوقف، ولا يرتبط بمواسم انتخابية وإعلانية وتجارية، بل يرتبط بوجود قضايا نذرن أنفسهن لحلها، وبوجود أهداف يسعين للوصول إليها، بغض النظر عن العقبات الماراثونية التي يضعها الوعي الذكوري الاستبدادي، لسيادته في المنزل والشارع والمجلس، وفي التاريخ المكتوب كله!

 ومن هنا فإن هذا الحضور النضالي عبر الزمن السابق والراهن واللاحق هو وحده الذي يمكن أن يؤهلهن ليكن عضوات يعتمد عليهن الناس في الصراع من أجل برلمان متقدم، يقدم العمل والتعليم الحقيقي والطب الحقيقي والهواء النقى للمواطن.

 وعليه فإن العملية الانتخابية يفترض أن تكون موجودة منذ زمن بعيد، في هذا الحضور النسائي للدفاع عن قضايا البيئة والسلع غير المغشوشة وضد الأجور الهابطة دوماً، وضد التمييز ضد المرأة والتي يقوم بعض النسوة للتصدي لها فعلاً.

 لكن المعارك الانتخابية تحتاج إلى أكثر من هذه الأشغال الإصلاحية الصغيرة، تريد نضالاً سياسياً وسط الجمهور، تحتاج إلى الوصول إلى الحارات الفقيرة، ومعرفة دسائس المرتشين وحرامية المال العام الذين يريدون القفز على كراسي المجلس المنتخب منذ الآن، عليهن الوصول إلى النساء داخل بيوتهن والحديث معهن عن حقوقهن الضائعة، وأن يذهبن إلى مجالس الرجال ويقدمن جدولاً إصلاحياً ومسودات قوانين ضد الرشوة والإسكان السياسي، ومن أجل رفع الأجور وتطوير التعليم وتنظيف الحارات من المخدرات، والفقر والمطبات.

 عليهن ألا ينتظرن وقت المعركة ولا إعلان النتائج بل أن يكون العمل لتغيير حياة الناس يسري في دمائهن، وعروقهن السياسية الوطنية، ويمكنك أن تناضلي في البرادة، والشارع والندوة، والجريدة، ومع الصديقات والمعارف والأهل، وإذا كانت لك قضية فإن الكرسي ليس مهماً بل هو وسيلة للوصول الرسمي لصياغة القرارات وتغيير القوانين، ويمكنك أن تعملي على تغيير هذه القوانين داخل وخارج البرلمان، مع أطفالك وجاراتك، وإذا كان ذلك موجوداً فإن النساء والرجال سوف يرفعونك إلى أن تواصلي المعركة داخل المجلس المنتخب.

 إن الاعتماد على التيارات الأصلاحية وشق الطريق الشخصي – الموضوعي داخلها، برجالها ونسائها، هو الذي يؤهل الإنسان لأن يكون مُشرعاً .

عبـــــــدالله خلــــــــيفة : المرأة بين السلبية والمبادرة

 

عبدالله خليفة

العائلة والديمقراطية

لماذا يساند الكثير من رجال الدين الاستبداد الذكوري ؟ هل لأنهم فقط رجال يناصرون جنسهم أم أن المسألة أبعد من ذلك ؟

في حين أن الوعي الإنساني سواء تجلى في الدين أم في الفكر الحديث يجب أن ينظر بمسئولية وعدالة للعلاقات البشرية.

فهذه الاغلبية للأسف من الوعي الديني أم حتى من الوعي السياسي السائد، تركز على قمع النساء، وليس قمع شهوات الرجال واحتكارهم لثروة المنازل وقرارات التصرف فيها، وفي مظاهر شديدة الوضوح لا تحتاج إلى بيانات مثل كثرة أسفار الرجال إلى بلدان المتع، وترك زوجاتهم وعيالهم في ضيق مادي شديد في حين يقومون هم بالتمتع!

وهي حشود تشد الرحال يومياً بلا رقيب من فتوى ولا حساب من ضمير!

ودعك عنك هذه السهرات الذكورية الحاشدة في كل مكان، وهي تنفق من طعام العيال، وفي أثناء ذلك يجري التضديق على النساء، وعدم السماح لهن بالخروج، أو بالاشتراك في أنشطة مفيدة، وتحدثنى فتاة مثقفة ذات أخلاق رفيعة، بأن والدها يطاردها مطاردة شرسة لأنها تقرأ الكتب، وهي تكتب مقالات في الفكر بصورة سرية، وتطالع بالستر وكأنها ترتكب جريمة خطيرة، وهي تشتغل في عمل بسيط جداً ومرهق كثيراً وتعطي الأجر للأب!

وقد تمكن هذا (الأب) بجدارة من إخراس صوت ابنته وحبها للكتب والكتابة!

يركز الوعي الديني والذكوري الاستبدادي على قمع النساء ليخلو له الجو المنزلي للسيطرة، وسبب ذلك يكمن أولاً في خوف غريزي لدى هذا الوعي من (الخطيئة) فقد تراكمت في مخازنه العتيقة الكثير من العقد والخرافات عن المرأة، فهي المخلوق الشهواني، والماكر، والمتخلف والدنيء، ومن هنا ظهرت الحية كرمز مادي لهذا المخلوق، الأملس الملتف والمليء بالسم ولا بد من السيطرة على هذا المخلوق المشبوه، وعدم السماح له بإظهار غرائزه، ولا بد من قمعه بشتى الأشكال المادية كاللباس أو المعنوية كاستخدام الدين وتمويهه بهيمنة ذكورية متوارية وعميقة ومشحونة بالمقدس.

ولكن المسألة لا تعود للمقدس والدين بل تعود لرغبة الذكور في العائلة بالسيطرة على النساء واستنزاف أعمالهن وحياتهن، عبر امتصاص مجهود العمل تارة وعبر الزواج تارةٍ أخرى.

لتنقل المرأة من سادة متعددين في بيت الآب إلى سيد مطلق في بيت الزوج!

وهذا المخلوق (الضعيف) المدرب على الهوان منذ صغره، محاط برجالٍ من آباء وإخوة يقومون بدور وزارة الداخلية، فهم شديدو القمع للسجينات بينما لهم كل الحق في ممارسة حرياتهم وربما الاعتداء واستغلال بنات العائلات الأخرى.

ولكن في حين يفشل هؤلاء الأقوياء في دراساتهم ويكررون الرسوب بسبب السيادة الذكورية الاستبدادية التي تعطي طبقة السادة الأحرار كل الحقوق وتحرم النسوة الأماء كل حق، فتظهر قدرات الفتيات في الدراسة والتفوق لكن بعد ذلك يأتي الزوج ليواصل دورة القمع وتحويل المرأة الذكية إلى عاملة مغروزة في الطبخ والكنس والعيال فتزول ومضات الحرية والتألق التي حصلت عليها فى زمن التلمذة.

والأهل يسرعون في تزويج المخلوقة الذكية حتى لا تزدهر ومضات هذا الإبداع والتألق وتتحول إلى كائن ذي قيمة ومكانة.

وتنقل المرأة المحبطة، والتي تمكن هذا الوعي من تدميرها، كل هذه العقد والهزائم إلى أبنائها فيظهرون ككائنات مشوهة أخرى، تنقل إليها كلُ عقد الآباء والأمهات.

