لم يطوى أثر عبدلله خليفة برحيله، بل ظل راسخا في الوجدان الثقافي البحريني، كعراب للرواية البحرينية، وأحد أبرز الكتاب اللامعين الذين خلفوا نتاجا إبداعيا نوعيا ضخما تراوح بين الأدب من قصة قصيرة ورواية، ومجالات النقد والتحليل والبحث السياسي والتاريخي. تحل الذكرى الرابعة لرحيله ولا يزال أديبنا الوفي للهم الإنساني والاجتماعي في طرحه، حاضرا بإرثه الفكري في الأذهان الثقافية. وفي هذا الإطار أجمع عدد من الكتاب والنقاد البحرينيين على أن رحيل «خليفة» أحدث فراغا كبيرا في المشهد الثقافي والأدبي البحريني ليس من السهل شغله. يقول الناقد الدكتور حسن مدن أن رحيل عبدلله خليفة أفقد الحركة الثقافية والأدبية في البحرين ومنطقة الخليج العربي، واحدًا من أبرز وجوهها «فهو أحد أبرز رواد الرواية في بلاده وفي المنطقة. كما كان قبل ذلك، أحد أبرز كتاب القصة القصيرة وأغزرهم إنتاجًا». ويشير مدن إلى أنه بالإضافة لعطاء عبدلله خليفة الإبداعي، فإن له انشغالات نقدية على النصوص السردية، سواء كان في المنطقة أو حتى على الصعيد العربي. وقد شارك في الملتقيات الأدبية التي أقيمت في البحرين ودولة الإمارات والكويت والقاهرة وغيرها بدراسات مهمة حول المشهد الروائي في منطقة الخليج. ويلفت إلى أن عبدلله خليفة انهمك في مرحلة لاحقة من نضجه الفكري، في دراسات معمقة في التراث العربي الإسلامي، كان من حصيلتها بحثه الموسوعي عن النزعات المثالية في الفلسفة العربية الإسلامية. كما استوحى أعمالاً روائية من سيرة شخصيات بارزة في التاريخ الإسلامي.
ويؤكد أن عبدالله خليفة يشكّل نموذجًا نادرًا بين أقرانه من حيث انصرافه الكلي إلى البحث والقراءة. وقد تجلى ذلك في غزارة إنتاجه في حقول الإبداع والبحث، وعلى الرغم من العدد الكبير لرواياته ومجموعاته القصصية وأبحاثه المنشورة في كتب، إلاّ أن هناك الكثير من المخطوطات التي أنجزها ولا تزال تنتظر أن تنشر. ومع دأبه وجهده ومثابرته في الإنتاج، فإنه حبذ أن يكون بعيدًا عن الأضواء، وجنح إلى العزلة.
أما الناقدة أنيسة السعدون فتشير إلى أن الأثر الذي خلّفه غياب الراحل الكبير عبدالله خليفة على الساحة الثقافيّة والأدبيّة يمكن تلمسه من خلال الوقوف على ما تنطوي عليه تجربته الثقافيّة والأدبيّة من جدل إشكاليّ بين الذات وما ينحاز إليه من تصوّر آيديولوجي وطرح معرفيّ نقديّ يتبنّاه الكاتب في إطار مشروعه الثقافيّ ورؤيته الفكريّة ورسالته الفنّيّة.
وتوضح أن جميع هذه الأطر تبنّاها بقوّة الفعل «فهو مثقّف تنويريّ، وأديب ملتزم، وناقد فذّ، ومشارك فاعل في كثير من التحوّلات السياسيّة والثقافيّة والفكريّة والاجتماعيّة والأدبيّة، ومنخرط باليوميّ وما ينضح به من أسئلة وموضوعات، ومتحرّر من حدود ذاته الضيّقة، ومقترب من الجماهير، وواقف على همومها وتطلّعاتها، ومؤمن بضرورة التغيير نحو الأفضل. وكلّ ذلك يؤهّل مشروعه الثقافيّ لأن يكتسب مكانة مؤثّرة في المجتمع، ويكفل لتجربته الأدبيّة جاذبيّة ضافية تكتسب من ورائها مقروئيّة واسعة، وتستفزّ القرّاء إلى تبنّي رؤية أكثر اتّساعًا تنشط معها قوى الوعي والفعل».
وتؤكد السعدون أنه قلّما نجد من الكتّاب البحرينيّين من يحذق ذلك بالشكل الذي انعكس في وعي خليفة ثمّ انتقل إلى كتاباته في صورة مواقف فكريّة ورؤى فنّيّة قريبة من ذاته، وقريبة من مجتمعه ووطنه، وقريبة من جوهره الممتدّ في بعده الإنسانيّ «وكأنّ الراحل سخّر فكره ورؤاه وموهبته لخدمة تلك القضايا التي تشكّل الرأسمال الرمزيّ للإنسان. وبالانطلاق من موقفه المسؤول والملتزم كان يعي تمامًا أنّ أيَّ أثر تحيد رسالته عن هذا المغزى سيكون مصيرُه الذبول؛ لأن الإنسان هو المقياس لكلّ شيء، وهو الغاية من كلّ شيء، وهو الصانع لمصيره، وهو المسؤول عنه».
وتتابع «لعلّ من أبرز ما كان يميّز التجربة الكتابيّة عند خليفة تراكمها وانتظام صدروها؛ ممّا أهَّلَهُ لأن يكون أغزر كتّاب البحرين إنتاجًا، وأكثرهم حرصًا على فعل الكتابة؛ وهو ما فرض قيمة تجربته ورواجها، وعمق صداها، وجدارتها بالمتابعة النقديّة خارج النطاق المحلّيّ، كونها تمتلك وعيًا نقديًا بفعل الكتابة وشروطها وأدواتها ومقاصدها».
