عبـــــــدالله خلــــــــيفة ‏‏‏‏‏‏.. محققاً صحفياً

الزميل الأستاذ عبـــــــدالله خلــــــــيفة ‏‏‏‏‏‏يعدّ من الرواد الأوائل في تشكيل أسرة تحرير «أخبار الخليج» بعد بدء مسيرتها بسنوات قلائل.. والأمر الذي يؤكد انه كان على درجة عالية من الفطنة والذكاء.. انه قد جاء الى «أخبار الخليج» أديبا.. ولكنه فطن الى أن دخوله الى أسرة تحرير الجريدة من باب الأدب سيكون صعبا عليه.. أو قد يعرقل خطواته وطموحاته وأهدافه.. فقد كانت الجريدة في بداياتها تصدر في ثماني صفحات فقط.. وأبوابها وتقسيم صفحاتها تكون منحسرة.. وقد كان يتولى مهمة التحرير الأدبي على صفحات «أخبار الخليج» أدباء متمرسون…
فماذا فعل الأديب والروائي الراحل عبـــــــدالله خلــــــــيفة؟
قرر على الفور.. ومن دون أدنى تفكير أن يدخل الى أسرة تحرير «أخبار الخليج» من باب «قسم التحقيقات الصحفية» حتى لا ينافس أحدا.. وحتى لا ينافسه أحد.
ومن حسن حظي أنا شخصيا أنني كنت أتولى الإشراف على قسم التحقيقات الصحفية.. وقد فوجئت بالمرحوم محمد العزب موسى مدير تحرير «أخبار الخليج» يأتي الى مكتبي بصالة التحرير في (بناية المردي) ليقدم لي شابا قائلا: «هذا الزميل الجديد الأستاذ عبـــــــدالله خلــــــــيفة ‏‏‏‏‏‏لديه الرغبة للعمل معكم في قسم التحقيقات الصحفية».. وبعد أن رحبت به تركنا الأستاذ محمد العزب ليجري بيننا حديث استغرق حوالي نصف ساعة.. استمعت خلالها الى رؤاه وأفكاره.. شعرت حينها أنني أمام شخصية طيبة.. خلوقة.. وعميقة وأنه يميل الى أن يكون أديبا أكثر منه صحفيا.. وشعرت أيضا أنني أمام شخص يلمّ إلماما شاملا بقضايا وظواهر ومشاكل البحرين.. وانني شخصيا سوف أستفيد منه أكثر مما يفيد هو قسم التحقيقات الصحفية.. وحيث أنني كنت لا أزال جديدا على البحرين.. وأحتاج الى وقت لسبر أغوارها.
قدم إليّ الزميل الراحل مجموعة من أفكاره للتحقيقات الصحفية.. ورحبت بها جميعا.. ووافقت على أن يبدأ العمل عليها.. فرادى.. وليس جملة واحدة.. وبدأ العمل فعلا.. فكان من المحررين الغزيري الانتاج الذي لا يضيع وقتا.
تأكد لي بعد ذلك.. بشكل تدريجي.. أننا أمام مكسب جديد لأسرة التحرير.. وصحفي تحقيقات غير عادي.. ينفرد بإجادة نوع من التحقيقات الصحفية درسته في قسم الصحافة بالجامعة.. ونطلق عليه: «التحقيق المقالي»، وأن من يجيدون فن (التحقيق المقالي) في الصحافة العربية هم قلة قليلة.. ذلك لأن هذا النوع من التحقيقات يحتاج الى: أديب.. ومثقف.. وصحفي.. وكاتب.. ومُـلمّ إلماماً شاملا بكل ما يدور من حوله.. وصاحب أسلوب لا تنقصه الرشاقة والروعة… الخ.
وخلال فترة عملناها معا.. أتحفنا الزميل الراحل بمجموعة هائلة من التحقيقات الصحفية أو المقالية.. التي كان كل تحقيق فيها يملأ مساحة صفحة كاملة مع الصور.
وكان الجميع يقبلون على تحقيقاته الصحفية من فرط حلاوة وروعة العرض والأسلوب.. وكان الزملاء يقبلون على قراءتها في مرحلة (البروفات) قبل أن تصل الى أيدي القراء الذين كانوا يطالبون بالمزيد منها.. ويشتكون اذا تأخرت.
كان عبـــــــدالله خلــــــــيفة ‏‏‏‏‏‏يعرض تحقيقاته في صورة (كتلة أدبية) كاملة, فيها من المعلومات والتفاصيل والخلفيات الكثير عن المشكلة أو الظاهرة التي يتناولها, وفيها الحلول لهذه المشكلة.. وفيها من الخيال.. وروعة الأسلوب والحبكة الأدبية والصحفية.. وكل ذلك من دون الاخلال بعناصر التحقيق الصحفي.. وكان أحيانا ينوب عن أصحاب المشكلة في تحرير شكاواهم ورؤاهم وأوضاعهم ومطالبهم من فرط إلمامه الكبير بجذور المشاكل التي يحقق فيها ومعرفته الفائقة بأبعادها بوصفه مثقفا بحرينيا ومعدودا على الساحة.
وفي مرة قلت للزميل الأستاذ عبـــــــدالله خلــــــــيفة: هذا النوع من التحقيقات الصحفية (المؤدبة) الذي تجيده وتتفوق فيه على غيرك.. أنا أيضا أحبه.. وأجيده وتفوقت فيه في الجامعة.. وتمنيت لو تمكنت من ممارسته في حياتي العملية عندما بدأت العمل في الصحافة, ولكنه (رتم) العمل الصحفي.. وعنصر السرعة الذي يقتضي تقديم أكثر من تحقيق في الأسبوع الواحد.. كل ذلك جعلني أنهج الأسلوب التقليدي في اجراء التحقيقات الصحفية.. ثم أهجر التحقيقات كلها بعد ذلك لأتخصص صحفيا اخباريا!
والفرق بين الاستاذ عبـــــــدالله خلــــــــيفة ‏‏‏‏‏‏كمحقق صحفي في بداية حياته الصحفية.. وبيني عندما كنت طالبا أدرس الصحافة.. هو أننا معا كنا ننحو نحو ما يسمى (التحقيق المقالي) ولكنه كان يتفوّق بالنزول الميداني الى أرض المشكلة أو الظاهرة.. وان كان النزول أقل لكون ما لديه من كمّ هائل من المعلومات وعلم وثقافة أكثر.. كل ذلك جعل تحقيقاته تتميز بروعة العرض وحلاوة الاسلوب والامساك بزمام المشكلة.. والقدرة على طرح الحلول, وهذا من خلال قلم أديب وكاتب صحفي موهوب.
رحمه الله رحمة واسعة.. وأفسح له من جناته بقدر ما تركه من ثروة أدبية وثقافية هائلة.. ستظل زادا للأجيال عبر الأجيال.

لطفي نصر ٢٤ أكتوبر ٢٠١٤

22

24

أضف تعليق