بهذا كله فإن الوعي الذكوري والديني الشمولي تمكن من خلق عائلة مريضة، ونقل الاستبداد السياسي العام إلى داخل المنزل، وجعل من جمهور النساء غير قادر على النضال الديمقراطي والمساهمة فيه، وجعلهن مجرد قطيع يصوت للسيد المسيطر في أي اتجاه يراه.

عبـــــــدالله خلــــــــيفة : العائلة والديمقراطية

 

عبدالله خليفة

النساء والانتخابات

مثل بقية القوى الجماهيرية العاملة والمالكة المقصاة من الحضور الانتخابي كالعمال والتجار، فإن النساء يواجهن معضلة الوجود داخل الحياة السياسية.

 إن كل هذه القوى الحديثة تمتلك أسباباً خاصة لعدم التواجد المستقل، ولهذا فإن النساء هن أكثر هذه القوى غياباً، وأكثر القوى المدفوعة رسمياً للتواجد والنجاح.

 فإن الحالة السياسية الانتخابية والتحولية جرت في أحضان القوى التقليدية، وُوجهت بعمليات فوقية رسمية من أجل التحديث، فكان من المستحيل أن تكون النساء قادرات على الحضور السياسي في ظل انعدام النشاط الكفاحي لهن خلال عقود إلا من قوى نخبوية نسائية مضحية كحال قوى اليسار والتجار الديمقراطيين، وقد تصدت المؤسسات المذهبية التقليدية للسيطرة على الحياة السياسية تدريجياً خلال تلك العقود مع ذلك التركيز على القضاء على القوى الديمقراطية الحديثة.

 ولهذا كانت الخطابات الدينية خطابات تنتمي لعصر الأقطاع خلال الألف سنة السابقة؛ وهي خطابات ركزت على قانونية البناء الاجتماعي الذكوري الشمولي المسيطر على النساء، الذي كان بدوره الوليد النهضوي لعصر الإسلام التاسيسي، فكانت الايجابيات المقدمة للنساء في تلك الفترة الإسلامية التأسيسية قفزة على المجتمع الجاهلي، التي تجرعها الرجال المسيطرون الأغنياء بغصص، من حيث تحديد عدد الزوجات واشتراط العدالة وإدخال المرأة في الإرث المغيبة عنه كلياً في السابق إضافة إلى الحضور النسائي السياسي والمشاركة في حروب الفتوح، إضافة إلى الديمقراطية في الاجابة على أسئلة النساء في زمن الوحي الإلهي وعلى اعتراضاتهن ومطالبيهن الخ..

 إن كل هذا يبين الطابع الديمقراطي الإسلامي في التعامل مع النساء فى فترة التأسيسي. إن ما قدمه الإسلام التأسيسي للمرأة قياساً لعصر الأمية والجهل والبداوة الكاسحة كان كبيراً، ولكنه تاريخي، مثل العديد من الأحكام الكبرى التي مثلت نقلة عظيمة للأمة العربية طليعة الأمم الإسلامية في التكون. ولكن مكاسب القوى الشعبية خاصة النساء لم تتجذر بعد ذلك؛ بسبب سيطرة قوى كبار الأغنياء مجدداً فهزمت القوى الشعبية خلافاً لإرادة القرآن « كي لا تكون دولة بين الأغنياء منكم »، الحشر، آية ٧.

إن حروب الفتوح وضخامة الثروات التي انهالت على الرجال المسيطرين ونشوء دول الاستبداد كانت حاجة الأمة العربية الصغيرة الفاتحة (أربعة ملايين) بين أمم بعشرات الملايين هي التي استوجبت تعدد الزوجات وكثرة التناسل إن كل هذه الظروف أدت إلى تدهور مكانة النساء، وإلى ظهور فقه شكلاني، ركن على الفهم النصوصي لآيات القرآن، رافضاً الرؤية التاريخية والمضمون، وقافزاً على آيات كثيرة كبرى عن الدولة الشعبية وكيفية تطورها.

 وهكذا قام تجارُ الرقيق بالاستيلاء على أرادة الأمة، وشل فاعليتها، وصار تضخيم الأسرة العددي، وإخفاء النساء وشل عمليات النهضة العقلية، والاقتصادية هي النتائج السيئة لسيطرتهم على الأمم الإسلامية وتقديمها لقمة سائغة لقوى الغزو والسيطرة الأجنبية.

 وعلى الرغم من أن مياه النهضة قد جرت تحت أرجل القوى التقليدية، إلا أنها لم تفهم أهمية إعادة النظر الجذرية في التراث السلبي للحقب الماضية، فالاقتصاد لم يتغير كثيراً، وفي دول الخليج تضاعفت عوامل أخرى لضرب حضور النساء ككثافة وجود العمالة الأجنبية وضخامة تراث الكسل والتصحر.

 وفى ضوء ذلك تم دفع الحركة النسائية النهضوية الطليعية من أجل أن يكون لها حضور في العملية السياسية، وأن لا تكون القوى التقليدية الذكورية مهيمنة على الحياة السياسية.

 لكن وككل العمليات التحولية السياسية أخذ ذلك طابع المرحلة بصراعاتها ومستوى تطور القوى الاجتماعية، وكون التغييرات تجري من فوق، ولا توجد قوى شعبية نهضوية كبيرة مساندة لها، بعكس المراحل السابقة حين كان الزخم من الأسفل وتغيب بل تعارض قوى المؤسسات الحكومية!

إن طابع إدخال النساء اتخذ ما هو ممكن من وجودهن الاجتماعى، أي ما هو متوافر من نساء العمل الاجتماعي والتطوعي اللاتي برزن خلال السنوات الأخيرة، وهن قطاع بسيط من النساء، ولا يمتلكن أي منظمات شعبية واسعة، أو روابط سكانية قوية، كما لا تتوافر لهن بالتالي خبرات سياسية بين الجمهور الواسع.

 والخبرات بين الجمهور الواسع المسيس تتطلب الحضور المذهبي السياسي، ولكن هذا الحضور هو في حد ذاته واقع تحت سيطرة القوى المذهبية التقليدية وهذه القوى نتاج ضمور الخطاب الإسلامي النضالي التحديثي.

 فمن جهة هناك قوة سياسية حكومية تعمل لصعود النساء السياسي، تمثلت في (المجلس الأعلى للمرأة) لها مصطلحاتها وإجراءاتها ودعاياتها لأدخال النساء في حيز المشاركة، ومن جهة اخرى هناك القوى التقليدية المتعددة التي لها مواقف متباينة من هذا المشروع، الواضح منها هو السيطرة الذكورية الكاسحة على الترشيحات وإخلاء المجلس المنتخب للمرة الثانية من النساء.

 ويبدو الأمر أشبه بصراع ديكوري أكثر منه معركة لتفعيل إرادة النساء السياسية، فالصراع نتاج حقبة أولية للتغيرات السياسية، كان تاريخها السابق هو سيطرة تقليدية شبه كلية على الساحتين الفكرية والسياسية، ففى الأولى لم ينشأ فقه ديمقراطي يعيد النظر في المقولات المتكلسة ويحدثها، وهو أمر مستحيل في ظل كون الفقهاء التقليديين نتاج أزمة الوعي الديني، ولكن هذا الوعي المتخلف عليه من جهة أخرى كما يفترض المشروع السياسي العفوي، أن يقود المرحلة الديمقراطية الحديثة.