من جهته، يشير الشاعر علي عبدلله خليفة إلى أن الروائي الراحل عبدلله خليفة صوت مميز في الحركة البحرينية الأدبية كان الأبرز على مدى سنوات في الساحة الروائية الخليجية، إلى جانب تميز مقالاته الأدبية والفكرية، وإشراقه بنشاط على الصفحة الثقافية بجريدة أخبار الخليج.
ويؤكد إن غياب هذا الصوت الأدبي عن ساحتنا الثقافية ترك أثرا بليغا، إذ لم تشهد الساحة مثيلا أو رديفا لما مثله من فكر وإبداع «غياب مبدع بحجم الراحل ونشاطاته المتواصلة في مجال النشر يترك فراغا ذا أثر، فالروائي عبدلله امتاز بالتزامه خطا فكريا وسياسيا دمغ كل نتاجاته، وكان جليا في مواقفه الحياتية وحواراته الصحفية، وكان مدافعا شرسا عن الطبقة العاملة، وتجلى ذلك في اختيار شخوص رواياته ومواضيعها وكان طموحا في العمل على استجلاء تاريخ الأمة العربية محاولا إعادة كتابة التاريخ من زاوية اعتقاده».
ويرى الناقد جعفر حسن أن عبدالله خليفة علامة بارزة في السرد البحريني علاوة على منجزه الفكري الذي نشر تباعا، ومساهماته في النقد بكتاباته المتعددة على صفحات الجرائد المحلية والعربية وما نشره من كتب، ودوره في الحراك الاجتماعي والسياسي.
ويلفت حسن إلى أن عبدلله خليفة أسهم في توطيد المسار السردي من الواقعية الاجتماعية فيما كتب من روايات وقصص قصيرة، شكل عبدالله خليفة بها ذخيرة روائية وقصصية عاصرت التحولات الاجتماعية في البحرين من الاقتصاد التقليدي إلى اقتصاد النفط، وعبر عن ذلك فيما كتب متلمسا عذابات الإنسان في الماضي والحاضر.
ويوضح «لعله يشكل أحد أعمدة ما يمكن الرجوع إليه للتعرف على أنماط كتابة الرواية والقصة القصيرة بالنسبة للكتاب الجدد الذين يظهر لديهم نزوع نحو العاقبة الأخلاقية التي كانت من سمات بدايات كتابة السرد الأدبي في البحرين وسيادة النفس الرومانسي والذي تجاوزه عبدالله خليفة في واقعيته الأدبية بتقنياته المتعددة في كل من الرواية والقصة القصيرة».
أما الروائي محمد عبدالملك فيصف الراحل عبدلله خليفة بمنجم الرواية البحرينية الحديثة بالقول «منح عبدلله خليفة الرواية البحرينية الكثير من جهده ووقته، وحقق فيها إنجازات مهمة، وكان الأكثر غزارة وتنوعا بين كتاب الرواية في البحرين وربما في الخليج العربي، وفي هذه الروايات غطى عبدالله أزمنة متعددة من تاريخنا القديم والحديث، بدأ من فترة الغوص في رواية (الهيرات)، حتى الفترة النفطية التي زخرت بالتناقضات الحادة التي غذت الرواية في عموم الخليج العربي».
ويذكر أن عبدلله خليفة متعدد العطاء، وتنقل بين الرواية والقصة القصيرة والنقد الأدبي، والكتابة الفكرية، وأثرى هذه الحقول بالعطاء المتواصل على مدار نصف قرن، وكانت له مشاركات في الكتابة الصحفية التي عالج فيها الشأن العام، فالكتابة عنده بالإضافة إلى أنها غاية فهي وسيلة للتقدم والبناء والتنوير، وهو بذلك يشارك المجتمع بعلمه وثقافته وخبرته. وكان في كل الوقت منفعلا وفاعلا في المحيط الأدبي والثقافي.
ويشير عبدالملك إلى أن هاجس عبدلله خليفة كان كتابة روايات وقصص المهمشين والمناضلين والمعدمين فقد عاش عبدالله في حي عمالي، قريبا من حي العدامة المبني من سعف النخيل، فاختبر الحياة في القاع السفلي، وكان في كتاباته متألما وحالما كبيرا «وهو صرح كبير لا يتهاوى أو يعجز أو يهادن، وقدوة في الولاء والوفاء للكتابة. كان عبدالله قارئا نهما متعدد العطاء، فأبلى بلاء حسنا في كل الميادين. وقد ترك لنا ذخيرة حية من النتاج الأدبي والفكري».
بدوره، يعتبر الكاتب والقاص حسن بوحسن الأديب الراحل عبدلله خليفة قامة أدبية عالية ورمزا شامخا، ورقما صعبا في الحسابات الروائية البحرينية العربية، مشيرًا إلى استمرارية طيلة حياته مع القلم عبر إصدارات متنوعة حاول فيها كشف عوالم عديدة منها ثقافية وأخرى اجتماعية وسياسية ودينية «ولكن جلها تذهب في الكشف عن مكامن الألم والمعاناة والتحولات التي تعيشها الطبقات المجتمعية، ليدور بها في البلدان العربية والعالمية حاملا على كاهله مسؤولية إنسانية بحتة».