 هكذا فإن المجلس الأعلى للمرأة دفع من يمكن دفعه من النساء اللواتي هن وليدات العفوية السياسية والمصادفات، مع دعمهن بكل الوسائل الممكنة، لكي يظهر للنساء حضور ونجاح كذلك.

 إن هؤلاء النسوة منقطعات عن البحر الشعبي بمن فيه من نساء عاديات خاصة، وهؤلاء النساء العاديات مقيدات في إرادتهن البيتية وعاجزات عن تقرير مصائر أطفالهن وعقود زواجهن، معزولات عن الوعي لقرون، لكن يُرجى منهن أن يساهمن في قيادة التشريع في البلد.

 إن التناقض ليس له حل راهن، وتشكل خطوة المجلس خطوة مضيئة نبيلة ولكنها فردية ونخبوية، وكأي خطوة نخبوية تتسم بطابع المغامرة والمجازفة، رغم أن خطوات المجلس في هذه الدورة الانتخابية أكثر اتساعاً وشعبية وبرمجة من الدورة الأولى.

 إن النساء المتقدمات الآن بحاجة إلى الارتباط بالتيارات التحديثية وفك عزلتهن الفكرية والسياسية والاجتماعية، ولا يجب حفظ القاموس السياسي لهذه التيارات فحسب بل أن يتشربنها في وعيهن ونفوسهن، بأن يطرحن هموم الشعب الساخنة، بلغة بسيطة، شجاعة، وأن يجذبن النساء بالدفاع عن حريتهن وتكافؤهن الأخوي اللاعدائي مع الرجال ويعلن حقوقهن كافة في مؤسسة الأسرة، لخلق أسرة فاضلة منتجة واعية، وأن يناضلن كذلك مع الرجال ضد الفساد والفقر وغياب التخطيط الاقتصادي الوطني.

 ليس هناك نساء ورجال بل قدرات وطنية للكفاح لتغيير ظروف سيئة ولن يقتنع الناخبون إلا حين تجلجل المرأة بصوتها وتحدد نواحي التشريع المفصلية التي هي بحاجة إلى تغيير.

 وهذه اللحظة الأولية من الصراع السياسي ستقدم مادة للسنوات الأخرى وتوجد تراكماً وصلات بين النخبة النسائية الواعدة سياسياً ببحر النساء المحلي والبشري عامة.

عبـــــــدالله خلــــــــيفة : النساء والانتخابات

 

النساء وضعف الخبرة السياسية

مثل العاملين تتعرض النساء لخداع العالم الذكوري السياسي المسيطر الماكر، وينطلي على بعضهن ذلك بسهولة، نظراً لفقدان الخبرة السياسية، وعدم التعرض لمحن السجون والتنظيمات والحُكم بذات الاتساع الذي يتعرض له الرجال.

وتعيش أغلبُ السياسيات النسائيات في عالم تقليدي، أما أن يكون شديد الحموضة أو وردياً خلاباً.

إن ضعف التفكير الجدلي، وغياب التفحص في التناقضات للمنظمات السياسية التي يسيطر عليها الذكور المحافظون غالباً، والمظلة الدينية التقليدية التي تظلل رؤوسهن، وعالم السحر الذي يؤمن به بقوة، كل هذه تمنع أن يزحن سيطرة الرجال التقليدين عن أفقهن السياسي.

ومن هنا فإن إيمانهن بالدجل الديني والقومي يكون كبيراً، فرغم أن أغلبية العالم الحديث قد أعلنت قطيعتها مع الأنظمة والتنظيمات الشمولية والدينية الشرقية نظراً لسوء دور هذه الأنظمة ليس فقط في غياب الديمقراطية ورفضها للوطنية والعقلانية بل كذلك لدورها في استغلال النساء الجنسي بدرجة أساسية، إلا أن هؤلاء النسوة لهن حب جارف لهذه الشبكة العنكبوتية من المتخلفين العاجزين حتى عن اللحاق بأنظمة الاستغلال السيئة الغربية أو عن فهم عظمة الإسلام.

لكن هذا ليس عجيباً إذا عرفنا أن الأنظمة الشرقية ابعدت النساء طويلاً عن ميادين العمل الإنتاجية، منذ أن كن رقيقاً وجوارٍ وربات بيوت ممنوعات من الخروج ومتخصصات في المطابخ والأسرة ورواية الخرافات للأطفال.

وحتى عندما جاءت التجاربُ الحديثة والتأثراتُ بالحداثة فإن التنظيمات والدول السياسية الشرقية لم تعترف بالنساء مشاركات في هذه التجارب، وعرقلتْ دخولهن إلى ميدان السياسة طويلاً، لأن هذا الميدان يكشفُ للنساء المعسكرات الاجتماعية بدقة ويدخلهن حومة الصراع من أجل حقوقهن المغتصبة على مدى القرون.

كانت التنظيماتُ الذكورية السياسية المحافظة عموماً تحول الصراع مع السلطات الاستعمارية والتابعة كصراعٍ مجرد، كانت كلمات مثل(الحرية الوطنية)، و(سقوط الاستعمار)، و(سيادة الشعب أو الأمة)، شعارات عامة، كأن لا دخل لها بخروج المرأة للعمل، أو منع الزواج والطلاق التعسفيين، شعارات ظلت بعيدة عن مطبخ المرأة الذي تحترق فيه وتملأ الغازات دواخلها وتجعلها الولادات المستمرة كائناً لا وجود له في الوقت الذي تصنعُ فيه الوجود.

وعندما تجسدت بعضُ الأنظمة الوطنية العربية وحققت للنساء بعضاً من المكاسب المحدودة، وخلقتْ بعضَ القوميات والرائدات، كانت أغلبية النساء في جهل وأمية، وحين عصفت الزوابعُ بهذه الأنظمة نظراً لعدم جذريتها في التغيير الاجتماعي، وخاصة ما تعلق بالنساء والعاملين، جاءت أنظمة دينية اسوأ، وحتى بعض الحريات التي حققتها النساء في الزمان القومي التحرري، جرى اختطافها من قبل الدينيين المعادين بقوة لعالم المرأة الحر.

ليس لشيء سوى أن آلة الدولة الدينية أكثر استغلالاً وأقل حداثة.

وقد أصيبت نسوة بخيبة أمل حين لم تدافع بعض القيادات الدينية عن حقوقهن، نظراً لتخلف هذه القيادات عن فهم الإسلام والعصر، وطالبتهن بالخضوع للقوانين المتخلفة المتعلقة بالزواج والإرث وحقوق الأسرة عامة، واتضح أن هذه القيادات لا تختلف عن قيادات الدول الرجعية.

وينطبق على هؤلاء النسوة ما ينطبق على الرجال الحداثيين غير المطلعين على تاريخ أمتهم، فهم يريدون الايجابي المنجز المستورد من الغرب، وليس الذي يناضلون له داخل واقعهم الإسلامي العربي الخاص، أي أن عليهم أن يقاموا المحافظين في السلطتين السياسية والدينية، بكافة المنجزات التي تحققت في النصوص والتجارب العربية والعالمية، ويشقوا لهم طريقهم الحر الخاص.

فغلبة المحافظين عليهم تأتي من توظيفهم نصوص الدين التي يجعلونها قيوداً للمسلمين ويأولونها كيفما شاءت مصالحهم، وليس في مسارها الموضوعي.

تشعر أغلبية النسوة السياسات بالتضاد مع أحكام الدين كما يترجمها المحافظون، الذين يمسكون سلطة تفسير النصوص، وأقلية من النسوة لا تحس بذلك خاصة في مجال السياسة العامة، فالمحافظون يظهرون هنا في هذا المجال المجرد بأنهم قيادات حرية وطنية، لكن ما نفع أوطان حرة ونساؤها مستعبدات؟

أليس تخلف النساء والجور عليهن وإنتاجهن أطفالاً معوقين حضارياً هو فتح الباب مجدداً للسيطرة الخارجية والداخلية؟

لا تستقيم الحرية في الشارع وتـُمنع في البيوت.

عبـــــــدالله خلــــــــيفة : النساء وضعف الخبرة السياسية

كلمات الاغلفة        

نضال النساء في البحرين

أتاح نظام الإنتاج التقليدي في الخليج والجزيرة العربية إمكانيات متعددة لكي تشارك النساء في العمل، وكانت الحياة البدوية تتطلبُ قيامَ النساءِ بأعمالٍ كثيرة، ولم تكن البيوت سوى خيام وكانت الحياة الاجتماعية إنتقالية.

ولم تتأسس الهيمنة الذكورية المتشددة إلا في القرى والمدن، التي عرفتْ حياةً إجتماعية محافظة مستقرة طويلة، وخاصة في بيوت الفئات الوسطى والغنية.

وأعطى نظامُ الغوصِ كنظامٍ فريد من الإنتاج البشري أربعة شهور لكي تقوم النساء بدور التحكم الواسع في الحياة العملية الضرورية. فالمرأةُ بالإضافةِ إلى إشرافِها على المنزل، تقومُ بمهمام العمل الضرورية من إستكمال مهام الزرع والصيد والأعمال البحرية، وحين يأتي الرجال من موسم الغوص تعود النساء لأعمال البيوت.

وفي مجال الفنون الشعبية ذات الأهمية الجماهيرية قامت النساءُ بدورٍ بارز.

لم تجرِ دراساتٌ محددةٌ بهذا الشأن فهذا نمط عام، لكن من المؤكد بأن النقصَ الكبير في قوة العمل الإجتماعية لغياب الرجال والشباب، يستدعي إنتشار العمل النسائي، ولكن كان هذا نمطاً عاماً عبر التاريخ، وما الغوص سوى ظرف إستثنائي، ثم أنه لا يلغي هيمنة الرجال على النساء، ولا يزيل ظروف الإستغلال والسيطرة، وهي نمط ضروري لقرون، بسبب تقسيم العمل ونظام المُلكية، ويمكن أن تنشأ فيه كذلك علاقاتٌ طيبة بين الرجال والنساء، حسب طبيعة كل أسرة ومواقف أفرادها، ويغدو شكلاً من أشكال الحماية الإجتماعية حيناً وشكلاً للهيمنة والأنانية حيناً آخر، قوة بناء للأفراد أو نسيجاً مهلهلاً للآفات.

لكن إنهيار نظام الغوص الذي سبب تراجع مكانة النساء عامة ونساء الريف خاصة، ترافق مع تنامي السيطرة البريطانية التي عوضتْ بعضَ الشيء في مجال حقوق النساء، فهي سيطرةٌ مدنيةٌ بحاجةٍ إلى تطورٍ للتعليم وللخدمات المختلفة، وهذه تحتاج إلى حضور النساء في المدن خاصة.

بدأ التعليم الذكوري أولاً وأخذ يتوسع ومنذ سنة 1928 ظهرت أول مدرسة للبنات، مقتصرةً لحد الصف السادس الإبتدائي الذي كان ذا قوة تعليمية كبيرة، ومن خريجاته ظهرت قيادات نسائية.

وقد ترافق مع هذا نشؤُ فئاتٍ وسطى من التجارة فظهرت نزعةٌ ليبرالية دعمتْ هذا التحرر المحدود لنساء المدن. فكان تنامي أعداد النساء في التعليم يترافق مع ظهور الأندية وهي التجمعات الفكرية الاجتماعية المحدودة المسموح بها وقتذاك، مع بعض الحرية الصحفية الأكثر محدودية والتي تقدمُ بعضَ متنفساتِ الحرية الشخصية وليست الاجتماعية والسياسية للعائلة المتوسطة.

كان طابعُ الموادِ الأدبية والمنزلية المقدمة في التعليم، وإستمرارُ العائلةِ الأبوية التقليدية، وديمومةُ قوانين الفقه القديمة، وضعفُ حركة التحرر الوطني المحلية، لا تجعل من الممكن تطور وعي النساء الديمقراطي بسهولة، وعلى العكس فإن حركةَ التحرر الوطني تشكلتْ من خلال رؤى فكريةٍ ذكورية تقليدية غالبة، وكانت المجابهةُ مع الإستعمارِ تُعمَّم حتى في مجالِ رفض الديمقراطية الغربية، فتجعلُ الصراعَ مع الراهن المتخلف بصورةٍ سياسية شعارية تختزلُ الحريةَ الوطنية في حريةِ الذكور، مما إنعكس على تخلفِ حركة التحرر هذه وضخامة الشمولية الذكورية داخلها.

ولهذا فإن الأنواعَ الفكريةَ والأدبية التي نشأتْ بخفوتٍ منذ الأربعينيات لم تشهدْ حضوراً نسائياً، إلا بشكلٍ فردي إستثنائي في الخمسينيات ولم يكن لها تأثير لطبيعة المستوى وغياب التواصل. لكن تنامي حركة التحرر وجذبها لأغلبيةِ السكانِ فكك العديدَ من الأسوار الإجتماعية في المدن، لينتظر الريف الوقت الراهن ليقوم بتحرره الإجتماعي الواسع.

كانت الحياةُ التحديثيةُ التي شكلها الإنكليز هي بحدِ ذاتِها تخلقُ حرياتٍ موضوعية في البلد، كتنامي الإهتمام بالصحة ومقاومة الأمراض التي أدت إلى ظهور مهنة التمريض النسائية، وإلى إنتشار الأسواق الحديثة والاهتمام بالأزياء المعاصرة، وإلى ظهور دور السينما التي خصصتْ يومين للنساء، وكان ذلك مظهراً إنفصالياً لكنه كان مؤثراً في نشر الاهتمام بالفنون والثقافة لدى النساء والعائلات بشكل عام.

بصعوبةٍ كبيرة تنامتْ عناصرُ الحرية الاجتماعية والسياسية في حياة النساء البحرينيات،  لقد أعطى التعليمُ بعضَ الحراك الاجتماعي للنساء عبر المعرفة، وبدأت الحياة السياسية تدفع مجموعات صغيرة من النساء للمشاركة سواء في التصويت في إنتخابات الخمسينيات أم في مظاهراتها، ثم حلتْ فترةٌ من الجمود الإجتماعي بين الخمسينيات والستينيات، كان يجري فيها حراكٌ متوار، وسادت الأعمال ذات (الطابع الخيري).

لقد نشطّتْ الفئاتُ الحديثة والمنظماتُ السياسية السريةُ الوعيَّ الاجتماعي، فتنامت تلك المشاركة النسائية النخبوية، وتجسدتْ المشاركةُ النسائية بتشكيلِ الجمعيات في مختلف المناطق، متدرجة من الأشكال البسيطة من المشاركة الإجتماعية إلى بروز الأهداف السياسية، وهو أمرٌ يعكسُ حجمَ القيود التي لا تتكبلُ بها النساءُ فقط بل الرجال كذلك. ولهذا فإن عمليةَ النضالِ الديمقراطية مشتركةٌ متداخلةٌ متصاعدة بين الجنسين.