ويوضح بوحسن أن قلم عبدلله خليفة تصدى للنقد المحلي بتناوله خامات عديدة من المنجزات الأدبية البحرينية في القصة القصيرة «إذ يكاد يكون عبدالله خليفة الناقد الأبرز أو الأوحد الذي يعطي النتاج الأدبي الجديد حقه من المتابعة وعلى العكس ممن يدّعون النقد وهم بعيدون عنه، ومن هنا نتلمس الأثر والفراغ الذي خلّفه غياب الأديب والمفكر والناقد والأديب والقاص عبدالله خليفة على الرغم من استقبالنا يوميا بالعديد ومن إنجازاته الجديدة، التي ظهرت بعد رحيله».
وينظر الكاتب أحمد المؤذن إلى نتاجات عبدلله خليفة بأنها متشعبة الاتجاهات المختلفة من فكر وفلسفة ونقد، بالإضافة إلى النتاج الأدبي، معتبرا «خليفة» بما أنجزه من عالمه السردي، قد ترك علامة إبداعية فارقة في الكثير من المجاميع القصصية والأعمال الروائية التي صور فيها مجتمع البحرين متوغلا بعوالم مبهرة من حرفية الكتابة.
وعن الأثر الذي خلفه غيابه يقول «قامة كبيرة بحجم الراحل عبدالله خليفة بلا أدنى شك، تركت فراغـًا ليس من السهل أن يسده أديب آخر في الساحة البحرينية، إن مقدار عطاء هذا الكاتب يفرض اليوم المزيد من التحدي على الكتاب والمثقفين، لكون كتب» خليفة «تتابع صدورها بوتيرة طبيعية لا تصدق وكأنما روحـه بيننا تحوم ولم تغادر الدنيا!».
ويضيف المؤذن «حتى هذه اللحظـة فإن غياب «خليفة» والذي كان بنشاطه عبر المهرجانات والأعراس الثقافية العربية، متحدثا ومحللا ومحاضرا ناقدا للحراك الأدبي في البحرين، أنصف المشهد السردي البحريني ولم يترك أيما قلم جاد سجل بصمته في عالم السرد إلا وتعرض لتجربته بالنقد البناء، من المفارقات أننا إزاء كاتب اهتم بالجميع وقلما أوليناه الاهتمام أو حتى احتفلنا به».
ويلفت الكاتب والقاص مهدي عبدلله إلى أن رحيل عبدلله خليفة أفقد الساحة الثقافية البحرينية أديبا مفكرا لا يمكن تعويضه، معتبرا إياه قامة عالية في مجال الثقافة والفكر والأدب، وأحد أبرز رواد القصة القصيرة الاجتماعية في البحرين.
ويشير إلى أن عبدلله خليفة تميز بنتاجه الغزير المتنوع بين الرواية والقصة والتراث والفكر «وكان رجلا وطنيا وكاتب عمود صحفي سياسي يومي يتناول فيه القضايا المحلية والعربية والعالمية، إضافة إلى تحريره الصفحة الثقافية في أخبار الخليج والأضواء لسنوات طويلة كما رأس تحرير مجلة كلمات التي تصدرها أسرة الأدباء والكتاب لأكثر من عشر سنوات، وكان متفرغا للكتابة يرضى بالقليل من المردود المادي من اجل إنجاز مشروعه الكتابي فأنجز الكثير من الكتب التي لم تسعفه ظروف المرض ان يراها وهو على قيد الحياة لكن الأمل أن تواصل عائلته اصدار كتبه ورواياته المخطوطة».
عبــدالله خلـــــيفة كاتب وروائي من البحرين
Abdulla Khalifa author of stories and novels of Bahrain
1/3/1948 ـــ 21/10/2014
○ من مواليد القضيبية ــ البحرين .
○ خريج المعهد العالي للمعلمين بمملكة البحرين في سنة 1970، وقد عمل في سلك التدريس حتى فصله سنة 1975.
○ اعتقل من سنة 1975 إلى 1981.
○ عمل منذ سنة 1981 في الصحافة الاجتماعية والثـقافية في الصحف البحرينية والخليجية ، ونشر في العديد من الدوريات العربية .
○ تم طرده من أسرة الأدباء في البحرين سنة 1989.
○ عضو اتحاد الكتاب العرب بسوريا .
○ ساهم في مؤتمرات اتحاد الكتاب العرب ، وأول مؤتمر أشترك فيه كان سنة 1975 الذي عقد بالجمهورية الجزائرية وقدم فيه بحثاً عن تطور القصة القصيرة في البحرين ، وشارك في مؤتمر اتحاد الكتاب العرب بتونس سنة 2002 ، ببحث تحت عنوان (التضامن الكفاحي بين المسلمين ) ، وشارك في مؤتمر بجمهورية مصر العربية سنة 2003 ، وببحث تحت عنوان (المثقف العربي بين الحرية والاستبداد ) وذلك باتحاد الكتاب المصريين . والعديد من المؤتمرات الادبية العربية .
○ كتب منذ نهاية الستينيات في عدة أنواع أدبية وفكرية ، خاصة في إنتاج القصة القصيرة والرواية والدراسة الفكرية.
○ منذ سنة 1966 مارس عبدالله خليفة كتابة القصة القصيرة بشكل مكثف وواسع أكثر من بقية الأعمال الأدبية والفكرية التي كان يمازجها مع هذا الإنتاج ، حيث ترابطت لديه الكتابة بشتى أنواعها : مقالة ، ودراسة ، وقصة ، ونقد .
○ لكن في السنوات الأولى حظيت القصة القصيرة بشكل خاص بهذا النتاج ، وقد نشر عشرات القصص القصيرة في سنوات (1966 – 1975 ) في المجلات والصحف البحرينية خاصة ، ومنذ الثمانينيات من القرن الماضي قام بطبع نتاجه القصصي والروائي والفكري في دور النشر العربية المختلفة .