ظهرتْ الجمعياتُ النسائية بالصورة التاريخية التالية:  جمعية نهضة فتاة البحرين تأسست عام 1955، وجمعية رعاية الطفل والأمومة تأسست عام 1960، وجمعية أوال النسائية تأسست عام 1970، جمعية الرفاع الثقافية الخيرية تأسست عام 1970، جمعية فتاة الريف تأسست عام 1970، وجمعية النساء الدولية تأسست عام 1974.

يعبر هذا النمو التاريخي عن حراك الوعي الاجتماعي العفوي من قبل النخب النسائية المتعددة المواقع والإتجاهات لتغيير وضع النساء بشكل متنوع، أغلبه جزئي، أولاً عبر التنوير الثقافي وتغيير جوانب من الحياة الاجتماعية ثم عبر ظهور الوعي السياسي، أي بربط قضية تطور النساء بالحريات العامة، وهو شكلٌ أضفتهُ في السبعينيات الناشطات في المنظمات السياسية.

وبدلاً من الأهداف العامة غير الواضحة بدأتْ اللغةُ السياسية للمنظمات السياسية تدخلُ حيزَ التفكير الاجتماعي للنساء، فظهرت أهدافٌ جديدة هامة وهي: مساواة المرأة والرجل في كافة الحقوق والواجبات، ومساواة المرأة العاملة والمستخدمة للرجل من حيث الأجور والإجازات ورعاية الأطفال وحقوق الأمومة وغيرها، وسن قانون للأحوال الشخصية، يأخذ بعين الاعتبار المكاسب التي حققتها المرأة في العديد من البلدان العربية والأجنبية.

إن تحول هذه الأهداف إلى نضال عملي هو أمرٌ شديدُ الصعوبة على مستوى العقود السابقة، فهذه يتطلب قوة إنتاج نسائية كبيرة، لكن كان نمو العمل النسائي محدوداً ففي النصف الثاني من 1965 كان عدد البحرينيات الموظفات يبلغ: 995، ووصل في عام 1971 إلى 8418 إمرأة.

وفي العقود الأخيرة بدأت هذه الأرقام تتغير:

( ارتفعت معدلات مساهمة المرأة في القوى العاملة فبلغت 25.9 في المئة حيث وصل عدد القوة العاملة النسائية 32769 نسمة. وتشير إحصائيات عام 2001 إلى إرتفاع نسبة العاملات في القطاع الخاص الى48.61 في المئة من مجموع العاملين وهي نسبة مساوية تقريباً لنسبة العاملات في القطاع الحكومي. وتشير دراسة قامت بها باحثة مصرية إلى أن نسبة العمالة النسائية تبلغ 32% بالنسبة لتعداد السكان بالبحرين.

هذا التطور العملي تضافر مع تطور ثقافي متصاعد:

(في العام 2001 سجلتْ المرأةُ الحاصلةُ على تعليمٍ ثانوي فأعلى نسبةَ: 70.15 في المئة من إجمالي عدد النساء مقابل 69.96 في المئةِ من الرجال. كما فاقتْ نسبةُ النساءِ الحاصلاتِ على مؤهلٍ جامعي (بكالوريوس/ ليسانس) نسبةَ الرجال حيث بلغت 14.34 في المئة مقابل 13.03 في المئة للرجال. وفي العام ذاته بلغ إجمالي الحاصلات على مؤهلٍ جامعي عال(الماجستير والدكتوراه) 765 امرأة مقابل 2072 رجلاً. كما انخفضتْ نسبةُ الأمية بين النساء إلى 17 في المئة.).

 جرى هذا التطور بشكل بطيء وصعب وأخذ عقوداً طويلة، لكون التعليم حتى الإبتدائي للنساء لم يكن سهلاً، ومن ثم فإن الارتقاء للتعليم الجامعي بهذا الشكل الواسع كان أكثر صعوبة، إضافة للنمو الأكثر إشكاليةً الذي يتكون في ميدان العمل الذي تصاعد في الوظائف المهنية ثم بشكل أقل في مراكز الإنتاج الصناعي.

لكن كل هذا التطور الذي قاومهُ الرجالُ المحافظون والقوى الاجتماعية القديمة والقوانين العتيقة في المذاهب والنظام السياسي، لم يُنتجْ ثماراً كبيرة على النساء في الحقوق الاجتماعية والسياسية، بسبب سيطرة المفاهيم المحافظة على وعي النساء أنفسهن، وقلة النخب النسائية المقاتلة في هذا السبيل، وهيمنة الوعي الذكوري الشمولي في المنظمات السياسية كذلك.

تعتبر جمعية فتاة الريف عن المعاناة الرهيبة التي تعرضتْ وتتعرضُ لها النساء البحرينيات في أدغال الحياة الاجتماعية عموماً وفي غابة الريف خصوصاً.

(سرن في درب مليء بمشاهد التحدي، فكنّ ينتزعن الشوك ويوزعن الورود، ويصافحن المرأة البحرينية الأمية ويصنعن منها إنساناً يجيدُ القراءةَ والكتابة ويفكُ طلاسم الحروف ويتقن الحساب، كن كفراشات الحديقة، يتنقلن في أرجاء حدائق الوطن، لينتزعن بعد 30 عاماً من الحضور والتجوال والنشاط في حقول العطاء وغابات الإنجازات الخالدة صكَ إعترافٍ رسمي بشرعية ”ممارسة الدور” وحق  ”أداء الواجب”، وهن اللواتي ظفرن بالنصر مبكراً جداً يوم تغلبتْ فيهن إرادةُ التطلعِ والتحرير على صخورِ الممانعات والحواجز الإسمنتية التي كانت تتخذُ أشكالاً عدة، حتى لقد طوى المناصرون عنهم كشحاً مخافة الإدانة والغمز واللمز وإلصاق التهم والتصنيفات الجاهزة).
هذا الكلام الرقيق الشاعري يحتاج لرؤية تضاريس الواقع الحقيقية اليومية، ولنأخذ بعض اللمحات السريعة حول هذا الواقع. في سنة 1960 جاءت باحثةٌ من الدنمارك لتعاين وضع النساء البحرينيات في الريف، وأختارت إحدى القرى من أجل هذا البحث الميداني، ولم تُقبل الباحثة بادئ ذي بدء فهي إمرأة ثم هي مسيحية، ثم أنها سوف تعيش لوحدها في منزل، لكن الترتيبات العليا ذللت هذه العقبات.

ودراسة الباحثة هني هنسن واسعة فهي تتعلق بالتقاليد الدينية والاجتماعية ولكن ما يهمنا هنا حركة النساء وحقوقهن، وتقول بأن النساء هن ممنوعات من الخروج من حدود القرية إلا بأذن الرجال، ويلبسن (المشمر) وهو لباس يغطيهن بشكل كامل، فالقرية تغدو مكان عزل النساء. وخروج المرأة من القرية يحتاج إلى محرم وهو الرجل سواء كان الزوج أو الأخ. وتستطيع المرأة أن تنتقل داخل القرية لتزويد الأسرة بإحتياجاتها من الخشب والماء من أجل الطهي. لكن هذا التحرك تقلص بسبب بدء توصيل خدمة المياه للبيوت. لكن نظام العزل بما يصاحبه من أمية وغياب التعليم والحقوق لم يمنع النساء من إيجاد مجتمع خاص بهن، عبر الإنغماس في الظاهرات الدينية وتكوين إحتفالات خاصة بهن عبر أجواء الحكي والشعر، (سار الستينيات: المرأة في قرية سار البحرينية بعيون هيني هنسن الدنيماركية، بقلم د.عبدالله يتيم).

ليس ثمة شيء اسمه الحقوق النسائية حينئذٍ، لكن الهيمنة الذكورية الكلية، والهيمنة السياسية الحكومية العامة، لم تمنعا عملية التحرر الرجالية النسائية المشتركة، فقد كان النظام الزراعي في طريقهِ للتفكك، من حيث هو علاقات إنتاج، ومن حيث هو نظام أبوي، فالاقتصادُ الحديث جذبَ الشبابَ، وهؤلاء لم يغيروا الهيمنة الذكورية لكن بدأت هذه تتزحزح لأن هذه الأجيال بدأت تتغير قليلاً مع عملية الإنفتاح. وقامتْ موجاتُ التعليمِ الذكوري أولاً ثم النسائي بعد ذلك بسنوات، بزحزحةِ تلك القيود الواسعة قليلاً في نظامِ الأسرةِ الأبوي المطلق، الذي لا يعرفُ الديمقراطيةَ في علاقاتهِ الداخلية من حيث سيادةِ طرفٍ وتمتعهِ بأغلبِ الحقوق والإمتيازات، وغياب هذه الحقوق عن الطرف الآخر.

لم تستطع الحركاتُ الديمقراطيةُ السياسية أن تتغلغلَ في الحياة الاجتماعية خاصة الريفية منها، وقد لمنسا بعض اللافحات الحارقة لدى جمعية نهضة فتاة الريف، فهذه الحركاتُ ضعيفةٌ عموماً هنا، وتلعب المظلةُ الدينيةُ المحافظة دورَها في تكييف العلاقات الاجتماعية لمصلحة الذكور عبر الإرث الديني وأدلجته من خلال أصواتها.

كانت القوى السياسيةُ الحكوميةُ والمذهبيةُ المحافظةُ تعملُ معاً في سنواتِ السبعينيات التي بدأتْ تلوحُ فيها بوادرُ تغييرِ القوانين السياسية والاجتماعية بعد الإستقلال، فكان الأتفاقُ على مجلسٍ وطني منتخب، وعلى حق المواطنين في الإنتخاب، لكن كلمة(المواطنون) هذه تم الأتفاق على أنها تعني (الرجال) فقط من قبل التيارات الحكومية والدينية. فحدثت الإنتخاباتُ الأولى الحديثة في البلد مع تغييبِ دور النساء، وكانت التياراتُ الحكومية والدينية الريفية خاصةً تمتلكُ الأكثريةَ لفرضِ قرار التغييب ذاك.

 إن عناصرَ الوعي الديمقراطي الوطني توقفتْ هنا بحلِ المجلس الوطني، ثم بتضخمِ دور الحكومة السياسي وثقلها الإقتصادي شبه الكلي، فتدهورتْ تلك  العناصرُ الديمقرطيةُ بشكلٍ واسع بعد حل المجلس وسيطرة قانون أمن الدولة، وهي أجواءٌ عاشتْ فيها بقوة وتوسع القوى المحافظة المذهبية، مما أدى إلى تدهور حقوق النساء بشكلٍ أكبر من السابق، وتدهورت عناصرُ الوعي الوطني البحريني عموماً، بدلاً من بوادر تناميها التي لاحت مع الومضة الديمقراطية الوطنية العامة في بداية السبعينيات.

وحتى في أثناء الومضة الديمقراطية السبعينية فإن حركات النساء لم ترضخ للتصور الذكوري المهيمن العام، فتقدمت جمعيتا النهضة وأوال النسائيتين بعريضة ترفض ذلك التغييب وتفسير مصطلح المواطنين على أنهم الرجال فقط!

أدت فترةُ التغييبِ الديمقراطي السياسي، إلى مضاعفاتٍ على القوى الشعبية التي تعاني أكثر من غيرها وهي العمال والنساء. فانتشرتْ التفسيراتُ المحافظةُ الشموليةُ للإسلام، فتراجعتْ مستوياتُ الجماعاتِ النسائية وقبلتْ بالعديدِ مما كانت ترفضهُ سابقاً من علاقات زوجية وإجتماعية وفكرية.

كان بروزُ الحركاتِ الدينيةِ ذا جانبين متعارضين، فهو يؤدي لحراكٍ سياسي إفتقدهُ المجتمعُ بسببِ القوانين المعرقلةِ للحريات، ولكنه في ذات الوقت يعيدُ المجتمعَ من حيث الوعي السياسي للوراء، فيحدثُ تقدمٌ من خلال آراءٍ محافظةٍ متخلفةٍ على أصعدةٍ مختلفة.

لقد إنضمت نساءٌ كثيراتٌ لهذا الحراكِ السياسي الديني، الذي كان الشكلُ الوحيدُ من الوجود الإجتماعي في زمنِ قانونِ أمن الدولة، وبرزَ هذا الشكلُ بقوةٍ بعد زوال هذا القانون وبدء التغيير على صعيد الحكم.

لقد عبّر الميثاقُ الوطني عن محاولةِ إستعادةِ التوازن بين الاتجاهاتِ التحديثية والاتجاهاتِ الدينية المحافظة، وعن إعطاءِ الفرصِ مجدداً للتوجهاتِ الوطنية والعصرية لتعيدَ علاقاتها بالجمهور، لكن المؤسسات السياسيةَ المنبثقة عن هذا التحول السياسي من برلمان وبلديات عكستْ مستوى الوعي المشلول للعقودِ السابقة، الوعي الذي فصمَ وحدةَ الشعب، وأعاد مسائلَ سياسية وإجتماعية تعودُ للعقود الأولى من القرن العشرين في البلد. هذا كان تعبيراً عن أن التراكمات الديمقراطيةَ التحديثيةَ المضروبة لم تستطعْ أن تنمو عبر قوى سياسية ذات حضور جماهيري.

لقد اكتشفَ العمالُ والنساءُ خاصةً هذا التناقض على الأرض الاجتماعية السياسية. هذا التناقضُ يجعلُ من النساء، وهم هنا بؤرةُ القضيةِ، قوةَ تصويت لا غير، أي قوة دفع للمرشحين الرجال المحافظين، الذين لن يناضلوا من أجل قضاياهن. وهكذا فحين تحقق  الحضورُ الديني المذهبي السياسي في المؤسسات المُنتخبة، لم تُطرح قضايا النساء وحقوقهن.

لقد اتخذ القوسُ المذهبي السياسي الاجتماعي دائرةً ضمتْ قوى خضعتْ للوعي المحافظِ السياسي وأجندتهِ في العديدِ من الدوائر الاجتماعية، فركزت على الصراع السياسي المجرد، وهو صراعُ نخبٍ ذكوريةٍ يمينية للوصولِ إلى المناصب السياسية والهيمنة على الجمهور لطرحِ مشروعٍ مذهبي تقسيمي للشعب، وبالتالي للعمال والنساء.

من هنا صُدمت القطاعاتُ النسائية (الطليعية) من التناقض بين أقوالِ الرجال السياسيين وأفعالهم، بدءً من شطبهن من القوائم ثم هيمنة الرجال المطلقة على المقاعد، ثم تنحية قضاياهن وتركها في الظل.