ونتاجه الأدبي والفكري يتنوع على النحو التالي : ✨ القصص القصيرة :ــ 1 ــ لحن الشتاء (قصص)، دار الغد، المنامة/ البحرين، 1975. ° (القصص: الغرباء ـــ الملك ـــ هكذا تكلم عبدالمولي ـــ الكلاب ـــ اغتيال ـــ حامل البرق ـــ الملاذ ـــ السندباد ـــ لحن الشتاء ـــ الوحل ـــ نجمة الخليج ـــ الطائر ـــ القبر الكبير ـــ الصدى ـــ العين).
2 ــ الرمل والياسمين (قصص)، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1982. ° (القصص: الفتاة والأمير ـــ علي بابا واللصوص ـــ شجرة الياسمين ـــ العوسج – الوجه ـــ الأرض والسماء ـــ المصباح ـــ نزهة ـــ الصورة ـــ اللقاء ـــ لعبة الرمل ـــ الأحجار ـــ العرائس ـــ الماء والدخان).
3 ــ يوم قائظ (قصص)، دار الفارابي، بيروت، 1984. ° (القصص: الدرب ــ أماه … أين أنت ــ الخروج ــ الجد ــ الجزيرة).
4 ــ سهرة (قصص)، المركز الثقافي العربي ، بيروت، 1994. ° (القصص: السفر ــ سهرة ــ قبضة تراب ــ الطوفان ــالأضواء ــ ليلة رأس السنة ــ خميس ــ هذا الجسد لك ــ هذا الجسد لي ــ أنا وأمي ــ الرمل والحجر).
5 ــ دهشة الساحر (قصص)، دار الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقية، 1997. ° (القصص: طريق النبع ـــ الأصنام ـــ الليل والنهار ـــ الأميرة والصعلوك ـــ الترانيم ـــ دهشة الساحر ـــ الصحراء ـــ الجبل البعيد ـــ الأحفاد ـــ نجمة الصباح).
6 ــ جنون النخيل (قصص)، دار شرقيات، القاهرة 1998. ° (القصص: بعد الانفجار ــ الموت لأكثر من مرة واحدة! ــ الأخوان ــ شهوة الدم ــ ياقوت ــ جنون النخيل ــ النوارس تغادر المدينة ــ رجب وأمينة ــ عند التلال ــ الأم والموت ــ النفق ــ ميلاد) .
7 ــ سيد الضريح (قصص)، وكالة الصحافة العربية، القاهرة، 2003. ° (القصص: طائران فوق عرش النار ـــ وراء الجبال ـــ ثنائية القتل المتخفي ـــ البركان ـــ سيد الضريح ـــ وتر في الليل المقطوع ـــ أطياف ـــ رؤيا ـــ محاكمة على بابا ـــ الحارس).
8 ــ الكسـيحُ ينهض (قصص) دار نينوى للدراسات والنشر 2017 . ° (القصص: الشاهدُ . . على اليمين ــ الكسـيحُ ينهض ــ جزيـرة الموتـى ــ مكي الجني ــ عـرضٌ في الظـلام ــ حفار القبور ــ شراء روح ــ كابــوس ــ ليلة صوفيـة ــ الخنفساء ــ بائع الموسيقى ــ الجنة ــ الطائـر الأصفـر ــ موت سعــاد ــ زينب والعصافير ــ شريفة والأشباح ــ موزة والزيت ــ حمامات فوق سطح قلبي ــ سقوط اللـون ــ الطريق إلى الحج ــ حادثة تحت المطر ــ قمرٌ ولصوص وشحاذون ــ مقامة التلفزيون ــ موتٌ في سوق مزدحمٍ ــ نهايــاتُ أغسطس ــ المغني والأميرة).
9 ــ أنطولــــــــــوجيا الحميــــــــر (قصص) دار نينوى للدراسات والنشر 2017 . ° (القصص: أنطولوجيا الحميـر ــ عمــران ــ علـى أجنحة الـرماد ــ خيمةٌ في الجـوار ــ ناشــرٌ ومنشــورٌ ــ شهوة الأرض ــ إغلاقُ المتحفِ لدواعي الإصلاح ــ طائرٌ في الدخان ــ الحـيُّ والميـــت ــ الأعـزلُ في الشركِ ــ الـرادود ــ تحقيقٌ ــ المطرُ يمـوتُ متسولاً ــ بدون ساقيــــن ــ عودة الشيخ لرباه ــ بيــت الرمـاد ــ صـلاةُ الجــــائع ــ في غابـات الـريف ــ القائدُ مجنونٌ ــ الحيــة ــ العــَلـَم ــ دمـوعُ البقــرة ــ في الثلاجــة ــ مقامات الشيخ معيوف).
10 ــ إنهم يهزون الأرض ! (قصص) دار نينوى للدراسات والنشر 2017 .
° (القصص: رسالةٌ من بـينِ الأظافرــ الأسـود ــ عاليـةٌ ــ جلـسةٌ سـادسةٌ للألمِ ــ غيـابٌ ــ عودةٌ للمهاجرِ ــ دائرةُ السعفِ ــ الضميرــ المحارب الذي لم يحـارب ــ الموتُ حُبــَأً ــ إنهم يهزون الأرض! ــ حـُلمٌ في الـغـسـق ــ رحلة الـرماد ــ أعلامٌ على المـاء ـــ قبقب الخليج الأخير ــ المنتمي إلى جبريل ــ البــق ــ رغيفُ العسلِ والجمر ــ عوليس أو إدريس ــ المفــازة ــ قضايا هاشـم المختار ــ أنشودة الصقر ــ غليانُ المياه).
11ــ ضوء المعتزلة (قصص) دار نينوى للدراسات والنشر 2017 .
12 ــــ باب البحر (قصص) دار نينوى للدراسات والنشر 2019 .
° (القصص: وراء البحر..ــ الربان ــ الحب هو الحب ــ امرأة ــ شجرة في بيت الجيران ــ المذبحة ــ ماذا تبغين ايتها الكآبة؟ ــ كل شيء ليس على ما يرام ــ حادث ــ اللوحة الأخيرة ــ إجازة نصف يوم ــ قمرٌ فوق دمشق ــ إذا أردتَ أن تكونَ حماراً ــ أطـــــــــــروحـــــةٌ ــ الغولة ــ شاعرُ الصراف الآلي ــ حوتِ ــ وسواسٌ ــ ملكة الشـاشــة ــ مقامة المسرح ــ يقظة غريبة ــ إعدام مؤلف . الثأر)
✨ الأعمال الروائية :ــ 13 ــ اللآلئ ، 1981. 14 ــ القرصان والمدينة 1982. 15 ــ الهيرات ، 1983. 16 ــ أغنية الماء والنار ، 1989. 17 ــ مريم لا تعرف الحداد(امرأة) ،1991 . 18 ــ الضباب ، 1994. 19 ــ نشيد البحر ، 1994. 20ــ الأقـلف ، 2002 . 21 ــ ساعة ظهور الأرواح ، 2004 . 22 ــ الأعمال الروائية الكاملة ، المجلد الأول: الآلئ, القرصان والمدينة , الهيرات, أغنية الماء والنار , 2004 23 ــ رأس الحسين ، 2006 ــــ رأس الحسين ، طبعة ثانية ، 2012 . 24 ــ عمر بن الخطاب شهيداً ، 2007 . 25 ــ التماثيل , 2007. 26 ــ عثمان بن عفان شهيداً ، 2008 . 27 ــ علي بن أبي طالب شهيداً ، 2008 . 28 ــ محمد ثائراً ، 2010 . 29 ــ ذهب مع النفط ، 2010 . 30 ــ عنترة يعود الى الجزيرة ، 2011. 31 ــ الينابيع ، الطبعة الكاملة ، 2012 . 32 ــ عقاب قاتل ، 2014. 33 ــ اغتصاب كوكب ، 2014 . 34 ــ رسائل جمال عبدالناصر السرية ، 2015 . 35 ــ ثمن الروح ، 2016 . 36 ــ ألماس والأبنوس ، 2016 . 37 ــ ابنُ السيد ، 2016 .
✨ الدراسات النقدية والفكرية :ـــ 46 ــ الراوي في عالم محمد عبد الملك القصصي، 2004 . 47 ــ الاتجاهات المثالية في الفلسفية العربية الإسلامية ، صدر الجزء الأول والثاني معاً بمجلد واحد ، في ستمائة صفحة، ويعرضُ فيه المقدمات الفكرية والاجتماعية لظهور الإسلام والفلسفة العربية 2005 . 48 ــ الاتجاهات المثالية في الفلسفة العربية الإسلامية ، الجزء الثالث ، وهو يتناول تشكل الفلسفة العربية عند أبرز ممثليها من الفارابي حتى ابن رشد 2005. 49 ــ الاتجاهات المثالية في الفلسفة العربية الإسلامية ، الجزء الرابع ، تطور الفكر العربي الحديث ، وهو يتناول تكون الفلسفة العربية الحديثة في مصر خاصة والبلدان العربية عامة، منذ الإمام محمد عبده وبقية النهضويين والمجددين ووقوفاً عند زكي نجيب محمود ويوسف كرم وغيرهما من منتجي الخطابات الفلسفية العربية المعاصرة ، 2015 . 50 ــ نجيب محفوظ من الرواية التاريخية إلى الرواية الفلسفية ، 2007. 51 ــ نماذج روائية من الخليج والجزيرة العربية ،2008 . 52 ــ صراع الطوائف والطبقات في المشرق العربي وإيران ، 2016 . 53 ــ الملعون سيرة وحوارات وما كتب عنه ، 2016 . 54 ــ تطور الأنواع الأدبية العربية , 2016 . 55 ــ رأس المال الحكومي الشرقي : الكتاب الأول (لينين ومغامرة الاشتراكية : الكتاب الثاني) ، 2016.
56 ــ عالم قاســــــــــم حــــــــــداد الشـــــــــــــعري ، 2019 .
57 ــ عبـــــــدالله خلــــــــيفة : عرضٌ ونـقـدٌ عن أعماله، 2019.
بمناسبة مرور أربع سنوات على رحيل الكاتب والروائي عبـــــــدالله خلــــــــيفة ، دفعت دار نينوى بدمشق ثلاث اصدارات جديدة للنشر :
دراسة نقدية بعنوان : عالم قاسم حداد الشـعري : وجاء في الغلاف الاخير : يمثل الشاعرُ البحريني قاسم حداد الصوت الشعري البحريني الأكثر حضوراً على امتداد النصف قرن الماضي، منذ سبعينيات القرن العشرين حتى العقود الأولى من القرن الواحد والعشرين، وقد اعطى الشعر البحريني منذ ديوانه الأول (البشارة) الصادر سنة 1970 الكثير من الإنجازات والتجارب والعديد من المشكلات كذلك، وهو في إنجازاته وأسئلته وإثارته الإبداعية والفكرية ساهم في دفع الحركة الأدبية والثقافية إلى الإمام.