هذا أدى إلى تفعيلِ نشاطِ النساء المستقل وجعلهن ينتبهن لكونهن إستخدمن كأدوات.

وبدايةً كانت التحركاتُ من الشارع هي الأكثرُ إشعالاً للموقف النسائي فيما سُمي بلجنة العريضة النسائية، وطُرحت فيها العديدُ من المطالب الرئيسية والملحة والقضايا النسائية المستقلة التي تؤرقُ جمهورُ النساءِ كقطاعٍ له مشكلاته الخاصة كذلك.

كانت صرخةُ النساءِ مدويةً بتناقض ممارسة الرجال المحافظين: (إن الوعودَ الإنتخابية التي قطعها عددٌ من المرشحين للبرلمان تبخرتْ بعد أن نالوا عضوية المجلس)، وبعدها عادتْ النساءُ لطرح قضاياهن البسيطة بعد ذلك التحليق العالي، فكانت قضيةُ إصدار قانون للأحوال الشخصية أهم هذه القضايا. إن سيطرة الاتجاهات المحافظة على النساء وعلى أحوالِ الأسرةِ هي الاتجاه الغالب عبر التاريخ الديني الإسلامي بعد أن تركَ رجالُ الدينِ الصراعَ مع الحكومات الفاسدة، وتخصصوا في الهيمنةِ على النساءِ والثقافة الشخصية للمسلمين. ويغدو تحررُ النساءِ في تصورهِم هدماً للعائلة، وليس تطويراً لها من الظلماتِ الاجتماعية ولضرورةِ مراقبة أنانيات الرجال لبناء عائلة سليمة حقاً. ومن هنا كان إيجادُ قانونٍ موحد للأحوال الشخصية يمثلُ تحولاً نضالياً وطنياً ديمقراطياً بحرينياً. لكنه تحولَ إلى شقين مما عبّرَ عن مستويين مختلفين لوضعِ النساء وعن إشكاليةٍ حقوقية وطنية وعن العجز من توحيد الحركة الديمقراطية السياسية البحرينية.

حتى إصدار قانونٍ موحد عجزتْ عنه الحركةُ النسائية، فبدا تخلفها رهيباً هنا، وعادت لقضايا الدفاع عن الحقوق العامة والتفصيلية للنساء كالعمل ضد إلغاء أشكال التمييز الموجهة ضد النساء، وتغيير طابع المحاكم والقضاة في شؤون العائلة المختلفة، والدفاع عن حقوق المطلقات وغير هذا من قضايا.

قيامُ إتحادٍ نسائي يمثلُ وحدةَ النساء في البلد كان خطوةً على طريق بلورة إرادة سياسية للمرأة، كما كان قيام المجلس الأعلى للمرأة خطوة إصلاحية أخرى كبيرة على الصعيد الرسمي، لكن مستوى حضور النساء في الإنتاج، وفي المنظمات السياسية، وفي التنظيمات النقابية، وفي الحياة الاجتماعية الفكرية عامة، الأقل بكثير من أعدادهن في المجتمع يشيرُ إلى أن إنتزاعَ الحقوقِ النسائية لا يتمُ من خلال نُخبٍ صغيرة ومن خلالِ نساءٍ نادراتٍ يصلن إلى المجالس المنتخبة رغم أهمية هذه الخطوة، لكن يحدثُ ذلك من خلالِ حضورهن الاجتماعي السياسي الكبير في مختلفِ أوجهِ الحياة، بالدفاع عن مطالبهن الخاصة، ومطالب التغيير الوطني الديمقراطي العام كذلك.

عبـــــــدالله خلــــــــيفة : نضال النساء في البحرين

في إنتاجِ دكتاتوريته الفردية يصعدُ لينين صراعَهُ ضد التعددية في الحزب، فيقسمهُ، ويصعدُ صراعَه ضد التنوع الديمقراطي في الغرب فيغدو الغرب برجوازياً لا بد له من شيوعية نافية له بكليته.

تدهور مكانة المرأة واتساع الرقيق

   

كانت أوضاع المرأة في العصر الجاهلي قد تبدلت عن العصر الأمومي السابق المفترض ، الذي لم توجد منه سوى بقاياه ، ويمكن ملاحظة إن القبائل العربية الرعوية كانوا أكثر انفصالاً عن هذه المرحلة من القبائل العربية المستقرة والزراعية ، وهذا أمر سبق ملاحظته في المناطق الزراعية الشمالية .

فالرعوية تؤدي إلى سيادة ذكورية بارزة ، حيث حدث الانقلاب الهام ، باعتماد العمل على القوة العضلية ، وباعتباره عملاً شاقاً يرتكز على رعي قطعان الجمال خاصة ، ويتصف بــ «التوحش»، على حد تعبير أبن خلدون.

(إذ الإبل أصعب الحيوان فصالاً ومخاضاً وأحوجها في ذلك إلى الدفاء فاضطروا إلى إبعاد النجعة (…) فكانوا لذلك أشد الناس توحشاً وينزلون من أهل الحواضر منزلة الوحش)، (1).

   وعبر فرض الذكور هيمنتهم وملكيتهم للقطعان ، عبر شيوخ القبائل خاصة ، تنامت عملية استغلالهم للمرأة والعبيد والعاملين.

فتحولت المرأة إلى قطيع آخر ، مهمته توليد الأولاد الذكور ، لتقوية القبيلة ، ويغدو ظهور البنات وإنتاجهن على نطاق واسع كارثة لها وسط مهام العمل الضارية في الصحراء ، وأمام الغزوات التي لا تتوقف للقبائل الأخرى.

بل إن المرأة في القبيلة الرعوية تحولت إلى ما يشبه الرجل ، حيث انغمست في العمل الشاق ، وتضاءلت زينتها ، وجعلت مسئولة عن ولادة الرجال. لكن (لم يكن وضع المرأة سيئاً بشكل مطلق ، فقد كانت المرأة سافرة مع غطاء الشعر التقليدي ، كما يفعل الرجال تماماً) ، (2).

   وكانت تختلط بالرجال وتسافر وحدها ، وتركب الخيل ، وكان لها أن تساير الرجل الغريب وتستقبله في منزلها وهي ملزمة بأداء حقوق الضيافة لمن ينزل عليها من الرجال إن كانت وحدها ، وتعفى من هذه الحقوق إذا وجد الرجل من أهلها،  (3).

وكانت  تملك حق الطلاق كما يملكه الرجل ، ولها أن تقيم علاقة حب عفيفة مع رجل واحد ، لكن المرأة العربية في الجاهلية كانت محرومة من الإرث الذي يوزع بمشيئة الأب ، وكان تعدد الزوجات بلا حد معين ، وكان تعدد الأزواج موجود أيضاً ، ولكن بصورة نادرة ، ويسمونه (نكاح الرهط) ، وهو من بقايا المرحلة الأمومية .

وكان زواج ” الأكفاء ” سائداً حيث يمنع زواج المرأة العربية من غير العربي ، أو أن يكون من قبيلة أدنى ، وقد تمسكت طبقة الأشراف بذلك ، وخاصة الأمويين الحاكمين، (4).

 خفف الإسلام من التطرف الجاهلي عبر وضع حد لقتل البنات و لتعدد الزوجات المطلق ، دون أن يكون التعدد كذلك فرضاً ، كما طرح صيغة الزواج من المرأة الواحدة في حالة عدم القدرة على العدل والأنصاف ، وهذه الصيغة فضلها بعض كبار الصحابة كسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري.