وقد عبر قاسم بقوة عن تطور الجيل الأدبي الذي تشكل منذ خمسينيات القرن العشرين وبدأ البروفات التجريبية الكتابية طوال الستينيات التي شكلتهُ كصوتٍ وطني – معارض، ثم جاءت السبعينيات من القرن الماضي كذلك ليبدأ إنتاجه الحقيقي، وفي هذه العقود الثلاثة كانت البلد تنتقل من فقر مدقع إلى نمو اقتصادي بسيط، فأكتوى الجيل الإبداعي الأساسي في تاريخ البحرين بالفقر من جهة وبزخم التدفق الثقافي العربي والعالمي من جهة أخرى.
فصل من الكتاب
⁘12
يمشي مخفوراً بالوعول
تزدادُ في هذا الديوان النثري مسافة الانفصال عن الواقع، فتتمحور الذات حول نفسها بشكل صدفة عملاقة تضم الأرض والسماء، تغدو مقاربة للإله، ولنوح في سفينته وهو يدخلُ الكائنات أزواجاً في تكوينه الخشبي:
(يحاورُ مخلوقات الله ، يعارضُها . يكسر مرآة الخلق الأولى ، ويحفرُ تكويناً بهياً لأفق تلجهُ المخلوقات مطهرة ، مطهمة بالنقاوة ، لا جذر لأصابعها ، لا أسلاف ولا أسماء . يدجج وجناتها بالقرنفل . يدعوها ، أدخلي أزواجاً أو أفواجاً هنا باب لا يوصد فيلج الهيكلُ والروح والخلية. كطفل، كطين النطفة. يمحو وجه الأرض ، يرسمُ وجهَ الأرض …..)، (1).
والذات وهي تقوم بعملية الخلق الإبداعية هذه، تتأنسن كافة الكائنات وهي تدخل تلك السفينة الروحية التكوينية ، فتعارضها وتحاورها الذات في صيغة فنية مختلفة عن صيغة(مرآة الخلق الأولى)، لكن نجدها في تكوينها المتعدد الطبيعي – البشري مفتقدة للصراع ، فرب التكوينات الإبداعية المخلوقة (يهئُ هودجه ويقايض الجند بأسرار الجنة والنار )، هكذا تتعالى الذات حتى تصبح سيدة مطلقة في كونها المخلوق لها، فهي تتطابق والسيطرة الكاملة، ومن هنا تواصل الانسحاب من الأرض، ومن صراعاتها فتعيش في تلك الحرية العليا:
(يطمسُ غربة صاريةٍ واقفةٍ في اللج . يشدُ سعفة نخل ساهمةٍ كالسيف . يرسل نورسهُ في الغمر . ويزينُ تاجَ يديه ليمحو لغة ويرسم لغة يعلمها سر الله والفتح)، (2).
في تشكيله الشعري يتقارب هنا مع افتتاحية التوراة ، ولكن بخلاف ذلك الكتاب فإن كائناته تظل تدور حول ذاتها، في حين تكبر قصة الرب في التوراة بعد الخلق متجهة لظهور موسى والرسل وصياغة الصراع اليهودي – المصري.
ولكن الرب الشعري هنا يظل مع تكويناتهِ الضبابية هذه ، يعيد إنتاجها في ذلك الفضاء النوراني البعيد عن تضاريس الرمل والوحل.
فبعد أن عبر عن عملية الخلق في تلك الفقرة الطويلة يختمها بذات الحديث عن عملية الخلق لكن بكلمات مختلفة:
كيف تلجلجت الكلماتُ وهو كائن مطلق ؟ كيف تاهت عيناه؟ إن هذه التفاصيل لا تدخل مجرى صراع ما، ولا تكشف كيفية تشكل الشكل لأنها تجريدية ذاتية جوانية، لا تستعينُ بأداةٍ فنية تجسدُ نظرتها، ولا تكمل أسطورة الخلق الأولى في تكوينات خاصة، فتواصل عملية التجريد العام للتجربة ( وكان البابُ إلهاً يذكرُ غفلة أهل الدار ويغفرها)، فمن هم أهل الدار؟ كيف نسجوا في هذا الكساء الرباني؟ إن (المخلوقات) تـُخلق بشكلٍ ذاتي، لا تتولدُ من خلال عملية خلق موضوعية، فهي قابلة للاستمرار وقابلة للتوقف.
ويستمر هذا التجريدُ في العديد من النصوص ، وتغدو متابعة عملية النسج هذه متعبة، حين تتواصل تكرارية الكلام عن الذات:
(جاء مأخوذاً/ تقمصه الرماد ُ، وغادرت عيناهُ في هلعٍ / سيسألُ: لماذا مرت العرباتُ في بطءٍ على رئتيه)، فهذه التفاصيل القصصية الصغيرة تتكررُ وتعيدُ نفسَها بألفاظٍ أخرى، ولكن لا تتطور، فهذه العرباتُ التي لم تعدْ في طرق البحر الثلجي، ولا في سماء الخلق الأولى، وأخذت تضاريس الأرض تظهر، لا تنفتحُ على شيءٍ جديد يُدخل الذاتَ في تكوينٍ متصاعد، ويذكرنا تعبير (تقمصهُ الرمادُ) بالفترة الواقعية الأولى حيث لا مسافة وسطى بين النار والرماد، وأن الخلق التجريدي غير الملامس لغصون الحريق في الناس والأشياء، يتحول إلى مادة أولى تبحثُ عن تكوين.
وبعكسِ هذه القطع الناسجة حول التكوينات المُجردة، هناك منحى آخر يتوجه نحو تكويناتٍ غير مجردة، ويتداخل والتاريخ والصراع الإسلاميين.
ففي قطعة (تراث الليل) يبدأ صوتُ الإمام علي بن أبي طالب في الظهور، فتكوينُ الإلهِ التجريدي لا يؤدي إلى إشعالِ الحطبِ الشعري البارد بل لا بد من سخونة ما تجدها الذاتُ الشعرية في التماهي مع صوت الإمام:
(أنا الحطبُ الذي للنار/ كل سقيفة وشمٌ على جسدي/ يدي في زعفران الليل/ يا وجعاً تراثياً/ أنا الحطبُ الذي مثلُ الرمادِ الكامن المرصود/ كل سقيفةٍ تــُعطي ضياع الخيمة الأوتادَ والرقع)، (3) ص 22.
ومع إدخالهِ مثل هذه الشخصية النارية في المادة الشعرية فإن قاموسه التجريدي الطبيعي ظل مستمراً، متمظهراً في(زعفران الليل) وما يماثلها من مواد، وهاجس الشعر أن يبتعد عن القص، ويظل في بؤرة التجريد حتى لا ينزل لمادة الأرض الصلبة. لكن في عباراتٍ واسعة نادرة يفجرُ هذا الحطب بسخونة غير متوقعة، وقد أعطته رمزية السقيفة مثل هذا الأشعال:
(أذكرُ / . . من فجوة البحر ، وطرحوا السيف والذهب. السيف من هناك . والذهب من هنا . جيوشٌ مهزومة تتناسل في خوذة الريح والخديعة الخ )، (4).
إن الشخصية/ القناع التي تتكونُ مع الذات تعطي الأخيرة وهجاً فتنمو قطعٌ أخرى بحرارة، فلقد تناسجتْ الشخصيتان في صراع اجتماعي حار، على ضفتي التاريخ الماضية والمعاصرة، وإذا كان الإمام يقاومُ قبائلَ الذهب والخديعة، فإن الذات الشعرية المعاصرة تقاومها وقد أضيفَ الغزاة إليها، وتتشكلُ هذه بومضاتٍ صُورية سريعة، كتصويره لهجومها؛ (تلهث في الهزيمة مثل ذئبةٍ محاصرة).
في القطع التالية التي تعيش على امتدادات هذا الترميز تتوحد الشخصيتان في كيانٍ مشترك، صارخٍ بالصوت، مثل قطعتي(نبؤة النخل) و(الحوذي)، كقولهِ:
(يا أرضُ/ يا أرض لا تفتحي شرفة للبكاء/ افتحي نار عينيك نحو الغزاة/ افتحي للطريدة النجاة)، (5).
وبهذه الصراعية على مستوى الشخصيتين وعلى مستويي التاريخ والحاضر، تنمو دراما شعرية لا تكتمل لكونها تظل في القطعة الصغيرة، وفي عالم التجريد المسيطر لكنها ذات وهج فريد.
(والعرباتُ في هجوم الوعول كأنها ريحٌ محاربة كأن الليل منتصفُ الخليقة ، فانتظرْ يا سيد العرباتِ أحلامي مشعشعة باشلاء الضحايا وانتظر صوتي / دروعاً للنباتات البخيلة)، (6).
وتؤدي عملية التوهج على صعيد الماضي للذات أن تستعيدَ تجربتـَها المعاصرة، فخيبة الإمام وعدم انتصاره على أهل السقيفة وذوبان جيشه، تتضافر مع هزيمة الذات الشعرية في الراهن، مما يطلق مسارها الخاص المحتدم بالفجيعة.
(أغفى على وجعٍ قديم يحتفي/ حقواه مكسورانِ / مخذولٌ، وقافية تضيقُ به/ يطأوون تذكاراتهِ فيميلُ في جزعٍ / فأغفى . . وانتهى/ طحنتهُ في بطءٍ يدُ العربات عند الساحل الصخري أغفى . . وانتهى)، (7).
إن التجربة الماضوية الصراعية مستمرة كذكريات في الذات، وهي إعادة نظر ليست عميقة التأمل ووسيعتها، بل خاطفة، تستعيدُ شرارات عبر رسم تشكيلي هذه المرة للشخصية، لكون المحارب القديم يتجسد كائن مكسور في بعض العظام، وليس لأنه محارب قديم تركه جيشه.
ولو أن التضافر بين الماضي والحاضر، بين الإمام والذات الشعرية، نسج في معمعان صراعي ومشهديات مختلفة، مع هذه الأصوات الفردية القوية، لأمكن للديوان النثري أن يثري لوحاته.
فمن جانب رمزية الإمام تبدو شاحبة، غير مدغمة بلوحات تعمق خذلان اللحظة التاريخية المليئة بالدراما، والشاعر سبق أن مر على هذا الموقف بذات التجريد في (النهروان)، فنراه هنا يواصل نفس المشهدية التجريدية غير المنغرزة في التفاصيل النارية:
(هل أضاعوك على جسر السقيفة/ لاهجاً مستوحشاً)، (ماذا أضاعوا عند مفترق السقيفة:/ سيد الكلمات؟ محتما النبؤة؟ شاهداً يغوي القضاة؟ مقاتلاً هزمته نارُ الله في شكٍ؟)، (9).
إن الذات التاريخية تخاطب نفسها في مكانية محددة بالجسر والمفترق أو في مجردات كـ(ويداك في طين الخليقة).
إن العلاقة بين الشخصيتين التاريخية والشاعرية علاقة محدودة، وتركيز الشاعر على (السقيفة) يماثل النظرة الشيعية لتاريخ الإمام، والشاعر عاش في بيئة هذا الإرث، ولكنه لم يتعمق درس (ثقافة السقيفة) فغدت مسألة صراع الإمام مسألة إرث مـُنتزع، لا صراعاً اجتماعياً، وهذا يلائم التجريد من جهة ويلائم النظرات فوق العقلية (السريالية) من جهةٍ أخرى ونجد هذا الجانب يتطابق مع رؤية أدونيس في الثابت والمتحول (10).