وأدخلت المرأة في نظام الإرث والشهادة ، ولكن بشكل غير مساوٍ للرجل ، كما فرض الحجاب على نساء المدينة بعد تدفق الجواري ، ومن أجل التفريق بين النساء الحرائر والإماء ، بسبب السلوك المؤذي من قبل بعض الرجال، وفيما بعد فصل هذا الحكم عن ظروفه الملموسة وأسبابه، وأتخذه الرجال المالكون ذريعة لفصل المرأة العربية عن الحياة العامة بعد أن كثرت أموالهم واتسعت شهواتهم.

في الفترة الإسلامية الأولى كانت مكانة النساء هامة ، وقد لاحظت الصحابيات المهاجرات الوضع المختلف والمتميز لنساء المدينة عن وضع المرأة في مكة ، وقد ناضلن في سبيل تطور مكانتهن.

وكان الاختلاط بين الرجال والنساء واضحاً ، واختيرت بعض النساء لمراكز سياسية واجتماعية هامة ، كسمراء بنت نهيك التي كانت تتولى أمور السوق ، وكانت تتجول في أسواق المدينة وفي يديها سوط لتأديب المخالفين. وكذلك كانت الشفاء بنت عبد الله التي كانت مستشارة لعمر بن الخطاب في مسائل السوق ، (5).

ومن المعروف دور أمهات المؤمنين في تشكيل المرحلة الإسلامية الأولى ، مساندة وكفاحاً ومشاركة في الحركة السياسية.

وشاركت النساء في حروب المسلمين كفرق محرضة على القتال ، ولعبت فرقة النساء في معركة القادسية على سبيل المثال ، دوراً مؤثراً في استقتال العرب الرجال وانتصارهم على الرغم من قلة عددهم.

وقد أدت حروب الفتوح والثروات المتفقة على العرب الرجال خاصة ، إلى تدهور مكانة المرأة العربية ، حيث أمتلك الرجال الأغنياء والمتوسطين فوائض مالية كبيرة أنفقوها في اقتناء الجواري والعبيد.

لقد وضع أساس لعبودية المرأة في المدينة العربية الجديدة ، فوضعت رهن الإقامة الجبرية في البيوت ، فتشكل أساس عميق لتدهور الوعي العام ، في حين كانت المدينة ذاتها مركز للتجارة والثقافة.

لقد تضخمت أعداد العبيد والجواري في زمن الدولتين الأموية والعباسية ، كمظهر آخر لتدهور مكانة المرأة ، بحيث يصعب ضبطه.

(فقد سبى موسى بن نصير من البربر مائة ألف) ، (وصالح أهل النوبة الفاتحين العرب على ثلاثمائة من الرقيق أو أربعمائة يؤدونها سنوياً) ، ويرى الليث بن سعد ، الفقيه المعروف ، بأن هذه الصفقة جيدة (فإن باعوا نساءهم وأبناءهم لم أر بذلك بأساً) ، (6).

 (وقد كان أمراء الزنوج وزعماؤهم يقومون ببيع مواطنيهم) ، (وشارك اباضية ليبيا في عمليات مقايضة الرقيق وبيعه) ، (7)

واستقدمت أعدادٌ كبيرة من الزنوج إلى العراق من شرق أفريقيا في العصر الأموي ، وقد ثار هؤلاء الزنوج على الحجاج وانضموا إلى فئات أخرى في الثورة بدمشق في نفس الفترة.

وغدا الرقيق والنساء والجواري والحيوانات في مرتبة واحدة ، فتلقى القصر العباسي سنة 295 ه هدية من زيادة الأغلب ، مكونة من مائتي خادم أود وأبيض ومائة وخمسين جارية ومائة من الخيل ،(8).

 وأزدهر الرقيق التركي كذلك ، فكثرت أعداد ه في العصر العباسي القادم ، فأشترى المعتصم أربعة آلاف منهم دفعة واحدة ، ثم تتالت عمليات الشراء الواسعة حتى بلغوا ثمانية عشر ألفاً لديه. وحين فتح شمال الهند تدفق الرقيق الهندي ، وقيل إن أبن سبكتكين  حصل من خمس الرقيق فقط على ثلاثة وخمسين ألاً عند فتحها في القرن الرابع الهجري .

وانتشر كذلك الرقيق الصقلبي القادم من روسيا وأوربا الجنوبية والشمالية .

وازدهرت عمليات أخصاء العبيد وظهرت مراكز لهذا الأخصاء كمدينة (هدية) في الحبشة ومدينة (وشلاو) ، وكانت أعداد ضخمة من هؤلاء المخصيين تنقل إلى الحجاز وغيره من المناطق العربية. وقيل إن الخليفة المقتدر العباسي كان يملك أحد عشر ألف خصي من الصقالبة والروم وقيل أكثر ، (9).

لقد أصبح العديد من الخلفاء والقادة العرب من نسل الجواري ، وقد أدى انتشار الإماء إلى إبعاد المرأة العربية العامة الحرة عن كافة مظاهر الحياة السياسية والاجتماعية ، فقلت النساء المهتمات بالشئون العامة إلى حد نادر، وصار طريقهن للظهور عبر التفقه في الدين . أما اهتمام الجواري بالثقافة فكان من باب تحسين مستوى البضاعة البشرية ، لكي تؤدي الجارية أدواراً غنائية وإمتاعية إضافة لدورها الجسدي.

إن وضع الفلاحين والنساء والعبيد في هذه المكانة ، كان يجعل وعي الطبقات العليا والمتوسطة يتجه إلى الغيبيات، وليس إلى تحليل الواقع والنضال من خلال الناس لتغييره.

ولكن النضال كان يشق طريقه أيضاً عبر هذا الغيب، ومن داخل المدن الجديدة المتكونة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل من كتاب: الاتجاهات المثالية في الفلسفية العربية الإسلامية ، صدر الجزء الأول والثاني معاً بمجلد واحد ، ويعرضُ فيه المقدمات الفكرية والاجتماعية لظهور الإسلام والفلسفة العربية. وفي الجزء الثالث ، وهو يتناول تشكل الفلسفة العربية عند أبرز ممثليها من الفارابي حتى ابن رشد. وفي الجزء الرابع، تطور الفكر العربي الحديث , وهو يتناول تكون الفلسفة العربية الحديثة في مصر خاصة والبلدان العربية عامة، منذ الإمام محمد عبده وبقية النهضويين والمجددين ووقوفاً عند زكي نجيب محمود ويوسف كرم وغيرهما من منتجي الخطابات الفلسفية العربية المعاصرة , ₂₀₁₅.

المصادر:

(1) :(المقدمة ، فصل في أن جيل العرب في الخلقة طبيعي ).

(2) :(هادي العلوي ، فصول عن المرأة ، دار الكنوز الأدبية ، ط1 ، ص 16).

(3) : (المرجع السابق ، ص 17) .

(4) : (السابق ، ص 22 ).

(5) :(المرجع السابق ، ص 37).

(6):(المصدر: إبراهيم حركات، المجتمع الإسلامي والسلطة في العصر الوسيط، ص 91).

(7) :(السابق ص 91).

(8):(المصدر السابق ص 92).

(9): (السابق ص 99).

عبـــــــدالله خلــــــــيفة: تدهور مكانة المرأة واتساع الرقيق