وإذا كانت الذات الكبرى منسوجة بين الشخصيتين التاريخية والشعرية، إلا أن الأنا المعاصرة غير مهتمة بتحليل الدراما الاجتماعية للإمام علي في صراعه ضد الأرستقراطية القرشية العائدة للحكم، فتتحول هنا إلى تلك التجريدات التي لا تنغرس في الواقع الملتهب للزمن، أو أنها لا تجد مشتركات بين اللحظتين.
لكن الذات الشعرية في تعبيرها عن نفسها تفلح في خلق هذه النار المتوهجة:
إنها لحظة من الحفر الداخلي الوامض المضيء لتجربة زمنية وعملية طويلة، يقوم فيها التجريد الأكبر، حوار الشاعر/ النخل، بدور المغزل في نسج الماضي القتالي السريع المليء بالأخطاء، والمشرف كذلك، واستخدام الحوار التجريدي هذا هو الذي يبقي اللحظة الصراعية المتوهجة في زمنية وامضة، لا تتجه في الحفر في قنوات ما، مما يجعل اللحظة الدرامية ومضة خاطفة.
لقد أدى الموقف الاجتماعي للأنا الشعرية بانتقالها من موقع الرفض المطلق إلى العمل في كنف النظام، إلى استراتيجية رمزية غائرة، لا تتجه للحفر في الصراعات الاجتماعية والسياسية، مما يكثف الصور حتى تقترب من الاعتام:
(طاردَ البحر فرائسهُ وحاصرها في مضيقٍ تحرسه الوعول، فجاءت الريحُ والرماحُ وانشقت الأرض عن بلادٍ مكسورة تدورُ في المآذن فيها كقلاعٍ في ريبة وفي تمائم. حيث القناديل في غرف محفورة في صخرة الماءِ والماء مشكاة)، (11).
تلعب الرموز الطبيعية دورها الكبير في تشكيل اللوحات، والشاعر هنا يصور بلده المحاصرة خلال زمنية القمع وعالمها ينتقل من الوعي الحديث مرتداً إلى الدين، بشكله الخرافي، في حين أن القوى التحديثية في غرف محصورة، لكن الأنتماء باق، وهذا كله يتشكل على هيئة حوار بين الأنا في لحظتها المعاصرة المأسورة، وبين لحظتها حين كانت في وجودها الطفولي الأول المستمر:
(طفلٌ مقيدٌ يسمعُ النصلَ فيُرخي يديه ورجليه، جزرٌ مغدورة بلا قيادٍ ولا قاربٍ والجوعُ ختمٌ. صخرة الماء في كهفٍ والكهفُ في غور عميق، عمقٌ مجهولٌ مرصودٌ مقدسٌ والماء مشكاة).
إنها أكثر الصور تعبيراً عن زمنية البلد المخنوقة في القيود والرعب، فأي تعبير في هذا (صخرة الماء في كهف والكهف في غور عميق)، وهذا الطفل رغم كل هذا يتحرك عبر صوت الأنا الشعرية التي تحاوره، وترسم له زمنية طويلة مجحفة في قطرات من الضوء:
(كـُنتَ في البحر؟ كنتُ / زرعتُ نخلة . يكفيكَ مجد الزراعة والغوص . لا لؤلؤةٌ ولا نواة / سريركَ القبرُ، طأطئْ : ذلك البحرُ يهجوك، يهجو ويهجمُ أنت الطريدة. هل كنتَ؟ كنتُ. لك القيدُ والقبر والقرائن مبذولة).
إن الطفل هو الإنسان، ابن البحر والزراعة، الذي شكل هذا التاريخ وبقى طفلاً، معدماً، فصنع كل شيء وبقى سريره القبر. والشاعر هنا يشكل علاقة صراعية بين الطفل والبحر والتاريخ، دراما صغيرة تغوصُ الرموز في عالمها التجريدي الملموس، وهي حفرية دقيقة مرهفة مريرة، كثفها في لقطة مخيفة.
إن الطفلَ هو كلُ شيء وهو لا شيء، صانع الحياة ميت، ومشكل الثمار فارغ اليدين مطارد من عدو شرس مُغيّب الملامح، تبدو آثار شراسته في هذا العرش المخصص لإنتاج النعوش.
(10): (الثابت والمتحول، أدونيس يغدو التاريخ الإسلامي تاريخاً طائفياً منذ البدء لدى أدونيس ويتجلى ذلك في استشهاده رقم (112) في صفحة 332 من ثبت المصادر من الجزء الأول، حيث يستعين بكتاب الكامل لأبن الأثير الذي يروي وصية الإمام علي بن أبي طالب لولديه الحسن والحسين اللذين يطالبهما بضرورة نصرة الحق وبخصومة الظالم، ثم يروي وصية معاوية لأبنه يزيد الذي كرس فيه السيطرة والتعالي. وكلا الوصيتين تعبران عن منحى كلٍّ من الإمام والطاغية معاوية، لكن أدونيس يأخذ النصين الوصيتين ليستنتج منهما منحيين تاريخيين مجردين مُعممَّين فيقول: (وتكشف هذه الأقوال على منحيين أساسيين في النظر والعمل: الأول هو الذي ارتبطت به، تاريخياً، وانبثقت عنه مختلف التحركات التي تسير في أفق التحول. والمنحى الثاني هو الذي ارتبطت به مختلف التحركات التي تسير في أفق الثبات) .
(11): (نفسه ، قصيدة البحر ص 56).
(12): (ليس هذا الشكل ولا بشكلٍ آخر)، دار قرطاس، الكويت، ط1، 1997، ص 18 – 19).